محامي وزير الدفاع الأميركي مخاوف البنتاجون من تضارب المصالح

أثارت العلاقة الوثيقة بين وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، ومحاميه الشخصي ومستشاره، تيم بارلاتوري، تساؤلات، في ظل تمثيل الأخير عملاء قانونيين في مواجهة الوزارة، وسط مخاوف من أن يمثل ذلك تضارباً في المصالح، حسبما أفادت مجلة “بوليتيكو”.
وبينما يؤكد بارلاتوري، أن وضعه القانوني سليم، إلا أن وجوده كمستشار رفيع لوزير في الحكومة، في وقت يمثل فيه خصوماً له في المحاكم، يُعتبر أمراً “غير معتاد”.
ويقاضي بارلاتوري، الذي مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قضية جنائية قبل عامين، البحرية الأميركية، ويدافع عن عملاء ضد حكومة الولايات المتحدة.
ووفق تقارير إعلامية، كان بارلاتور عضواً في محادثة جماعية عبر تطبيق “سيجنال” ضمت زوجة هيجسيث وشقيقه، كما أثار ضجة بسبب تسريبات تتعلق بتنفيذ الجيش الأميركي ضربة ضد جماعة الحوثي في اليمن، فيما بات يعرف بـ”تسريبات سيجنال”.
وعاد بارلاتوري إلى قوات الاحتياط في البحرية الأميركية في مارس الماضي، لدعم هيجسيث، ثم كُلف مؤخراً بتنسيق تحقيق بشأن تسريبات تسببت في فوضى داخل وزارة الدفاع، وقد ارتبط هذا التحقيق علنياً بإقالة كبار المستشارين، وسبق الكشف عن معلومات إضافية بشأن إهمال هيجسيث في التعامل مع وثائق سرية.
ورغم الدور المحوري الذي يلعبه بارلاتوري داخل البنتاجون، فإنه يواصل في الوقت ذاته رفع دعاوى ضد البحرية، فيما كشفت مراجعة لسجلات المحاكم الفيدرالية اسم بارلاتوري كمحامٍ في 11 قضية، رغم أن بعضها يبدو معلقاً ولا تشمل كلها الحكومة الأميركية، وفي الغالب، يمثل بارلاتور متقاعدين من الجيش.
دور مزدوج
وسيتجلى هذا التوتر، الأسبوع المقبل، في محكمة فيدرالية بواشنطن، حين يتولى بارلاتوري، كمحامٍ خاص، الدفاع عن الأميرال المتقاعد ذي الأربع نجوم، روبرت بورك، في قضية تتعلق بـ”الفساد”.
وتعتزم وزارة العدل، إثبات أن بورك، الذي كان ثاني أعلى ضابط في البحرية الأميركية، منح عقداً مربحاً لشركة تدريب مهني مقابل وظيفة تولاها بعد تقاعده.
ويُرجح أن يُجري بارلاتوري، استجواباً مضاداً، لمسؤولين كبار في البحرية على دراية بعلاقته الوثيقة بهيجسيث، ودوره الرسمي في قضايا قانونية تحظى باهتمام خاص من الوزير.
ورغم أن بارلاتوري تولى قضية بورك قبل فوز ترمب في الانتخابات الأخيرة، فإن خبراء قانونيين يرون أن دوره المزدوج يمنحه فرصة لاستغلال قربه من هيجسيث لصالح موكليه.
بدوره، انتقد جيف هاوزر، مؤسس ومدير مشروع “ريفولفينج دور” الرقابي، ازدواجية دور بارلاتور، معتبراً أن النظام القضائي القائم على المواجهة يصبح موضع تساؤل، عندما يمتلك محامي الطرف الآخر “نفوذاً هائلاً داخل الحكومة”.
واشتهر بارلاتوري، المؤسس والشريك الإداري لمجموعة “بارلاتوري للمحاماة”، بعد أن مثل ترمب في قضيتيْ الوثائق السرية التي عُثر عليها في منتجع الرئيس وأحداث اقتحام الكابيتول، قبل أن يستقيل بسبب خلافات داخل الفريق القانوني لترمب.
تضارب مصالح
ومن بين القضايا التي يتولاها بارلاتوري، تمثيله لنائب الأميرال السابق، توماس رودن، في دعوى بموجب قانون حرية المعلومات، يسعى من خلالها إلى إقناع الحكومة للكشف عن وثائق إضافية تتعلق بحوادث تصادم سفن بحرية أدت إلى خفض رتبة موكله.
وخلال جلسة الشهر الماضي في قضية بورك، أثار أحد المدعين مسألة عمل بارلاتوري المستمر لدى وزارة الدفاع، واعتبره “تضارباً محتملاً”، طالباً من القاضي التأكد من أن بورك مدرك للدورين الذين يؤديهما محاميه.
وقالت مساعدة المدعي العام، ريبيكا روس، مخاطبة القاضي الفيدرالي تريفور ماكفادن: “نحتاج فقط إلى التأكد من أن المتهم يعلم أن محاميه يعمل لدى البحرية، وأن المحاكمة ستشمل عدة شهود من للبحرية، وتتعلق باتهامات جنائية وقعت خلال خدمته (بورك) في البحرية”.
وأضافت: “نريد أن نتأكد من أن المدعى عليه لن يستغل هذه النقطة، حفاظاً على كل شيء في الاستئناف”.
لكن بارلاتور لم يرَ مشكلة في الأمر، قائلاً: “لا أعلم ما هو وجه التعارض. أنا في الاحتياط، مثل كثير من المحامين. وقد ترافعت في قضايا كثيرة وأنا في الاحتياط، بعضها أمام محاكم عسكرية، وكنت أستجوب ضباطاً أعلى مني رتبة آنذاك”.
وأفاد القاضي ماكفادن، المُعين من قِبل ترمب، بأنه لا يرى أي تعارض مصالح، وأن بورك يدرك طبيعة الدور المزدوج لمحاميه، غير أن أحداً لم يُبلغ القاضي بأن بارلاتور هو مستشار هيجسيث الشخصي منذ نحو 8 سنوات، وقد مثله خلال جلسات تثبيته في المنصب حين وُجهت إليه اتهامات بـ”الاعتداء الجنسي”.
فرصة دعائية
في الإطار، قال جوشوا كاستنبرج، القاضي السابق في سلاح الجو، وأستاذ القانون في جامعة نيو مكسيكو، للمجلة: “هذه فرصة دعائية قوية لبارلاتوري؛ فهو يستطيع أن يقول: استعِن بي لأنني أتمتع بنفوذ استثنائي”.
وقال شخص عمل مع بارلاتوري في البنتاجون، لم تذكر المجلة اسمه: “عمل تيم بارلاتور قائم على تمثيل العسكريين في منظومة القضاء العسكري، ووجوده بجوار الوزير وفي مكتبه يمنحه أفضلية حقيقية في هذا المجال”.
من جهته، قال بارلاتوري، إنه لا يسوّق لنفسه بهذه الطريقة، مؤكداً أن موقعه الإلكتروني، لا يذكر صلته بهيجسيث ولا عضويته الحالية في قوات الاحتياط في البحرية.
وأضاف أنه يقدم نفسه “كمحامٍ يكسب القضايا”، وأنه “كان يفوز بالقضايا قبل أن يصبح أحد موكليه مرشحاً لمنصب وزير الدفاع”.
وتابع بارلاتوري: “على الحكومة أن تقلق أكثر من مهارتي في الاستجواب المضاد، لا من خدمتي في قوات الاحتياط في البحرية. وحين يسألني موكل محتمل عن استغلال علاقتي السياسية لقضيته، أرفض هذا النوع من التمثيل لأنني لا أبيع نفوذاً سياسياً، بل أقدم مهارة قانونية. لم أتحدث يوماً ولن أتحدث عن أي علاقات سياسية أو دوري لدى هيجسيث لأي موكل محتمل”.
قلق قانوني وداخلي
وفي بداية فترة هيجسيث، شارك بارلاتوري في مكالمات عبر الإنترنت مع وزير الدفاع وفريقه الأساسي، كما حضر عدة اجتماعات مع مسؤولين كبار بعد إعادة تجنيده، لكن وجوده المتكرر في مكتب الوزير أثار قلقاً داخلياً، خصوصاً أنه لا يحمل تصريحاً أمنياً من الدرجة العليا، وذكر بارلاتور أنه بصدد الحصول على التصريح.
وقال أحد الأشخاص الذين عملوا مع بارلاتوري: “عندما أُعيد تجنيده وأرادوا إدخاله إلى المبنى، لم يتمكنوا من تخصيص مكتب له داخل منشأة المعلومات الحساسة”، أي المنطقة المخصصة للاطلاع على الوثائق السرية، لأنه لم يكن يحمل تصريحاً أمنياً من الدرجة العليا.
وذكر الشخص الآخر، الذي عمل مع بارلاتوري، إن المستشار العام المؤقت للبنتاجون، تشارلي يونج، شعر بعدم ارتياح من الوضع القائم.
وأعرب عدد من الخبراء القانونيين عن قلقهم حيال وضع بارلاتوري، رغم أنهم أكدوا أن ذلك لا يرقى بالضرورة إلى تعارض رسمي مع قواعد أخلاقيات المهنة.
وعلق يوجين فيديل، أستاذ القانون العسكري بجامعة ييل، قائلاً: “الوضع لا يبدو جيداً”، أما كاثلين كلارك، أستاذة الأخلاقيات القانونية في جامعة واشنطن، فترى أنه على المدعين العامين في قضية بورك، أن يكونوا أكثر قلقاً من المتهم نفسه، متصورة سيناريوهات يمكن أن يخشى فيها الشهود من علاقات بارلاتور رفيعة المستوى داخل البنتاجون.
وأضافت: “التعارض الصارخ في هذه القضية يقع على عاتق الحكومة”.
وقال بارلاتوري للصحيفة، إن عمله كمحامٍ ومستشار في البنتاجون، لا يمثل مشكلة، مؤكداً وجود قواعد واضحة خاصة بتعارض المصالح لدى أفراد الاحتياط تختلف عن تلك المفروضة على الجنود النظاميين والموظفين بدوام كامل.
وأوضح: “الاحتياط في البحرية يتيح لي فرصة رائعة لخدمة وطني مجدداً، مع الحفاظ على ممارسة مدنية خاصة”.
يشار إلى أن بارلاتوري تخرج من الأكاديمية البحرية الأميركية في عام 2002، وأُعيد تجنيده قبل بضعة أشهر كضابط احتياط في البحرية، حيث أدى اليمين أمام هيجسيث، ونشر صورة من مراسم التنصيب، وبعد ذلك، بدأ في الحضور إلى المكتب عدة أيام في الأسبوع، بوتيرة أعلى بكثير من المعتاد لضباط الاحتياط.