مجلس الأمن القومي في سوريا.. ضرورة يفرضها الواقع

– حسام المحمود
في 13 من آذار الماضي، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قرارًا بتشكيل مجلس الأمن القومي في سوريا، وضم مجموعة من وزراء الحكومة المؤقتة التي حلت محلها الحكومة الانتقالية التي جرى تشكيلها نهاية الشهر نفسه.
وبحسب نص القرار الصادر عن “رئاسة الجمهورية العربية السورية”، فإنه بناء على الصلاحيات الممنوحة للرئيس السوري وانطلاقًا من المصلحة الوطنية العليا، وحرصًا على تعزيز الأمن القومي، والاستجابة للتحديات الأمنية والسياسية في المرحلة المقبلة، يتم تشكل المجلس بهدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية.
ويتألف المجلس من وزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات العامة ووزير الداخلية.
كما يضم المجلس مقعدين استشاريين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقًا للكفاءة والخبرة، بالإضافة إلى مقعد تقني تخصصي يتم تعيينه من قبل الرئيس لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بمحضر الجلسة.
وتعقد اجتماعات مجلس الأمن القومي بشكل دوري أو بناء على دعوة من رئيس الجمهورية، ويتخذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي وبالتحديات التي تواجه الدولة بالتشاور مع الأعضاء.
كما تحدد مهام مجلس الأمن القومي وآلية عمله بتوجيهات من رئيس الجمهورية، بما يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا، وبما يضمن التنسيق الفعال بين مختلف الأجهزة الأمنية.
وفي 30 من آذار الماضي، وحين أعلن الرئيس السوري تشكيل الحكومة الجديدة، تولى أنس خطاب، رئيس جهاز الاستخبارات السورية، منصب وزير الداخلية، ليترك منصب إدارة جهاز الاستخبارات شاغرًا منذ ذلك الوقت، كما أن قرار تشكيل مجلس الأمن القومي لم يحدد هوية أصحاب المقعدين الاستشاريين الذين يعينهما الرئيس، ولم يصدر أي إعلان لاحق عن تعيينهما.
في ظل تحديات داخلية وخارجية
جاء تشكيل المجلس الذي يمثل هيئة أمنية رفيعة المستوى، في وقت تشهد به البلاد مجموعة من التحديات الأمنية والسياسية والعسكرية على أكثر من مستوى، إذ جرى تشكيله بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط من سقوط نظام الأسد المخلوع، وتفكيك المنظومة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية للنظام السابق.
وفي تلك الفترة، قال أنس خطاب (وزير الداخلية حاليًا)، إنه سيعاد تشكيل المؤسسة الأمنية من جديد بعد حل جميع الفروع الأمنية وإعادة هيكلتها بصورة تليق بالشعب السوري وتاريخه العريق في بناء الأمم.
كما جاء في قرارات “مؤتمر النصر”، في 29 من كانون الثاني الماضي، حل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة.
كما أن المجلس تشكل على أرضية سورية هشة غنية بالمشكلات، فملف فلول النظام السابق والتهديدات الأمنية التي يشكلونها لا يزال مفتوحًا، إلى جانب مواصلة العمل على ضبط السلاح المنفلت والسعي لحصر السلاح بيد أجهزة الدولة، ويبدو ذلك من خلال هجمات متفرقة تشنها الفلول ضد قوات الأمن السورية، بالتوازي مع تسليم متواصل لأسلحة واكتشاف مستودعات ومخازن سلاح وذخيرة، أو التبليغ عن أسلحة مخبأة من قبل هيئات محلية.
إلى جانب ذلك، فإن العمل على توحيد الجغرافيا السورية في سلطة سياسية وعسكرية واحدة لا يزال مستمرًا بعد الاتفاق الذي أبرمه الرئيس السوري مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، والذي يفترض أن يُتوّج في نهاية العام بسيطرة قوات حكومية رسمية على المناطق التي تديرها حاليًا “الإدارة الذاتية”، ولتحقيق ذلك جرت عمليات تبادل أسرى بين القوات الحكومية و”قسد” في أحياء ذات غالبية كردية في حلب، بالإضافة إلى انسحاب “قسد” من هذه الأحياء، نحو مناطق شمال شرقي سوريا، لتدخلها فيما بعد قوى الأمن العام الحكومية.
وفي جنوبي سوريا أيضًا، لم تتخلَّ الفصائل المحلية في السويداء عن سلاحها، ولم تسلمه للدولة السورية، ولم تسمح القوى المحلية الاجتماعية الفاعلة، ممثلة بالرئيس الروحي للموحدين الدروز، بتسيير دوريات للأمن العام، ما يعني سيطرة غير كاملة في الجنوب، في الوقت الذي تشن به إسرائيل غارات جوية تطول القدرات العسكرية السورية في محافظات عدة، منها دمشق وحمص وحماة ودرعا، مع توغل إسرائيلي بري أعقب سقوط نظام الأسد، تجاوزت خلاله إسرائيل الخط العازل، وانتهكت اتفاقية “فض الاشتباك” المبرمة عام 1974، في جبل الشيخ، وريف درعا، حيث صعدت إسرائيل في منطقة حوض اليرموك جنوبي سوريا، بعدما قوبلت قواتها البرية بمقاومة شعبية محلية، لتقتل سوريين وتصيب آخرين بالرصاص وقذائف دباباتها.
