فيما تحتفل هيئة “فيلم العُلا” بمرور خمس سنوات على انطلاقها، تسعى المؤسسة إلى ترسيخ موقعها كأحد الأعمدة الأساسية في مشهد صناعة السينما السعودية، عبر توقيع شراكات جديدة وتطوير بنية تحتية مخصصة للإنتاج السينمائي، في وقت تتجه فيه المملكة إلى تقوية حضورها الإقليمي والعالمي كمركز للإنتاج الإبداعي.
وفي تصريح لـ”الشرق”، قال زيد شاكر، المدير التنفيذي بالإنابة لـ”فيلم العُلا”، إن المؤسسة دخلت مرحلة جديدة من التوسع عبر التعاقد مع شركة MBS Studios MENA لتشغيل مجمع استوديوهات العُلا، مشيراً إلى أن المشروع يمثل “تحولاً استراتيجياً في البنية التحتية للصناعة السينمائية بالمملكة، إذ نهدف إلى تقديم خدمات إنتاج متكاملة بمواصفات عالمية في قلب العُلا.”
مستوى عالمي
مجمع الاستوديوهات الجديد الذي يمتد على مساحة تزيد عن 30 ألف متر مربع، يضم 2 من المساحات المخصصة للتصوير الداخلي، إضافة إلى مرافق للدعم الفني، والمكاتب الإنتاجية، ومناطق خدمات مساندة للإقامة والمونتاج. ومن المتوقع أن تبدأ هذه المرافق في استقبال الإنتاجات السينمائية العالمية في الربع الأخير من عام 2025.
وأوضح شاكر أن “الاستثمار في البنية التحتية هو الأساس في تحويل العُلا من موقع تصوير طبيعي إلى مركز إنتاج متكامل”، وأضاف أن التعاقد مع شركة إدارة متخصصة بحجم MBS Studios MENA يعكس التزام المؤسسة بتطبيق أفضل الممارسات العالمية في إدارة وتشغيل المرافق الإنتاجية.
منذ تأسيسها عام 2020 كإحدى مبادرات الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، نجحت “فيلم العُلا” في جذب إنتاجات سينمائية وتلفزيونية عالمية، من بينها فيلم Kandahar من بطولة جيرارد باتلر، وفيلم Cherry من إنتاج الأخوين روسو، كما كانت العُلا موقعًا لتصوير عدد من الأعمال السعودية الطموحة مثل “بين الرمال” و”نورة”، والذي مثل السعودية في قسم نظرة ما بمهرجان كان السينمائي 2024.
وتابع شاكر: “نحن لا نروج للعُلا فقط كموقع للتصوير، ولكن كمكان يمكن فيه تطوير المهارات، تدريب الكفاءات السعودية، وبناء منظومة إنتاج مستدامة.” وذكر أن نسبة توظيف الكوادر المحلية في بعض الإنتاجات تجاوزت 80%، ما يعكس توجهاً حقيقياً نحو التمكين المحلي.
من العُلا إلى كان
وفي كل عام، تحرص “فيلم العُلا” على المشاركة في جناح المملكة العربية السعودية ضمن مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث تقدم المنصة فرصة للترويج للموقع كمركز إنتاج عالمي، وتعقد لقاءات مع شركات الإنتاج والموزعين الدوليين. وضمن دورة 2024، شاركت “فيلم العُلا” في عدة فعاليات بالشراكة مع “مهرجان البحر الأحمر” و”هيئة الأفلام”، ما يؤكد على تنسيق الجهود السعودية لتعزيز الصورة الثقافية للمملكة في المحافل الدولية.
ويضيف شاكر: “مهرجان كان من أهم النوافذ الدولية التي نحاول من خلالها بناء علاقات استراتيجية، حضورنا هناك كل عام ليس شكلياً، بل مدروس وله نتائج مباشرة على استقطاب مشاريع إنتاج نوعية إلى السعودية”.
صناعة تحت الطلب
السوق السعودية، التي تُمثل واحدة من أسرع أسواق الترفيه نمواً في الشرق الأوسط، باتت تستقطب اهتمام الشركات العالمية الباحثة عن مواقع تصوير جديدة ومستقرة سياسياً، وذات بيئة إنتاجية مشجعة. وتعد العُلا واحدة من أبرز هذه الوجهات، بفضل ما توفره من طبيعة خلابة، ومواقع أثرية معتمدة عالمياً، إضافة إلى إعفاءات جمركية وتسهيلات لوجستية ضمن منظومة “فيلم العُلا”.
ويرى شاكر أن التحدي الأكبر الآن لا يتمثل في جذب المشاريع، وإنما في القدرة على تلبيتها بقدرات تشغيلية محلية، “نحن نواكب النمو المتسارع بتأهيل كوادر جديدة، وتطوير مسارات تعليمية مع جامعات متخصصة، وبناء شراكات مع شركات إنتاج دولية ترغب في الاستثمار في السوق السعودية”.
في قلب رؤية 2030
مشروع “فيلم العُلا” هو أحد الأمثلة البارزة على تحوّل الثقافة إلى رافد اقتصادي ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، إذ يندرج تحت محور “تنمية القطاع الثقافي وخلق وظائف مستدامة”، وتعمل المؤسسة بالتعاون مع جهات رسمية وخاصة على خلق منظومة إنتاج متكاملة تشمل التدريب، والتمويل، والدعم اللوجستي، واستقطاب المواهب.
وبحسب تقديرات المؤسسة، فإن الاستثمار في قطاع الإنتاج السينمائي بالعُلا سيولد عوائد مباشرة وغير مباشرة على مستوى التوظيف والسياحة الثقافية، ما يجعل من المشروع نموذجاً لتكامل الثقافة والاقتصاد.
وتستعد “فيلم العُلا” لإطلاق مبادرات جديدة في النصف الثاني من عام 2025، تشمل دعم صناديق الإنتاج المحلية، وإطلاق برنامج إقامة للمخرجين والكتاب بالتعاون مع مهرجانات دولية. كما يجري العمل على إعداد خارطة للمواقع التصويرية المتاحة داخل المحافظة وربطها رقميًا بمنصات الحجز والتخطيط الخاصة بصنّاع الأفلام.
وختم شاكر حديثه قائلًا: “بعد خمس سنوات من العمل، أثبتنا أن العُلا منظومة إنتاج متكاملة تمتلك رؤية واضحة، وليست مجرد خلفية بصرية جميلة، ونحن نواصل البناء على هذه الأسس، نحو مستقبل يجعل من العُلا اسماً عالمياً في السينما”.