مخاوف أوروبية وترقب صيني.. العالم يتأهب لـ”عودة ترمب”
يتأهب العالم لولاية ثانية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من استقطاب عميق بشأن العديد من القضايا الداخلية والخارجية، بدءاً من الضرائب، والهجرة، وحق الإجهاض، والتجارة، مروراً بالتوترات في منطقة الشرق الأوسط وما لها من تداعيات إقليمية ودولية، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وغيرها.
ولا يزال نهج ترمب “فوضوياً وغير قابل للتنبؤ”، ومن المتوقع أن تكون لسياساته المقترحة آثار بعيدة المدى، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، ولكن على الصعيد العالمي أيضاً، وفق “بلومبرغ”.
وبات ترمب ثاني رئيس أميركي يتولى المنصب لفترتين غير متتاليين، مكرراً ما حققه سلفه، ستيفن جروفر كليفلاند، الرئيس الـ22 والـ24 للولايات المتحدة.
ودأب ترمب على وصف سياسته الخارجية بعبارات غامضة، مفضلاً شعارات مثل “أميركا أولاً” على تقديم خطط تفصيلية.
وتضمّن برنامجه الانتخابي التهديد بفرض تعريفات جمركية “عقابية” على الواردات الأجنبية في محاولة لتصحيح عجز الميزان التجاري، وانتزاع مدفوعات من الحلفاء في مقابل الحماية التي توفرها الولايات المتحدة، والتعامل بـ”لطف أكبر” مع رجال أقوياء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الصين.. قيود تجارية قاسية
خلال حملته الانتخابية، قال ترمب إنه يعتقد أن الصين تُمثّل “أكبر تهديد” للازدهار الاقتصادي الأميركي.
وتُعد خطط ترمب لفرض تعريفات جمركية عالمية بنسبة 20% على جميع الواردات الأجنبية بمثابة هجوم على تقاليد السياسة الخارجية الأميركية، وقد تكون الرسوم الجمركية على الصين أعلى كثيراً مع تهديداته بنسب تتراوح بين 60 و200%.
وبالإضافة إلى كونها ذات تأثير تضخُّمي وتضر بالاقتصاد الأميركي، فإن مثل هذه التحركات من المرجح أن تؤدي إلى أعمال انتقامية وحروب تجارية واضطرابات في الاقتصاد والتجارة العالمية، وربما تعرقل هذه التدابير أيضاً الجهود العالمية للانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية.
وفي سبتمبر الماضي، قال ترمب خلال فعالية في ولاية ميشيجان، إن “الرسوم الجمركية هي أعظم شيء اخترعه (الإنسان) على الإطلاق”، ووعد بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة مجدداً، فسيفرض تعريفات جمركية شاملة تصل إلى 20% على الواردات، وحتى 200% على السيارات الواردة من المكسيك، في محاولة لتشجيع التصنيع الأميركي.
مع ذلك، فإن مثل هذه الأمور لا تهم كثيراً ترمب، الذي يخطط لتكرار انسحاب واشنطن من اتفاق باريس للمناخ، وإلغاء تدابير حماية البيئة التي نفّذها الرئيس جو بايدن، والسماح بالاستغلال غير المقيّد لمخزونات النفط والغاز الأميركية من خلال التكسير الهيدروليكي غير المنظم.
ومن المتوقع أن تضيف خطط ترمب أطناناً من انبعاثات الكربون الإضافية إلى الغلاف الجوي في حال تنفيذها، ومن المرجح أيضاً أن تقوّض بشكل كبير الجهود العالمية المتعلقة بتغير المناخ.
أوروبا.. مخاوف أمنية واقتصادية
في تقرير سابق، أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إلى أن أكبر الشواغل الأمنية التي تساور مسؤولي الاتحاد الأوروبي على المدى القصير تتعلّق بكيفية الاستمرار في دعم أوكرانيا إذا أوقف ترمب تدفق الأسلحة التي لعبت “دوراً حيوياً” في مساعدة كييف على التصدي للغزو الروسي.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن الاتحاد الأوروبي قدّم دعماً مالياً كبيراً لأوكرانيا، لكن مخزونات الأسلحة والقدرات الأميركية أكبر بكثير من مخزونات وقدرات الدول الأوروبية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أوروبية مطلعة قولها، إنه لا توجد إمكانية لأن توفر جيوش الاتحاد الأوروبي ما تقدمه الولايات المتحدة.
