مركز مشترك لمحاربة تنظيم “الدولة”.. إدراك إقليمي لخطر قائم

– حسام المحمود
لا تزال مخاطر تنظيم “الدولة الإسلامية” حاضرة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وهي مسألة استشعرتها دول جوار سوريا التي قررت خلال اجتماع جرى في العاصمة الأردنية، عمان، في 9 من آذار الحالي، بذل مجهود جماعي في سبيل محاربة التنظيم.
وخلال البيان الختامي للاجتماع الذي جرى بمشاركة وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ولبنان وتركيا، بالإضافة إلى وزراء الدفاع ورؤساء هيئات الأركان، ومديري أجهزة المخابرات، جرى الاتفاق على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره.
وقد سبقت البيان الختامي كلمات ومداخلات لوزراء الخارجية المشاركين، تمحورت حول ضرورة التوصل لجهد مشترك في هذا السياق، إذ قال وزير الخارجية الأردني، إن الاجتماع بحث التحديات التي تواجه سوريا، والاتفاق على جهد مشترك لمحاربة التنظيم، بينما قال نظيره العراقي، إن الاجتماع ركز على تهديدات “الدولة الإسلامية” في المنطقة، ونمو أعداد قواته في الإقليم.
الوزير العراقي اعتبر أن الدول بحاجة للمبادرة وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن نمو التنظيم، بما يؤثر سلبًا على أمن المنطقة، مشيرًا إلى أن استقرار العراق ينبع من استقرار سوريا.
وجاء في الاجتماع الذي ستُعقد جولة ثانية منه في تركيا، في نيسان المقبل، تأكيد تركي على توحيد دول جوار سوريا قدراتها لمحاربة التنظيم.
الحديث عن إطلاق هذا المركز لم يتوقف عند هذا الحد، وسلك منحى جديًا عبّرت عنه تصريحات وزير الخارجية العراقي خلال لقائه في بغداد نظيره السوري، حين شدد على ضرورة التعاون دوليًا من أجل القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، مؤكدًا أن غرفة العمليات لمحاربته ستبصر النور قريبًا.
خطوة مبررة
رغم الإصرار الدولي على محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا، قبل وبعد رحيل الأسد، والذي تجلى بمواصلة الضربات الأمريكية واستهدافات طيران التحالف الدولي شخصيات من تنظيم “حراس الدين” (فرع القاعدة)، قبل وبعد حل نفسه، بداية العام، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” اقتحم بعد هدوء نسبي، المشهد السوري من بوابة عريضة بعد وقت قصير من سقوط الأسد، ما يبرر السعي الإقليمي لموقف مشترك في محاربته.
اعتبر تنظيم “الدولة”، في كانون الثاني الماضي، أن الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان” (استمرت 11 يومًا وانتهت بإسقاط حكم بشار الأسد)، “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى، وأنها “تنفذ حربًا بالوكالة” بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، وقال إن “من يدعو لدولة مدنية في سوريا هو شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد”.
كما وصف الثورة السورية بأنها “ثورة جاهلية” لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وأنها “ثورة وليست جهادًا في سبيل الله”، وأنها ثورة تحرر من نظام قمعي يستأثر بالسلطة بغية الوصول إلى نظام آخر ديمقراطي يتقاسم السلطة.
تهديدات التنظيم لم تقف عند حدود الكلمة والبيانات، وصولًا إلى محاولة تفجير داخل مقام السيدة زينب بريف دمشق، أعلن جهاز الاستخبارات العامة السوري إحباطها، في 11 من كانون الثاني الماضي.
مصدر بجهاز الاستخبارات العامة اتهم تنظيم “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلف التخطيط للتفجير، ثم أعلنت وزارة الداخلية اعتقال عدة أشخاص متورطين، ونشرت صورًا تظهر أربعة أفراد قالت إنهم يتبعون للتنظيم.
وفي 18 من آذار، أصدرت وزارة الداخلية السورية تسجيلًا مصورًا تضمن اعترافات لأفراد في خلية قالت إنها تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” متهمة بمحاولة تفجير عدد من المواقع في سوريا منها في مدينة معلولا، ومنطقة السيدة زينب بريف دمشق، ومتورطة بمقتل “أبو ماريا القحطاني”.
وبحسب الإصدار، فإن هذه الخلية هدفت إلى تنفيذ عمليات تحمل طابع الحساسية القصوى في سوريا سعيًا منها لزعزعة الأمن والاستقرار وزرع الفوضى في البلاد.
وأكدت الوزارة مسؤولية هذه الخلية عن مقتل القيادي السابق في “هيئة تحرير الشام”، ميسر الجبوري، الملقب بـ”أبو ماريا القحطاني”، الذي قتل بانفجار عبوة ناسفة استهدفته في منطقة سرمدا بريف إدلب الشمالي، في نيسان 2024.
الخلية خططت لتنفيذ عدد من الهجمات عقب سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024، مستغلة الحالة الأمنية التي كانت تعيشها سوريا، بحسب الإصدار الذي نشرته الداخلية.
ووفق اعترافات الخلية، فإنه كان مخططًا أن تتركز الهجمات على “الأقليات” من مختلف الطوائف في سوريا “لتأجيج الرأي العام والدولي بهذه القضية”.
كما اعترفت الخلية بتخطيطها للهجوم على كنيسة في مدينة معلولا بسيارة مفخخة تزامنًا مع عيد رأس السنة الميلادية، لكن التشديد الأمني حال دون تنفيذ الخطة.
“الهيئة” إلى جانب “قسد” ضد “التنظيم”
الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود، أوضح ل أن هذه الخطوة مهمة وتفيد الإدارة السورية في كسب الشرعية التي تبحث عنها، من خلال المجتمع الدولي، وليس المجتمع السوري فقط.
ويرى فرهود أن مكافحة التنظيم بالتعاون مع المجتمع الدولي خطوة متقدمة جدًا في الحصول على الشرعية والاعتراف المطلوب، لا سيما أن التنظيم لا يشكل تهديدًا محليًا سوريًا فقط، بل هو تهديد عابر للحدود، ومصنف على لوائح الإرهاب الدولية، وكان السبب المعلن للوجود الأمريكي في سوريا، وإدخال الإدارة السورية الجديدة واعتبارها شريكًا في مكافحة التنظيم خطوة مهمة في السياق السياسي.
ومن المستبعد أن تعول الإدارة السورية على هذه الخطوة للحصول على الاعتراف الكامل، في ظل وجود مطالب للمجتمع الدولي قبل الوصول إلى هذه النقطة، مع الإشارة إلى وجود منافس قوي لدمشق في ملف مكافحة التنظيم، وهو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تمتلك الخبرة وتدير السجون والمخيمات، بالإضافة إلى قتالها للتنظيم إلى جانب الولايات المتحدة منذ سنوات.
“التنظيم يتأقلم بسرعة مع المتغيرات التي تجري على الأرض، ولذلك من المستبعد أن تحقق الأدوات القديمة في مكافحة التنظيم نفعًا، بسبب تغيرات التنظيم ووجود قبضة أمنية رخوة مع انفتاح الجغرافيا السورية على بعضها وإمكانية التحرك ونقل السلاح وانتشاره في سوريا”، أضاف الباحث.
ومن العوامل التي يمكن أن تضعف قدرات التنظيم، إلى جانب مكافحته من قبل “قسد”، إضافة “تحرير الشام” إلى هذه الملف، لا سيما أن “الهيئة” من خلفية مشابهة وذات خبرة، وينتمي الفريقان لنفس المدرسة الأمنية والعسكرية والدينية، ما يجعل مكافحة “الهيئة” للتنظيم إضافة مهمة، فيمكن أن تطور خطابًا شرعيًا قادرًا على فض عناصر “التنظيم” عنه، بالإضافة إلى خبرة أمنية وقدرة على فهم آلية عمل التنظيم، لا سيما أنه لم ينفذ عمليات حقيقية في المناطق التي كانت تسيطر عليها “تحرير الشام”.
والقدرة على الحكم على هذا التحالف بحاجة لوقت واختبار في الميدان، مع إمكانية أن تمنع هذه الخطوة بشكل كبير من الاستفادة من الأراضي السورية لشن عمليات داخلها، أو استخدام سوريا لعمليات خارجية، وفق الباحث عمار فرهود.
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دعا، في 13 من شباط الماضي، السلطات الجديدة في سوريا إلى دراسة الشراكة مع التحالف الدولي المتمركز في العراق لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” لمنع زعزعة استقرار سوريا في فترتها الانتقالية.
وفي كلمته الختامية لفعاليات المؤتمر الدولي حول سوريا الذي انعقد في باريس، أكد ماكرون أن الهدف الأول هو الأمن وضمان عدم تحول سوريا مرة أخرى إلى منصة لوجستية للميليشيات المرتبطة بإيران والتي تشارك عبر أجندتها في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وأضاف، “إذا وافقت سوريا على مقترح للتعاون، فإن فرنسا ستنظر إليه ليس فقط بإحسان، بل أيضًا بالتزام”، مبديًا استعداد فرنسا للقيام بأعمال مشتركة تحترم السيادة السورية، لمحاربة المجموعات الإرهابية، كما شدد على وجوب الاستمرار في محاربة “المنظمات الإرهابية” التي تنشر الفوضى في سوريا وتريد تصديرها، مؤكدًا أن محاربة “التنظيم” وجميع الجماعات الإرهابية “أولوية مطلقة”.
كما دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الحكومة السورية للانضمام إلى التحالف المناهض لتنظيم “الدولة”، وذلك في مؤتمر صحفي بدمشق، حضرته.
ويمتلك التنظيم خلايا نائمة داخل سوريا، وهي مسألة لم ينفِها وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في مقابلة مصورة مع التلفزيون “العربي”، في 21 من كانون الثاني الماضي، حين تحدث عن خطر موجود لتنظيم “الدولة الإسلامية”، والعمل على مكافحته من قبل وزارة الدفاع وجهاز الأمن السوري.
وفي وقت سابق، كانت “هيئة تحرير الشام” (نواة السلطة السياسية والعسكرية في سوريا الآن) تعلن باستمرار عن القبض على قياديين في مناطق نفوذها، شمال غربي سوريا، حيث تحتوي سجون إدلب التي كانت تحت نفوذ “الهيئة” على العديد من قياديي التنظيم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي