مخيمات سوريا.. مصير غامض بعد تعليق المساعدات الأمريكية

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق الأعمال الخارجية للوكالة الأميركية للتنمية لمدة 90 يوماً، مخاوف بشأن مصير عشرات آلاف النازحين في مخيمات الإيواء بشمال شرق سوريا.
وتعد الوكالة الأميركية ممولاً وشريكاً رئيسياً للعديد من المنظمات والجمعيات الخيرية العاملة في الشأن الإنساني بهذه المناطق، وخاصة في مخيمي الهول وروج، واللذين يقطنهما عوائل مرتبطة بتنظيم “داعش”.
ويضم مخيما “الهول” و”روج” الخاضعين للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ما يقارب 60 ألف شخص من جنسيات مختلفة، معظمهم سوريون وعراقيون.
وعبّر مسؤولون في الإدارة الذاتية عن مخاوفهم بأن يشكل القرار الأميركي “تهديداً أمنياً للمخيمات”، التي تضم عوائل مرتبطة بتنظيم “داعش”، محذرين من إمكانية “حصول تمرد أو فرار جماعي نتيجة نقص الخدمات”.
وقالت مديرة مخيم الهول، جيهان حنان لـ”الشرق” إن “نحو 60% من الدعم المقدم للمخيم كانت من الولايات المتحدة، وليس هناك أي جهة قادرة على تعويض أعمالهم”.
ويقضي قرار ترمب، الذي دخل حيز التنفيذ في 20 يناير الماضي، بخفض كبير في المساعدات الأميركية الخارجية، بما في ذلك إلغاء 92% من تمويل برامج التنمية والمساعدات التي تديرها “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”.
تقليص الخدمات الإنسانية
وأثر قرار وقف المساعدات الأميركية “بشكل فوري” و”ملحوظ” على الوضع داخل المخيمات، حيث تم تعليق العديد من المشاريع الخدمية الحيوية في قطاعات مثل الصحة، المياه، والنظافة.
ورافق ذلك انسحاب تدريجي للعديد من المنظمات الإنسانية الدولية، ما زاد من معاناة سكان المخيمات وأدى إلى تقليص الخدمات التي كانت توفر لهم بالكاد الحد الأدنى من الحياة اليومية.
وقال الرئيس المشترك لشؤون اللاجئين والنازحين في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، شيخموس أحمد، في تصريحات لـ”الشرق”، إن “مخيمات النزوح في شمال شرق سوريا محرومة منذ سنين من المساعدات الإنسانية الأممية، بعد توقف عمل المنظمات التي كانت تقدم المساعدات قبل عام 2019، إثر اجتياح القوات التركية لرأس العين وتل أبيض، ما أدى لعزوف العديد من المنظمات الإنسانية عن العمل في المنطقة”.
وأضاف: “منذ عام 2020 وحتى الآن تم إغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق، وهو ما يعد عاملاً سلبياً إضافياً على الدعم المقدم من قبل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في المنطقة”.
ولفت شيخموس أحمد إلى أن “مخيمي الهول وروج تأثرا بهذه القرارات باعتبارهما مخيمات تأوي عوائل مرتبطة بتنظيم داعش، وهو ما أدى حينها لحصول العديد من حالات القتل والفرار، بما يفسر انعكاس تدهور الوضع الخدمي على الحالة الأمنية للمخيم، التي عادة ما يستغلها تنظيم داعش لتصعيد عملياته”.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حذرت في فبراير الماضي، من أن “تجميد واشنطن لمساعداتها الخارجية سيتسبب في تفاقم الأوضاع في مخيمين بشمال شرق سوريا يؤويان عشرات الآلاف في ظروف تهدد حياتهم”.
وقالت المنظمة إن “تعليق الحكومة الأميركية المساعدات الأجنبية للمنظمات غير الحكومية العاملة في هذين المخيمين يخاطر بمزيد من زعزعة الحالة الأمنية الهشة فيهما”.
وقال مسؤولون محليون إن هناك منظمات مثل “بلومونت” و”أكتد” المدعومتين من الوكالة الأميركية للتنمية، قادرة على الحصول على استثناءات مؤقتة لتمديد عملها حتى نهاية مارس الجاري أو أبريل المقبل.
ورغم ذلك بدأت الآثار السلبية لتعليق عمل الوكالة تظهر على عمل هاتين المنظمتين اللتين تديران عملياً أكثر من 75% من الخدمات المقدمة في مخيمات الإيواء بمناطق شمال شرق سوريا.
“تسهيل الخروج من المخيمات”
ولفت المسؤول في الإدارة الذاتية شيخموس أحمد، إلى أن “الإدارة الذاتية بالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين أصدرت قراراً بتسهيل عمليات الخروج من المخيمات لكل من يرغب طوعاً إلى منطقته الأصلية، بما فيها مخيم الهول”.
وقال إن القرار الأميركي “أثر على الجانب الخدمي للمخيمات، خاصة أننا مقبلون على فصل الصيف، وهناك حاجة في المخيمات لكميات كبيرة من المياه، والبيئة تصبح مرشحة أكثر لظهور الأمراض”.
واعتبر شيخموس أن “نقص المياه سيؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وهو تحدٍ صحي في ظل تقليص منظمة الصحة العالمية عملها في المخيمات، بالإضافة إلى توقف عمل منظمات أخرى معنية بالشأن الصحي”.
ويرى شيخموس أن “الإدارة الذاتية غير قادرة لوحدها على تحمل أعباء إدارة المخيمات، خاصة مع موجات القصف التركي السابقة، التي أثرت على البنية التحتية، وأدت إلى نقص في الموارد، وليس بمقدورها دعم النازحين نيابة عن المنظمات الأممية والمنظمات الأخرى”.
وأشار إلى أن الإدارة الذاتية “لا تملك أي خطط بديلة سوى إفراغ المخيمات وتشجيع العوائل القاطنة فيها للعودة إلى مناطقهم الأصلية، بالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين والحكومة في دمشق”.
وحذّر من أن “خلايا تنظيم داعش تستفيد من الثغرات الموجودة، خاصة عندما يحصل نقص في الخدمات الإنسانية، وما قد ينتج عنه مشاكل أمنية”.
وشدد شيخموس أحمد على أن “جميع القطاعات في المخيمات والنازحين تأثرت بشكل مباشر بنقص المساعدات، وخاصة مهجري عفرين والشهباء، وتل رفعت، ورأس العين وتل أبيض، في ظل أعدادهم الكبيرة وحاجتهم الماسة لمساعدات أممية”.
وأشار إلى أن “الإدارة الذاتية أجرت مناقشات مع مفوضية شؤون اللاجئين مع فتح قنوات مع الحكومة الجديدة في دمشق بخصوص عودة مهجري عفرين والشهباء إلى مناطقهم مع الطلب بضرورة إخراج المجموعات المسلحة الموجودة في تلك المنطقة مع الجيش التركي لتهيئة الظروف لعودتهم، والمفاوضات مستمرة لتحقيق ذلك”.
البحث عن مانحين جدد
من جهتها أكدت مديرة مخيم الهول، جيهان حنان، في تصريح لـ”الشرق” أن “إيقاف الدعم الأميركي عن المخيم له تأثير كبير، خصوصاً وأن نحو 60% من الدعم المقدم للمخيم كانت من الولايات المتحدة، وليس هناك أي جهة قادرة على تعويض أعمالهم”.
ولفتت إلى أن “هناك بعض الخدمات التي توقفت بشكل نهائي، وهناك بعضها لا يزال مستمراً إلى بداية شهر أبريل المقبل، وهو الموعد الذي من المفترض أن تتضح فيه الأمور، سواء باستمرار الدعم المقدم حالياً أو إيقافه نهائياً”.
وأضافت: “نعمل للحصول على بدائل ومانحين جدد، لكن من الصعب أن تكون هناك جهة تستطيع تعويض الخدمات الأميركية المقدمة في المخيم”.
وكشفت حنان أن “المخيم سجل العديد من حالات الفرار والهروب في الفترة الأخيرة”، لكنها أشارت إلى أنه “لا يمكن الجزم حالياً بأن ذلك مرتبط بقرار تقليص المساعدات الأميركية”.
وقالت مديرة مخيم الهول إن “عمليات التهريب كانت موجودة خلال فترات متفاوتة، وهي جزء من استراتيجية داعش الذي يسعى لإخراج الفئة الشابة من قاطني المخيم وتهريبهم لخارجه”.
ولفتت إلى أن “تأثير توقف الخدمات سيكون له جوانب سلبية مستقبلاً؛ لأن غالبية المقيمين فيه من النساء والأطفال، والخدمات التي كانت تقدمها الخارجية الأميركية كانت تتضمن الخدمات الأساسية لهم”.
وشددت حنان على أن “المخيم لن يتم إغلاقه خلال فترة قصيرة؛ لأن أعداد قاطنيه كبيرة، ولا يمكن إجبار قاطنيه على الخروج طبقاً لمعايير الأمم المتحدة التي تنص على الخروج الطوعي”، موضحة أن “المخيم مستمر حتى عام 2026 على الأقل، إلا إذا كانت هناك قرارات سياسية تنص على إغلاقه”.
دور الحكومة السورية الجديدة
وأوضح إبراهيم عواد خلف، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة الحسكة، التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، أن “الحكومة السورية الجديدة تعمل على تسهيل تقديم المساعدات إلى داخل مخيم الهول عبر منظمات وطنية، مثل الهلال الأحمر السوري، وبعض الجمعيات الأهلية في الحسكة، وبالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي”.
وأضاف خلف في تصريحات لـ”الشرق”، أن “الحكومة السورية، بالتنسيق مع المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تعمل على تسهيل عودة اللاجئين إلى وطنهم”، مشيراً إلى أن هذه الجهود “تواجه تحديات كبيرة”.
واعتبر خلف أن “الوضع في مخيم الهول معقد وخطير، إذ يُعتبر بمثابة قنبلة موقوتة في ظل المخاطر الأمنية المتزايدة”، موضحاً أن “قرار وقف المساعدات الأميركية للمنظمات العاملة في المخيمات سيكون له آثار كارثية على الوضع الإنساني”.
وأوصى خلف بـ”زيادة تمويل مشاريع التعاون الدولي عبر الأمم المتحدة، وتسهيل الموافقات الوزارية لمشاريع التعاون الدولي في محافظة الحسكة”، كما دعا إلى “التنسيق مع السلطات العراقية لإعادة رعاياها مع ضمان عدم محاسبتهم”، فضلاً عن “الضغط على التحالف الدولي لتسليم إدارة المخيمات إلى الحكومة السورية”.
حلول استعجالية
بدوره، قال إداري في منظمة محلية تعنى بالشأن الإنساني في محافظة الحسكة، رفض الكشف عن هويته، أن “منظمات عاملة في مخيم واشوكاني بريف الحسكة، الذي يضم نازحين من رأس العين، ألغت التمويل، وهو ما أثر على العديد من خدمات منظمة (أكتد) التي تدير المخيم”، وأدى ذلك إلى “تعليق بعض الأنشطة كنقل المياه وجمع النفايات، وتنظيف الصرف الصحي”.
وأوضح في تصريحات لـ”الشرق” أنه “تم اللجوء لحلول استعجالية كتوفير المياه من قبل منظمة اليونسيف، لحين تأمين ممول آخر للأعمال”.
وأضاف: “أن العديد من المنظمات المدعومة أميركياً، توقفت عن العمل في مخيم الهول أيضاً، وأخرى مهددة بالتوقف في الأيام المقبلة، وهو ما أثر على الخدمات اليومية والصحية وتراجع ملحوظ في الخدمات المقدمة”.
عراقيون يغادرون مخيمات سوريا
وقال علي عباس جهانكير، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في تصريحات لـ”الشرق”، إن “بعض المنظمات العاملة في مخيم الجدعة، والتي تعتمد في تمويلها على الوكالة الأميركية للتنمية، أبلغت الحكومة العراقية بالفعل أنها مضطرة إلى وقف بعض برامجها بسبب نقص التمويل”.
وأضاف: “حسب ما تم إخبارنا به فإن التوقف الذي حصل في بعض البرامج الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية سيكون مؤقتاً لفترة معينة في بعض المشاريع”.
وأشار جهانكير إلى أنه “ليس بالضرورة أن تكون جميع النشاطات ممولة من الوكالة الأميركية، فبعضها ممول من الاتحاد الأوروبي، وقسم منها يعتمد على منح وقروض وبرامج تمويلية من كوريا الجنوبية واليابان”.
ولفت إلى أن وزارة الهجرة العراقية “وجهت دعوات لسفراء الاتحاد الأوروبي، وبعض دول الخليج لتعويض النقص أو تمويل بعض المشاريع”.
وذكر جهانكير أن “وزارة الهجرة والمهجرين قامت منذ عام 2021 باستقبال وإيواء 23 دفعة من العائدين من مخيم الهول، تضم 13 ألفاً و500 شخص من الرجال والنساء والأطفال”، مؤكداً “استمرار العمل على إعادة الباقين والذين يقدر عددهم بما يترواح بين 15 ألف شخص إلى 16 ألفاً”.
وفي وقت سابق، الأربعاء، غادرت 161 عائلة عراقية تضم 607 أشخاص، مخيم الهول في الحسكة، الأربعاء، بحسب ما أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مشيرة إلى أن ذلك تم بالتنسيق مع الحكومة العراقية.
وذكرت الإدارة الذاتية في بيان، أن هذه الدفعة هي السادسة من عمليات إعادة العائلات العراقية خلال عام 2025.
وقالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في وقت سابق، إنها “تعمل على إعادة اللاجئين العراقيين من مخيم الهول في سوريا ونقلهم إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى شمالي العراق، حيث سيتم إخضاع المشتبه بصلاتهم بتنظيم داعش لإعادة تأهيل، من خلال برامج تقودها منظمات مختصة”.
وأشارت الوزارة إلى خطة لإعادة “جميع العراقيين المحتجزين في مخيم الهول خلال هذا العام، بعد إخضاعهم لدورات تأهيلية ونفسية مركزة تشرف عليها منظمات دولية، قبل اندماجهم بالمجتمع”.
وأوضحت وزارة الهجرة أن “مركز تأهيل الجدعة يضم حالياً نحو 900 عائلة يتم تأهليهم وفقاً لبرامج تستغرق من 4 إلى 6 أشهر”.
خيارات محدودة
ويقر كثير من أهالي مخيم الهول بأنهم لا يملكون خيارات كثيرة في مغادرة المخيم. وقال أبو وليد، النازح من ريف دير الزور لـ”الشرق”، إن “البقاء هنا ليس خياراً آمناً، فالظروف الأمنية في المخيم تزداد تدهوراً”.
وأضاف: “العائلات التي كانت تحت سيطرة داعش لا تزال تشكل تهديداً، والوضع غير مستقر، لكن في الوقت نفسه، لا أستطيع مغادرة المخيم؛ لأنني لا أملك مكاناً للسكن في الخارج، ولا توجد فرص للعمل، نحن بحاجة للمساعدات التي توفرها المنظمات الدولية هنا، وبدونها ستكون حياتنا أصعب”.
وقالت سمية، وهي فتاة عراقية تبلغ من العمر 19 عاماً: “كنت في الـ12 عندما وصلت إلى المخيم، والآن لا أستطيع التفكير في العودة إلى العراق، والدي في السجن، وأخشى أن أتعرض للانتقام إذا عدت”.
وتحمل ماريا في عينيها الكثير من الخوف، ليس فقط من المجهول، ولكن من ردود فعل المجتمعات المحلية التي تأثرت بعنف داعش في العراق وسوريا”. وقالت: “أخاف من الانتقام، من مجتمعي، من الجيش، من كل شئ”.
وفي زاوية أخرى من المخيم، يروي أبو إبراهيم، النازح السوري من حماة، معاناته في المخيم، قائلاً: “لا أشعر بالأمان هنا، ولكن العودة إلى سوريا أشبه بالقفز إلى المجهول، لا يوجد أي ضمانات أمان في ظل الفوضى الحالية، بل أخشى أن أتعرض للقصاص أو للاعتقال”.
وذكرت أم فراس، النازحة من حلب، أن “غالبية قاطني مخيم الهول لا يفكرون بمغادرته، بسبب عدم وجود مأوى بديل لهم، أو مصدر دخل أو فرص عمل يعيشون من خلاله”، مرجحة أنه “في ظل الواقع الحالي لقاطني المخيم، والأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد، فإنه لا يوجد أمل في إمكانية تحقيق حياة مستقرة خارج المخيم حتى بعد 10 سنوات مقبلة”.