محطات دبلوماسية تسبق محادثات إسطنبول حرب روسيا أوكرانيا

تستضيف تركيا ما يمكن أن تكون أول محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف منذ ثلاث سنوات، بعد اقتراح مفاجئ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي خفضت بلاده سقف توقعات تحقيق تقدم كبير في جهود إنهاء الحرب، بعدما أعلن الكرملين في وقت متأخر، الأربعاء، تشكيل الوفد الروسي الذي يشارك في المفاوضات لينهي آمال عقد مفاوضات مباشرة بين الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقبل إعلان الكرملين عن الوفد الذي يضم المستشار الرئاسي فلاديمير ميدينسكي، ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، كانت الانتظارات كبيرة، خصوصاً بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بشأن إمكانية توجهه إلى تركيا للمشاركة في المفاوضات، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد انسحاب بوتين الذي لم يؤكد أنه سيحضر بشكل شخصي، رغم إعلان زيلينسكي رغبته في لقاء بوتين.
محاولة أولى لإنهاء الحرب
خلال الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب في فبراير 2022، تسارعت المبادرات الدبلوماسية لاحتواء التدخل الروسي والحيلولة دون تطوره إلى ما هو عليه الآن، خصوصاً من جانب أوكرانيا نفسها.
أربعة أيام بعد اندلاع الحرب، التقى ممثلون عن روسيا وأوكرانيا في بيلاروس المجاورة، وتواصلت المحادثات لأسبوعين دون التوصل إلى تفاهمات توقف الحرب، لكن تم الاتفاق على إنشاء ممرات إنسانية للمدنيين.
وفي 21 من مارس 2022، دعا زيلينسكي لأول مرة لعقد مفاوضات مباشرة مع بوتين، وهي الدعوة التي رفضها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قبل أن يعلن الرئيس الأوكراني استعداده لمناقشة التزام بلاده بألا تسعى لعضوية في حلف شمال الأطلسي مقابل وقف لإطلاق النار وانسحاب القوات الروسية وضمان أمن أوكرانيا.
عقب نحو أسبوع من ذلك، انعقدت في إسطنبول محادثات جديدة، طرحت خلالها موسكو مقترحاً بخفض أنشطتها العسكرية قرب العاصمة الأوكرانية كييف ومدينة تشيرنيهيف شمال البلاد، فيما جددت أوكرانيا استعدادها التحول إلى دولة محايدة إذا ما تم ضمان أمنها من قبل دول ثالثة.
وفي 7 أبريل من العام نفسه، أعلن وزير الخارجية الروسي رفض بلاده لخطة سلام أوكرانية، وقال إن كييف تراجعت عن اتفاق سابق باستثناء شبه جزيرة القرم من الضمانات الأمنية التي تطلبها. وفي وقت لاحق من الشهر، زار الأمين العام للأمم المتحدة روسيا، دون أن تسفر زيارته عن نتائج.
موسكو تضم مناطق أوكرانية
اتسمت الأشهر التالية من الحرب، بإحباط أوكراني أمام تمسك روسيا بعدم تقديم أي تنازلات في ظل تحقيقها لمكاسب على أرض المعركة، وأجرى وزير الدفاع الأميركي حينها لويد أوستن، في 13 مايو 2022، أول اتصال هاتفي منذ بداية الغزو مع نظيره الروسي سيرجي شويجو.
في 22 يوليو 2022، توصلت روسيا وأوكرانيا بوساطة من تركيا والأمم المتحدة، إلى اتفاقٍ لفكّ الحصار عن إمدادات الحبوب العالقة في موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، منهيةً بذلك أزمةً هددت الأمن الغذائي العالمي.
ولتكريس تقدمها على أرض المعركة، أعلنت روسيا بشكل أحادي، ضم مناطق دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزابوروجيا، ولا يحظى قرار موسكو الذي أعلنته موسكو في 30 سبتمبر 2022 باعتراف المجتمع الدولي، ورداً عليه أعلنت كييف التقدم بطلب رسمي للانضمام لحلف شمال الأطلسي.
زخم دولي دون توافق
في 15 نوفمبر 2022، كشف زيلينسكي عن خطة سلام من عشر نقاط خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في إندونيسيا، وخلال السنة التالية بينما تحولت الأنظار إلى المواجهات المحتدمة والتصعيد في المعركة، تركزت الجهود الدولية على إعطاء دفعة لخطة سلام زيلينسكي.
استضافت العاصمة الدنماركية كوبنهاجن في 25 يونيو 2023 محادثات جمعت 15 دولة، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والسعودية والهند والبرازيل وتركيا، وخصص هذا اللقاء لمناقشة خطة الرئيس الأوكراني.
تواصل هذا التحرك الدولي في السعودية، التي جمعت وفوداً من 40 دولة لمناقشة الحرب، وغابت روسيا عن المحادثات، وارتفع عدد الدول إلى 65 في مالطا في 28 أكتوبر 2023، ولم تتم دعوة موسكو هذه المرة.
في 15 يونيو 2024، اجتمع ممثلو 96 دولة في سويسرا، لمناقشة خطة السلام الأوكرانية، ورغم تزايد عدد الوفود، لم يتم التوصل إلى توافق.
عودة ترمب
كان إنهاء الحرب الأوكرانية “في ظرف 24 ساعة” واحداً من وعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية، ومنذ الأيام الأولى لعودته للبيت الأبيض في ولاية ثانية كثفت إدارته جهودها لإنهاء النزاع، إذ أعادت فتح قنوات التواصل المباشر مع موسكو، وعملت على تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وإن كان في أحيان كثيرة على حساب كييف.
في 7 ديسمبر 2024، التقى ترمب زيلينسكي في باريس وقادة أوروبيين آخرين، وفي فبراير الموالي عقد محادثات هاتفية مباشرة مع بوتين، وبعدها بنحو أسبوع عقد مسؤولون أميركيون وروس على رأسهما وزيرا خارجية البلدين محادثات في السعودية، حيث اتفقا على إنهاء الحرب.
اجتمع زيلينسكي بترمب ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في البيت الأبيض نهاية فبراير، وأظهر اللقاء بشكل جلي التباين في وجهات النظر حول الطريقة التي يجب أن تنتهي بها الحرب، ودخل الحاضرون في مشادة كلامية حادة نقلتها كاميرات الصحافة التي كانت حاضرة.
في مارس 2025، التقى مسؤولون أوكرانيون وأميركيون في السعودية، في محاولة رأب الصدع، واقترحت واشنطن هدنة من ثلاثين يوماً وافقت عليها كييف ورفضتها موسكو، وفي الأسابيع التالية أجرى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف زيارات متكررة لموسكو، والتقى بوتين للتفاوض.
بحلول 18 من الشهر ذاته، تم الاتفاق على وقف مؤقت للهجمات التي تستهدف منشآت الطاقة، ورغم أن طرفي النزاع وافقا على المقترح، إلا أنهما تبادلا الاتهامات فيما بعد بخرقه، لينهار الاتفاق خلال أيام.
بادرت موسكو إلى اقتراح هدنة قصيرة في عيد الفصح وبمناسبة احتفالات “يوم النصر” في أبريل، وهي الاحتفالات التي عرفت مشاركة من الرئيس الصيني شي جين بينج، لكنها كغيرها شهدت عدداً من الخروقات حسبما قال الجانبان حينها.
وفي 10 مايو 2025، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بزيلينسكي في كييف، وحثوا روسيا على قبول هدنة الثلاثين يوماً التي اقترحها ترمب في وقت سابق.
غداة ذلك، اقترح بوتين بشكل مفاجئ استئناف المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول في 15 مايو “بدون شروط مسبقة”، دون أن يوافق في حينه على المقترح الأميركي.