اخر الاخبار

متى وكيف تدخل الانتخابات الأميركية مسار إعادة الفرز؟

على مدار التاريخ السياسي الأميركي، أُجريت الآلاف من عمليات إعادة الفرز في مختلف السباقات الانتخابية، امتد بعضها إلى أشهر وكلفت ملايين الدولارات، ونجحت في مرات قليلة في تغيير النتيجة.

وعندما تكون نتائج الانتخابات متقاربة جداً أو وجود طعون وشكوك تتعلق بصحة النتائج، تلجأ الجهات الانتخابية إلى إعادة الفرز، لكن قواعد تلك العملية، مثل هامش الفوز الضيق الذي يستدعي إعادة فرز تلقائي أو بناءً على طلب المرشحين، تحددها قوانين الولايات.

ورغم تنوع تلك القوانين، بسبب النظام الفيدرالي، يرصد عميد كلية “شار للسياسة” في جامعة جورج ماسون، مارك روزيل، ملامح مشتركة لتلك القوانين.

وقال روزيل في حديث لـ”الشرق”، إنه في حوالي نصف الولايات، إذا كانت نتيجة الانتخابات ضمن هامش ضيق للغاية، عادة 0.5%، فإن إعادة الفرز تحدث تلقائياً، بينما تسمح ولايات أخرى للمرشح الخاسر أو مجموعة من المواطنين المعنيين بتقديم التماس بطلب إعادة فرز الأصوات، إذا كان الهامش ضمن نفس النطاق الضيق، عادة 0.5%.

أما عن حق الناخبين في تقديم التماس لإعادة فرز، أوضح روزيل، أنه في العديد من الولايات، يجوز للناخبين تقديم التماس لإعادة فرز الأصوات لنتائج الاستفتاءات فقط، وليس لنتائج الانتخابات العامة. 

وأضاف روزيل أن اختلاف القوانين من ولاية إلى أخرى، وعدم وجود نهج موحد على المستوى الوطني لإعادة فرز الأصوات في الانتخابات، يضع على المرشحين ومستشاريهم القانونيين أن يكونوا على دراية كاملة بالقوانين والإجراءات الخاصة بكل ولاية من الولايات الـ50.

من جانبه، لفت أستاذ السياسة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، جون وايت، في حديث لـ”الشرق” إلى نوع آخر من القوانين التي تنظم إعادة فرز الأصوات في معظم الولايات، حيث يُسمح للمرشحين طلب إعادة فرز على نفقة الولاية، إذا كان الفارق النهائي في الأصوات يقع ضمن نسبة محددة.

وغالباً ما تكون هذه النسبة 1% أو أقل، وتختلف هذه النسبة من ولاية إلى أخرى، أما إذا كان الفارق بين المرشحين أعلى من النسبة المحددة في قانون الولاية، يمكن للمرشحين طلب إعادة الفرز، ولكن يجب عليهم تغطية تكاليف العملية بأنفسهم.

الخاسر.. فائز في مينيسوتا

وكادت إعادة فرز الأصوات أن تغير نتيجة انتخابات الرئاسة عام 2000، لكنها لم تنجح من قبل، واستبعد روزيل نجاحها فيما بعد.

واستعاد روزيل أحداث انتخابات عام 2000، عندما أمرت المحكمة العليا، ولاية فلوريدا بوقف إعادة فرز الأصوات بعد 36 يوماً من يوم الانتخابات. 

وكانت النتيجة بأكملها تعتمد على تلك الولاية، نظراً لأن المرشحين الرئاسيين كانا متعادلين بشكل أساسي في الأصوات الانتخابية في الولايات الـ49 الأخرى، عند النقطة التي أنهت فيها المحكمة إعادة الفرز، كان جورج بوش الأبن متقدماً بنحو 500 صوت على منافسه الديمقراطي آل جور، ما حسم نتيجة الحملة الرئاسية.

ولا يوجد دليل موثوق على أن تمديد إعادة الفرز لفترة أطول كان ليغير النتيجة في فلوريدا. وفي استحقاقات انتخابية غير رئاسية، أدت إعادة الفرز إلى قلب نتائج الانتخابات، وأوضح وايت أن أبرزها سباق مجلس الشيوخ في ولاية مينيسوتا عام 2008، الذي حول السيناتور الديمقراطي آل فرانكن من خاسر إلى فائز بفارق 300 صوت تقريباً.

وكان السيناتور الجمهوري نورم كولمان من ولاية مينيسوتا، قد تقدم على منافسه الديمقراطي آل فرانكن بفارق ضئيل  بلغ 206 أصوات من إجمالي يزيد على 2.9 مليون صوت تم الإدلاء بها. 




ونتيجة لهذا الهامش الضئيل، تقرر إجراء إعادة فرز تلقائية للأصوات على مستوى الولاية، وبعد شهر من بدء العملية خرجت النتائج لتمنح الخاسر، الفوز، حيث أظهرت إعادة الفرز تقدم آل فرانكن بفارق 312 صوتاً على كولمان.

لكن كولمان قام بالطعن في نتائج إعادة الفرز أمام المحاكم، واستمرت الإجراءات القضائية لمدة 6 أشهر إضافية، وصولاً إلى المحكمة العليا للولاية. وفي النهاية أيدت المحكمة العليا نتائج إعادة الفرز وأعلنت فوز آل فرانكن رسمياً.

“لم تكن نظيفة”

وقبل انتخابات آل فرانكن بأربع سنوات وفي ولاية واشنطن، حسم إعادة الفرز أقرب سباق على منصب حاكم الولاية في تاريخ الولايات المتحدة.