كما يساور مسؤولون في التكتل الأوروبي قلق عميق من أن ترفع إدارة ترمب العقوبات المفروضة على روسيا، وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات بشأن حجم الضغوط الاقتصادية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمارسها على موسكو بدون دعم الولايات المتحدة، حتى لو أبقت اليابان وبريطانيا وحلفاء آخرون العقوبات سارية.
وأعرب مسؤولون عن مخاوفهم من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي هدد بها ترمب إلى خفض صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنحو 150 مليار يورو سنوياً.
وصاغت المفوضية الأوروبية التي تدير السياسة التجارية، استراتيجية لتقديم صفقة سريعة لترمب بشأن زيادة الواردات الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي، واللجوء فقط إلى “الانتقام الموجّه” إذا اختار فرض رسوم جمركية عقابية.
وتوقعت مجموعة “جولدمان ساكس” المصرفية أن ينخفض اليورو بنحو 10% مقابل الدولار، إذا فرض ترمب رسوماً جمركية واسعة النطاق وخفض الضرائب المحلية، في حين قالت دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا، إن الحرب التجارية ربما تخفض الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي بنسبة 1.5%.
وحذّر محللون من فقدان اليورو قوته في حال نفّذ ترمب وعوده بفرض رسوم جمركية بنسبة 10-20%. وقال زاك مايرز، المدير المساعد لمركز الإصلاح الأوروبي لمجلة fortune، إن “الرسوم الجمركية ستؤثر بشكل خطير على النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي”.
ورغم ذلك، هنأت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، المرشح الجمهوري دونالد ترمب، بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأضافت أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة “أكثر من مجرد حليفين”.
وقالت في منشور على منصة “إكس”: “أهنئ دونالد ترمب بحرارة. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر من مجرد حليفين. نحن مرتبطون بشراكة حقيقية بين شعبينا توحّد 800 مليون مواطن. لذا دعونا نعمل معاً على أجندة عبر أطلسية قوية تستمر في تحقيق الأهداف المرجوة”.
مخاوف التخلي عن حلفاء الناتو
وعبّر مسؤولون سابقون، مثل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، عن اعتقادهم بأن ترمب سيسعى إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي “الناتو” في فترة ولايته الثانية، أو “إضعاف فعاليته” من خلال الدعم الفاتر.
وفي آسيا، فإن تعليقات ترمب بأن “تايوان يجب أن تدفع لنا مقابل الدفاع. كما تعلمون، نحن لا نختلف عن شركة تأمين”، تشير إلى إضعاف التزام الولايات المتحدة تجاه الجزيرة.
وذكرت “فاينانشيال تايمز”، أن شكوك ترمب تجاه الناتو، أدّت إلى تفاقم المخاوف القائمة منذ فترة طويلة بشأن الاعتماد الأوروبي على الضمانات الأمنية الأميركية، لا سيما مع حديث ترمب أيضاً عن الانسحاب من التحالف، ما جعل العواصم الغربية مهيأة لتغييرات كبرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مموّل لحلف الناتو، وترمب عبّر بوضوح عن استخفافه بالتحالف، إذ يعتقد أن الولايات المتحدة تحملت لفترة طويلة العديد من الدول الأعضاء التي لم تدفع حصتها العادلة.
مع ذلك، هنأ الأمين العام لـ”الناتو” مارك روته، ترمب، على انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بعد فوزه على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وقال روته عبر منصة “إكس”: “لقد هنأت للتو ترمب على انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. ستكون قيادته مرة أخرى مفتاحاً للحفاظ على قوة تحالفنا.. أتطلع إلى العمل معه مرة أخرى لتعزيز السلام من خلال القوة من خلال حلف شمال الأطلسي”.
“علاقة غامضة” مع موسكو
وبالإضافة إلى الموقف السلبي لترمب تجاه حلف الناتو، ثمة مخاوف بشأن علاقته الغامضة بالرئيس الروسي بوتين.
يبدو أن ترمب لديه علاقة أعمق مع بوتين مما يعترف به، ولن يقول ما إذا كان أجرى اتصالات معه خلال العام الماضي. وهذا أمر بالغ الأهمية فيما يتعلق بأوكرانيا. فترمب أعلن على شبكة CNN في مايو 2023، أن بإمكانه إنهاء حرب أوكرانيا “في غضون 24 ساعة”.
وقال ترمب: “إنهم يموتون، الروس والأوكرانيون. أريدهم أن يتوقفوا (الناس) عن الموت. وسأفعل ذلك، سأفعل ذلك في غضون 24 ساعة”.
وعند الإلحاح عليه للإفصاح عن مزيد من التفاصيل، قال ترمب إنه سيلتقي بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
مع ذلك، قال الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إن “الولايات المتحدة دولة غير صديقة، وتشارك بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب ضد روسيا”، لافتاً إلى أن بوتين ليس لديه خطة لتهنئة ترمب على فوزه في الانتخابات الأميركية.
وأضاف بيسكوف، أن العلاقات الروسية الأميركية في أدنى مستوياتها تاريخياً، ومصيرها المستقبلي يعتمد على الإدارة الأميركية، مشيراً إلى أن بوتين منفتح على الاتصالات والحوار مع الولايات المتحدة.
إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هنأ، الخميس، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على فوزه بالسباق الرئاسي، معرباً عن استعداده للتحدث مع الأخير، كما اعتبر أن أي أفكار بشأن تسهيل إنهاء “أزمة أوكرانيا”، واستعادة واشنطن العلاقات مع موسكو “تستحق الاهتمام”.
وأكد بوتين في منتدى فالداي للحوار بمنتجع سوتشي على البحر الأسود، استعداده لإجراء حوار مع ترمب، مشدداً على “استعداد موسكو للعمل مع أي رئيس أميركي يثق به الشعب الأميركي”.
وأشار إلى أن الرئيس المنتخب “تعرض للمطاردة والمضايقة خلال فترته الرئاسية الأولى، ما جعله خائفاً من اتخاذ أي خطوة”، مضيفاً: “يحدوني أمل في أن تعود العلاقات مع أميركا يوماً ما”.
تحدي أوكرانيا
لكن أبرز التغييرات، سيكون مرتبطاً بالحرب في أوكرانيا، فالسبيل الوحيد الذي تمكنت به أوكرانيا من التصدي للتقدم الروسي نحو كييف، كانت بسبب الدعم المالي الضخم من حلف الناتو.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا ليست عضواً في الناتو، فإن دعم هذا التحالف سمح لها بمواكبة الصمود أمام جيش أضخم، وأكثر امتلاكاً للموارد.
ويسود شعور قوي في أوكرانيا بأن إنهاء الغزو الروسي في غضون 24 ساعة، أو على الأقل بسرعة، يتطلب من ترمب أن يجمع رئيسَي الدولتين وإبلاغهما بأنهما بحاجة إلى إلقاء أسلحتهما، والانسحاب بما لديهما حالياً، وهذا سيشكل سيناريو “كارثياً” بالنسبة لأوكرانيا.
ووفقاً لهذا السيناريو، ستتقلص أراضي أوكرانيا بين عشية وضحاها بنسبة 20%، وهي المساحة التي سيطرت عليها روسيا بالفعل.
وهذا بدوره من المرجح أن يؤدي إلى انقسامات هائلة واتهامات متبادلة داخل أوكرانيا، حيث سيغضب الناس لأنهم فقدوا الآلاف من ذويهم في خوض حرب كافأ رئيس الولايات المتحدة بعد ذلك روسيا على بدئها، بإهدائهم خُمس أوكرانيا.
وسيلوم كثيرون زيلينسكي لعدم تحقيق النصر، كما سيلوم كثيرون الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لعدم السماح لأوكرانيا بمهاجمة العمق الروسي، وعدم تزويد كييف بالأسلحة التي تحناجها بشدة، وخاصة الطائرات المقاتلة مثل طائرات F-16، حيث حصلت على بعض منها مؤخراً.