خطوة ضرورية
المحلل العسكري الرائد طارق حاج بكري، اعتبر أن تشكيل مجلس أمن قومي في هذا الوقت بالذات ضرورة، لأن سوريا تتعرض لمخاطر عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهناك أحداث يقوم بها فلول النظام ومجرمون ملاحقون يشكلون تهديدًا في الساحل السوري ولهم مراكز سرية، كما أن هناك دعوات مشبوهة تصدر عن أشخاص في الجنوب السوري تدعو لتدخل إسرائيل في الشأن السوري.
كما أن هناك تهديدًا دوليًا حاضرًا في شمال شرقي سوريا، إلى جانب تهديدات إيران وميليشياتها و”حزب الله”، ما يجعل مجلس الأمن القومي ضرورة لأنه يختلف عن الأمن الداخلي في أن من مهامه الحفاظ على الأمن الوطني امتدادًا إلى خارج سوريا لمنع التهديدات التي تأتي من الخارج إلى الداخل، وكثير من الدول تلجأ لتشكيل مجالس من هذا النوع تتولى القرارات المفصلية التي تمس الدولة، وقراراته تُحترم من قبل كل القوى الأمنية المحلية.
ويعتبر الأمن الداخلي وجهاز الاستخبارات جزءًا من الأمن القومي، ولا تعارض بين الكيانين، لأن مجلس الأمن القومي هو المرجعية الأمنية الأعلى في البلاد، وهو من يقترح أصحاب المناصب الأمنية الحساسة أيضًا.
هيئات لتنسيق وتنفيذ السياسات
مجالس الأمن القومي هيئات حكومية عليا تُعنى بوضع وتنسيق وتنفيذ السياسات المتعلقة بالأمن القومي للدولة، وتختلف مهامها وتركيبتها من دولة لأخرى، لكنها تشترك غالبًا في بعض الأدوار الرئيسة، ومنها تقييم التهديدات الأمنية وتحليل وتقدير المخاطر والتهديدات المحتملة للدولة، سواء داخلية أو خارجية (مثل الإرهاب، التجسس، الأوبئة، الكوارث، الأمن السيبراني…).
كما تُعنى بصياغة السياسات الأمنية والاستراتيجية وتقديم توصيات بشأنها، واقتراح الخطط المناسبة للتعامل مع الأزمات والتهديدات، بالإضافة إلى التنسيق بين الجهات المعنية والربط بين مؤسسات الدولة المعنية بالأمن (الدفاع، الاستخبارات، الخارجية، الداخلية، وغيرها) لضمان وحدة القرار والتنفيذ.
وتتولى هذه المجالس مهمة الرقابة على الأجهزة الأمنية، وأحيانًا تشرف أو تراقب أداء أجهزة الأمن والمخابرات وتتحقق من التزامها بالقانون، إلى جانب إدارة الأزمات والطوارئ والمشاركة في صنع القرار خلال الأزمات الكبرى، مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الهجمات الإرهابية.
وفيما يتعلق بمناقشة السياسات الدفاعية والخارجية، فكثيرًا ما يكون لهذه المجالس دور استشاري أو حتى تنفيذي فيما يخص السياسة الخارجية والدفاعية.
ومن الدول التي تمتلك مجالس من هذا النوع، الولايات المتحدة الأمريكية، وتأسس مجلس الأمن القومي فيها (NSC) عام 1947، وهو من أهم أجهزة التخطيط الأمني والاستراتيجي في العالم.
ويوجد في روسيا مجلس الأمن الروسي، ويتكون من 30 عضوًا، منهم 13 دائمون، ويرأسه الرئيس الروسي، وهو أداة قوية بيده، وهناك مجلس أيضًا في فرنسا يتعامل مع التهديدات الأمنية.
وكانت بريطانيا أنشأت مجلسًا للأمن القومي في 2010، لتنسيق الاستراتيجيات الأمنية والدفاعية، وتوجد في الصين لجنة مركزية للأمن القومي تحت إشراف الحزب الشيوعي، وتعنى بتنسيق الأمن القومي.
وهناك مجالس أمن قومي في دول عربية وإسلامية، منها تركيا ومصر، مع اختلاف في تركيبتها وسلطاتها وصلاحياتها.
وغالبًا ما تضم هذه المجالس في عضويتها رئيس الدولة أو الحكومة، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس الاستخبارات، ومستشار الأمن القومي، في حال وجود هذا المنصب، وقائد أركان القوات المسلحة، وتختلف هذه المجالس عن أجهزة المخابرات، في أن أجهزة المخابرات جهات تنفيذية تجمع المعلومات وتحللها وقد تقوم بعمليات ميدانية، لكن مجالس الأمن القومي ذات طابع تنسيقي واستشاري، تتخذ قرارات وتقدم توصيات وفق معطيات أمنية وحكومية.
في بعض الدول، يمكن أن ينعقد اجتماع مجلس الأمن القومي بصورة سرية دون نشر القرارات التي تصدر عنه، لكن دولًا أخرى تمنح البرلمان أو الهيئة التشريعية مسؤولية الرقابة على قرارات المجلس.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي