مدير FBI يكشف سبب استقالته قبل تنصيب دونالد ترمب
في مقابلة تلفزيونية هي الوحيدة منذ إعلانه عن خططه للاستقالة، كشف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، كريستوفر راي عن أسباب قراره بمغادرة المنصب الرفيع قبل ثلاث سنوات تقريباً من انتهاء ولايته.
وقال راي، في مقابلة مع شبكة CBS News الأميركية، إن قرار استقالته كان من أصعب القرارات التي اضطُر إلى اتخاذها في حياته.
وأشرف راي على قضية، وصفتها الشبكة الأميركية بأنها “الأكبر” في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي التحقيق في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، إلى جانب تحقيقات أخرى طالت الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس المنتخب دونالد ترمب، ما جعل ولايته واحدة من أكثر الفترات “المشحونة سياسياً” في تاريخ المكتب الممتد لـ116 عاماً.
وسيغادر راي منصبه قبل عودة ترمب، الذي عيّنه عام 2017، إلى البيت الأبيض.
وعن قراره المغادرة، قال راي في المقابلة: “أهتم بشدة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، وبمهمتنا، وبالأخص بأفرادنا. ولكن الرئيس المنتخب أوضح أنه يعتزم إجراء تغيير، والقانون ينص على أن بإمكانه فعل ذلك لأي سبب أو دون سبب على الإطلاق”.
وأضاف: “استنتجت أن أفضل ما يمكن القيام به من أجل المكتب هو محاولة تنفيذ ذلك بطريقة منظَّمة؛ لتجنّب الزج بمكتب التحقيقات الفيدرالي في مزيد من الاضطرابات”.
نزاعات سياسية
ومنذ تعيينه في عام 2017، عاش راي، البالغ من العمر 58 عاماً، في خضم نزاعات سياسية لا تتوقف؛ إذ جاء تعيينه بعد أن أقال ترمب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، بينما كان المكتب يحقق في ما إذا كان أعضاء من حملة ترمب قد تواطئوا مع روسيا للتأثير على انتخابات 2016.
وحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي بتهمة التآمر لقلب نتيجة انتخابات 2020، مما أثار غضب ترمب.
وقال راي: “وظيفتنا كمحققين في مكتب التحقيقات الفيدرالي هي متابعة الحقائق أينما قادتنا، بغض النظر عن مدى قبولها، أو رفضها من الآخرين”.
وأضاف: “أحد الأشياء التي لاحظتها خلال فترة عملي لمدة سبع سنوات ونصف كمدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي هو أن الناس يدعون اهتمامهم بالاستقلالية والموضوعية حتى تؤدي الاستقلالية والموضوعية إلى نتائج لا تعجبهم. الحقيقة هي الحقيقة، وليست بالضرورة ما يرغب فيه أي من الطرفين”.
وأكد راي أن كل ما يمكن للمكتب فعله هو التركيز على أداء عمله بطريقة صحيحة، ووفق القواعد المعمول بها. وقال: “بذلنا جهداً كبيراً للتأكد من التزامنا بتلك المبادئ والقواعد في كل تحقيق (أُجري) خلال ولايتي”.
تفتيش منزل دونالد ترمب
وأعرب ترمب عن غضبه من عملية تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله في عام 2022 بحثاً عن ملفات سرية. وكان أحد محاميي ترمب قد أكد سابقاً أن جميع الوثائق السرية قد أُعيدت إلى الحكومة، لكن المكتب كشف لاحقاً عن العثور على 72 وثيقة تحمل تصنيف “سري للغاية” أو “سري”، بما في ذلك وثيقة واحدة على الأقل تتعلق بالقوة العسكرية للولايات المتحدة.
وقال راي: “جزء من مهام مكتب التحقيقات الفيدرالي هو حماية المعلومات السرية. وعندما نعلم أن مواداً سرية لا تُخزّن بشكل صحيح، يصبح من واجبنا التصرف. وأود أن أوضح أن إصدار أمر تفتيش ليس، ولم يكن أبداً، الخيار الأول في مثل هذه التحقيقات”.
وأضاف: “نحاول دائماً اتباع أقل الوسائل تدخلاً، بدءاً بمحاولة استعادة المعلومات بشكل طوعي، ثم باستخدام مذكرة استدعاء. وإذا وجدنا بعد كل ذلك أن العملاء لم يحصلوا على كل المواد السرية وأن هذه الجهود قد أُحبطت أو عُرقلت، لا يكون أمام عملائنا خيار سوى اللجوء إلى قاضٍ فيدرالي، وتقديم أسباب قانونية مقنعة، والحصول على أمر تفتيش. وهذا ما حدث في هذه الحالة”.
تحقيقات بايدن ونجله هانتر
ونفى راي وجود أي تواصل بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والبيت الأبيض فيما يخص التحقيقات المتعلقة بترمب. وأكد أنه – على حد علمه – لم يحدث أي تواصل من هذا النوع من قِبل أي شخص آخر في المكتب.
كما أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقات في احتفاظ بايدن بوثائق سرية، بالإضافة إلى تحقيق منفصل بشأن نجله هانتر، الذي أُدين بتهم تتعلق بالأسلحة والضرائب. وأصدر بايدن عفواً عنه الشهر الماضي، واصفاً التحقيق بأنه “سياسي بحت”.
وقال راي إن مواجهة الانتقادات من أصحاب النفوذ، بمن فيهم الرؤساء، جزء من وظيفته.
وتابع: “هذه وظيفة صعبة؛ لا مفر من إثارة غضب أشخاص مختلفين، وغالباً ما يكونون ممن لديهم نفوذ كبير. لكن جزءاً من جوهر سيادة القانون يكمن في التأكد من أن الحقائق، والقوانين، والأسس السليمة هي ما يوجه التحقيقات، وليس من في السلطة، أو من يريد الأمر كذلك أو خلافه”.
هجوم الكابيتول
وأشرف راي على التحقيق في أكبر قضية في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة (مقر الكونجرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ) عام 2021. وقد تعهَّد ترمب بالعفو عن العديد من الـ1500 شخص المتهمين في القضية.
وعلّق راي قائلاً: “أعتقد أنه من المهم أن نتذكر أننا نتحدث عن مئات الأشخاص الذين أُدينوا، ومعظمهم اعترف بالذنب في جرائم فيدرالية خطيرة”.
وأضاف: “أعتقد أن حوالي 170 شخصاً اعترفوا بالذنب في تهم تتعلق بالاعتداء على رجال إنفاذ القانون، بعضهم باستخدام أسلحة خطرة أو مميتة. وهناك عدد كبير ممن أُدينوا بتهمة التآمر لإحداث فتنة”.
التهديد الصيني
ومع الكثير من التحقيقات المتعلقة بترمب وبايدن خلال فترة ولاية راي، كانت الصين أيضاً أحد مصادر القلق الرئيسية التي ركَّز عليها مدير FBI. ويعتقد راي أن الصين تمثل أكبر تهديد طويل الأمد يواجه الولايات المتحدة، واصفاً إياها بأنها “التهديد الرئيسي لجيله”.
وقال راي إن البرنامج السيبراني الصيني تمكَّن من سرقة بيانات شخصية وتجارية من الولايات المتحدة بأكثر من دول العالم مجتمعة. كما أوضح أن الحكومة الصينية اخترقت بنى تحتية حيوية مدنية في الولايات المتحدة.
وأضاف: “إنهم يتسللون إلى تلك الشبكات، وينتظرون الفرصة المناسبة، ليكونوا في وضع يسمح لهم بإحداث أضرارٍ حقيقية في الوقت والمكان الذي يختارونه”.
وأضاف راي أن التمركز المسبق للحكومة الصينية في البنية التحتية الحيوية المدنية الأميركية، مثل محطات معالجة المياه، وأنظمة النقل، والاتصالات، لم يحظَ بالاهتمام الذي يستحقه. كما يعتقد أن الصين تمكنت من الوصول إلى اتصالات بعض الأشخاص في الحكومة الأميركية.
“تهديدات إرهابية جديدة”
ورأى مدير FBI أن الفوضى في الشرق الأوسط “تفرز تهديدات جديدة بالإرهاب”، مستشهداً باعتقال مواطن باكستاني قبل بضعة أشهر كان يسعى للوصول إلى مدينة نيويورك لتنفيذ عملية إطلاق نار جماعي في مركز يهودي في بروكلين.
وأضاف: “وفي كلماته هو، وليست كلماتي، أراد تنفيذ أكبر هجوم في الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر.” وتابع راي: “ما أود قوله للشعب الأميركي هو أنه عندما تعتقدون أن هذه الأمور تحدث على بعد نصف العالم منا، فالأمر يشبه العبارة الصغيرة المكتوبة على مرآة سيارتكم: الأشياء في المرآة أقرب مما تبدو”.
كما تناول راي قضية شمس الدين جبار، المسؤول عن هجوم بالشاحنة في نيو أورليانز، والذي أسفر عن مصرع أكثر من 10 أشخاص. وقال: “من الواضح جداً حتى الآن أن هذا الشخص تعرَّض للتطرف عبر الإنترنت، وكان مصمماً على محاولة قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء باسم داعش”. وأكد أنه رغم استمرار التحقيقات، يتضح أن جبار استلهم أفكاره من ذلك التنظيم المتطرف “عن بُعد”.
وأضاف راي: “إنه، وبطرق عديدة، يظل التهديد الإرهابي الأكثر تحدياً الذي نواجهه. نحن نتحدث عن أشخاص مثل هذا، يتطرفون ليس خلال سنوات، بل خلال أسابيع، وطريقة هجومهم لا تزال قاتلة للغاية رغم بساطتها”.
وأشار راي إلى التحديات المتزايدة في التعامل مع التهديدات الإرهابية، قائلاً: “ليس هناك الكثير من النقاط التي يمكن ربطها، وهناك وقت قليل جداً لربطها”.
مستقبل مكتب التحقيقات الفيدرالي
رشَّح ترمب كاش باتيل، الذي يجب أن يصادق عليه مجلس الشيوخ، لتولي منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي. وشغل باتيل مناصب في الأمن القومي خلال الإدارة الأولى لترمب. وفي عام 2023، كتب باتيل كتاباً سمى فيه مسؤولين يعتبرهم “فاسدين”، بما في ذلك راي.
وقال راي: “كما تعلمون، لن أعلق على أشخاص محددين أو خطابهم. من موقعي، فإن الحقائق والقانون هما ما يقود التحقيقات، وليست السياسة، أو التفضيلات الحزبية”.
وعلَّق ترمب على إعلان استقالة راي، واصفاً إياه بأنه “يوم عظيم لأميركا”. وكتب ترمب: “اقتحم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزلي بشكل غير قانوني دون سبب”، وقال إن راي فعل كل شيء “للتدخل في نجاح ومستقبل أميركا”.
وقال راي: “اسمعوا، أنا معتاد على أن يعبر الناس عن جميع أنواع الآراء تجاهي، تماماً كما هو الحال مع كل شيء آخر. يمكنني أن أخبركم أنني كنت طوال حياتي، حياتي البالغة، جمهورياً محافظاً، والأهم من ذلك، محترفاً في إنفاذ القانون يتبع القواعد بحذافيرها”.
وأضاف: “أتعامل بجدية بالغة مع الهجمات التي تُشَن ضد أفرادنا في مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأود أن أخبركم أن المكتب الذي أراه كل يوم يتكون من 38 ألف محترف يعملون في مجال إنفاذ القانون. وليس بينهم أي شخص معيّن سياسياً، ولا واحد”.
وقال راي إن مكتب التحقيقات الفيدرالي ينجز عمله بصرامة، ومثابرة، واحترافية، وموضوعية. وأضاف: “أستطيع أن أقول إنه كان شرفاً لي طوال حياتي أن أعمل معهم”.