إسرائيل.. ترمب “أفضل لمصالحنا”
وفي منطقة الشرق الأوسط، كان من المتوقع أن تكون كامالا هاريس أشد صرامة مع إسرائيل من ترمب، فعندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن مؤخراً، أوضحت هاريس خلال اجتماع أنها “غير راضية” عن عدد الضحايا المدنيين الذين سقوط جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وعلى النقيض من ذلك، أوضح ترمب في عدة مناسبات أنه يجب السماح لإسرائيل “بإنهاء المهمة”. ويبدو أن عدد قليل من الأشخاص يدركون ما الذي يعنيه ذلك بالضبط، ولكن من الواضح أن ترمب سيكون “أكثر دعماً” لإسرائيل مما كانت ستصبح عليه هاريس.
وفي هذا الصدد، أظهر استطلاع رأي جديد أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، أن الإسرائيليين يعتقدون أن فوز ترمب سيكون “أفضل لمصالح إسرائيل”.
وقال نحو 65% من الإسرائيليين المشاركين في الاستطلاع إنهم يفضلون الرئيس السابق، بينما قال 13% فقط إنهم يتمنون أن تصبح الديمقراطية كامالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة، فيما رأى نحو 15% أنه لا يوجد فرق بالنسبة لإسرائيل بين المرشحَين، بينما قال 7% إنهم لا يعرفون، وفق ما أوردت صحيفة “تايمز أو إسرائيل”.
وأصبح الإسرائيليون يعارضون (حل الدولتين)، وهم يعتقدون الآن أن ترمب يمكن أن يقدم المزيد من الدعم ضد إيران والفصائل المسلحة المدعومة منها، على الرغم من أن هاريس وترمب كانا يعتبران إيران “عدواً” للولايات المتحدة.
أميركا اللاتينية.. “ترحيل جماعي”
دفعت أكبر موجة من المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة منذ سنوات القضية إلى قمة الأجندة السياسية، مع ضغط كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي الآن نحو فرض القيود حتى مع إظهار بيانات حكومية أن التدفق كان “حاسماً” في دعم النمو الاقتصادي منذ جائحة فيروس كورونا، ولكنه تباطأ هذا العام وسط ضوابط مشددة.
ودعا ترمب إلى ترحيل أكثر من 11 مليون مهاجر غير نظامي، وإنشاء معسكرات احتجاز ونشر قوات على الحدود المكسيكية، فضلاً عن فرض قيود صارمة على مجموعة من أشكال الهجرة القانونية، بما في ذلك اللجوء، وحتى حق المواطنة بالولادة لأطفال الآباء غير الشرعيين.
وكان للمهاجرين نصيب الأسد من تصريحات ترمب، حيث وعد بحملة ترحيل جماعي، وقاد هذا الوعد إلى تساؤلات حول الكيفية، خاصة عندما أعلن نيته حجب المكافآت عن جهات إنفاذ القانون التي تمتنع عن تنفيذ الخطة إذا أصبح رئيساً.
وعاد ترمب مجدداً لاستهداف المهاجرين، وركز هذه المرة على مهاجري هاييتي، مدعياً أنهم “يأكلون الحيوانات الأليفة” لجيرانهم، في استهداف لهاريس التي يتهمها بالتهاون في ملف الحدود خلال فترة بايدن الرئاسية.
قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لشبكة NBC NEWS، الخميس، إن إحدى أهم أولوياته بعد توليه المنصب في يناير المقبل، هي “تقوية الحدود”، مشيراً إلى أن الكلفة لا تهم حين يتعلق الأمر بعمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين.
ولدى سؤاله خلال مقابلة عبر الهاتف مع NBC NEWS بشأن وعده خلال حملته الانتخابية بشن عمليات ترحيل جماعية، قال ترمب إن إدارته “لن يكون لديها خياراً”، سوى القيام بهذه العمليات.
واعتبر ترمب فوزه الكاسح على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس بمثابة تفويض لإعادة “المنطق والحس السليم”، إلى البلد.