وكانت نتائج الانتخابات أظهرت فوز عضو مجلس الشيوخ الجمهوري السابق، دينو روسي، على المدعية العامة الديمقراطية، كريستين جريجوار، بـ261 صوتاً من أصل حوالي 3 ملايين بطاقة اقتراع تم الإدلاء بها.

وفي عام 2004، كانت ولاية واشنطن تعمل بنظام انتخابي مزدوج، حيث أتاح التصويت بالبريد منذ عام 1993، بالإضافة إلى استمرار مراكز الاقتراع التقليدية.

وبحلول ذلك العام، كان حوالي 60% من الناخبين يصوتون عبر البريد، في حين كان 40% يصوتون شخصياً، هذا الوضع جعل عملية فرز الأصوات معقدة للغاية.

وقبل انتهاء إعادة الفرز باستخدام الآلات، انخفض الفارق بين المرشحين بشكل أكبر، حيث كان المرشح، دينو روسي، متقدماً بفارق ضئيل بلغ 42 صوتاً فقط من بين ما يقرب من 3 ملايين صوت. 

وسمح ذلك بإعادة فرز الأصوات يدوياً، خاصة مع تحمل جريجوار تغطية تكاليف العملية مقدماً، لتستمر المقاطعات الـ39 في جميع أنحاء الولاية على مدار شهر ديسمبر في إعادة فرز الأصوات يدوياً للمرة الأولى في تاريخها.

وكشفت عملية إعادة الفرز اليدوي عن مئات الأصوات المفقودة، واضطر الحزب الديمقراطي إلى اللجوء إلى المحكمة العليا في الولاية لفرز هذه الأصوات، الأمر الذي أعطى جريجوار تقدماً بـ129 صوتاً.

ومع ذلك، لم يعترف روسي بالهزيمة، وقدم دعاوى قضائية وشكك في نزاهة الانتخابات، مدعياً أنها لم تكن “انتخابات نظيفة”. وبعد 3 عمليات فرز لنحو 3 ملايين بطاقة اقتراع، و4 دعاوى قضائية، و7 أسابيع من الجدل وإنفاق ملايين الدولارات، تم إجراء إعادة فرز الأصوات مجدداً، وفازت جريجوار بـ130 صوتاً، وقرر روسي التوقف عن متابعة الطعن وإنهاء المعركة القانونية وتقبل الخسارة، بعد أن كان فائزاً في البداية.

أطول متنازع عليها في “الشيوخ”

وفي عام 1974، شهدت نيوهامبشر منافسة شرسة على مقعد مجلس الشيوخ بين الديمقراطي جون دوركين، والجمهوري لويس وايمان، رغم أن استطلاعات الرأي الأولية أظهرت تفوق وايمان، وجاءت فضيحة “ووترجيت” لتقلب الموازين لصالح الديمقراطيين، لكن تم إعلان فوز وايمان بفارق 355 صوتاً.

وطالب دوركين بإعادة فرز الأصوات، وبعد الفرز الأولي تم إعلانه فائزاً بفارق 10 أصوات، إلا أن وايمان طالب بإعادة فرز أخرى انتهت بفوزه بفارق صوتين. تم سحب شهادة فوز دوركين، لكن الأخير لجأ إلى مجلس الشيوخ لحسم النزاع.

وكانت هذه المرة الأولى والوحيدة، التي يتم فيها إحالة انتخابات مجلس الشيوخ إلى مجلس الشيوخ. واستمر الخلاف حتى يوليو 1975، عندما اتفق الطرفان على إجراء انتخابات جديدة بعد جمود سياسي طويل تجاوز الـ10 أشهر. 

وأُجريت الانتخابات في سبتمبر، وفاز دوركين على وايمان بأغلبية بلغت 27 ألف صوت، لينهي النزاع ويشغل المقعد.

إجراءات سلامة وتصويت احتيالي

ومع تكرار عمليات الفرز وخروج نتائج مختلفة، تخرج اتهامات تشكك في نزاهة العملية، لكن وايت أكد أن هناك إجراءات تُتخذ لضمان سلامتها عملية الفرز ودقتها. 

ولا تقتصر عملية إعادة الفرز  على الأصوات الورقية فقط، بل تشمل أيضاً الأصوات البريدية وآلات التصويت الإلكترونية، إذ يتم التدقيق في صحة التصويت وفرز الأصوات مرة أخرى للتأكد من دقة النتائج النهائية.

وأكد وايت أن الولايات تبذل جهوداً هائلة للحفاظ على سلامة بطاقات الاقتراع الخاصة بها، لافتاً إلى أنه في بعض الحالات، يعني هذا تركيب كاميرات، حيث يمكن للناخبين مراقبة الفرز. 

ومع ذلك، رجح وايت أنه في انتخابات 2024، والتي من المتوقع أن تكون متقاربة للغاية، ستكون هناك طعون قضائية وتحديات قانونية.

وقال: “لقد شهدنا تحدياً في ولاية جورجيا، حيث تجاوز مجلس الانتخابات سلطاته في رفض التحقق من الأصوات. وقد ألغى قاضٍ قرار مجلس الانتخابات”، مشيراً إلى أن مسؤولية المجلس هي تنفيذ قانون الولاية، وليس تعديله.

من جانبه، أوضح روزيل أن الشاغل الرئيسي في انتخابات 2024، هو ما سيفعله المرشح الجمهوري دونالد ترمب، إذا خسر من أجل تقويض الثقة العامة في شرعية نتيجة الانتخابات. 

ورجح روزيل أن يزعم ترمب وجود تصويت احتيالي للناخبين يصدقه العديد من أنصاره، رغم كل الأدلة التي تشير إلى شفافية ودقة الانتخابات، موضحاً أن المحكمة نظرت في العديد من القضايا التي تتعلق بمزاعم ترمب في عام 2020 ولم تجد أي دليل على تزوير الناخبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *