قال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قدم، خلال خطته لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ضمانات بألا تبدأ إسرائيل الحرب مجدداً، كاشفين عن كواليس جديدة من المباحثات التي انتهت بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبول الخطة، حسبما أفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

وجاء في تقرير للصحيفة أنه قبل أسبوعين من توجهه إلى الولايات المتحدة لمناقشة خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة، وقف نتنياهو أمام أنصاره من اليمين المتطرف في إحدى المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، ليقطع وعداً قائلاً: “لن تكون هناك دولة فلسطينية.. هذا المكان لنا”.

لكن بعد أيام، كان نتنياهو يجلس في غرفة فندق بمدينة نيويورك برفقة أقرب مستشاريه وممثلي الإدارة الأميركية، يطالع مسودة وثيقة لخطة سلام تنص في ختامها على النقيض تماماً مما أعلن سابقاً: “مسار موثوق، ولو كان غامضاً، نحو قيام دولة فلسطينية مستقبلاً”.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماع الذي عُقد في أواخر سبتمبر: “النهاية كانت غير سارة.. لقد بدا الأمر وكأنه خيانة أخيرة”.

وساعد في الدفع بهذه الجهود، نفوذ صهر ترمب ومبعوثه السابق إلى الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، إذ كان الهدف يتمثل في تحقيق طموحين سياسيين وشخصيين للرئيس الأميركي، بحسب الصحيفة.

وأضافت الصحيفة أن خطة ترمب تعد ثمرة جولة محمومة من المساعي الدبلوماسية قادتها السعودية وعدة دول عربية وإسلامية مؤثرة أخرى، واستثمرت أيضاً في غضب الرئيس الأميركي من الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات من حركة “حماس” في الدوحة 9 سبتمبر. 

ونقلت “فاينانشيال تايمز” عن مسؤولين إسرائيليين شاركا في المفاوضات قولهما إن توقيت الخطة “لم يكن عشوائياً”، إذ أوضح ترمب أنه يريد إنهاء الحرب قبل حلول ذكراها الثانية، مشيرة إلى أن من المقرر الإعلان عن جائزة “نوبل” للسلام، التي يطمع ترمب في نيلها، هذا الشهر.

وقال دبلوماسي إسرائيلي سابق تواصل مع واشنطن نيابة عن عائلات الرهائن: “منذ وقت مبكر جداً، أدرك ترمب أن الرهائن هم المفاتيح التي تفتح كل الأبواب في الشرق الأوسط”، إذ التقى بالمحتجزين الإسرائيليين المفرج عنهم، وكان يعرف بعضهم بأسمائهم، وتابع عن كثب عملية تعافيهم بعد شهور من الأسر، مكوناً صلة شخصية تفوق بكثير علاقة نتنياهو بهم.

وكان مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يتواصل بانتظام مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين المنتظرين عودة ذويهم، لكن لإطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، ولتحريك خطته الكبرى للشرق الأوسط، كان على ترمب أن يدفع نتنياهو لتقديم تنازلات ووضع خطة لما بعد الحرب. 

وكان ذلك ضرورياً ليس فقط لإقناع “حماس”، التي يمثل المحتجزون مصدر نفوذها الوحيد، بل أيضاً لاسترضاء حلفاء واشنطن في الخليج الذين نفرهم نتنياهو بسلوك إسرائيل العدواني في المنطقة، بحسب “فاينانشيال تايمز”.

اعتذار نتنياهو 

وأثارت الضربة الإسرائيلية على الدوحة، الحليف لواشنطن، غضب ترمب، خصوصاً أنها جاءت بينما كانت “حماس” تدرس مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمه ويتكوف.

وتقول الصحيفة إنه حين وصل نتنياهو أخيراً إلى البيت الأبيض في 29 سبتمبر، بعد أيام من عرض ترمب خطته على القادة العرب، ناوله الرئيس الأميركي سماعة الهاتف ليستمع بنفسه إلى نتنياهو وهو يقدم “اعتذاراً” لرئيس الوزراء القطري.

وقال مسؤول أميركي سابق، وصفته الصحيفة بأنه على اتصال دائم بقادة في الشرق الأوسط، إن تلك الضربة (الإسرائيلية على قطر) “في الواقع فتحت الباب أمام كل هذا”، مضيفاً أن الضربة كانت “مُهينة لترمب”، لكنها سمحت له بأن يقول لنتنياهو: “أنتم أخطأتم، وأنا أنقذكم الآن، وهذه هي النهاية”، واصفاً اعتذار نتنياهو اللاحق في المكتب البيضاوي بأنه “شريط اعتذار أشبه بتسجيلات الرهائن”.

 خطة ترمب 

وبينما حاول نتنياهو وفريقه تخفيف بعض عناصر خطة ترمب المؤلفة من 20 بنداً، خصوصاً الإشارة إلى الدولة الفلسطينية، كان فريق فني قطري يجلس على مقربة في البيت الأبيض.

وقال مصدر آخر قرأ مسودات الخطة: “كان من المستحيل تغيير أكثر من بضع كلمات هنا وهناك”. فعلى سبيل المثال، حاول نتنياهو ومفاوضوه الحصول على تنازل جوهري يسمح لإسرائيل باستئناف القتال، إذا قررت أن “حماس” انتهكت أحد بنود الاتفاق، لكنهم تلقوا أوامر “بالتوقف عن البحث عن الثغرات”.

وأضاف المصدر: “ترمب نفسه قدم ضمانات (للعرب) بأن إسرائيل لن تبدأ الحرب مجدداً”. وأكد شخص ثانٍ مطلع على المحادثات بين البيت الأبيض ومسؤولين عرب هذه التعهدات.

وتضمنت الوثيقة مقترحات تُعد مرفوضة تماماً لدى الأحزاب اليمينية المتطرفة والتيارات الدينية المتشددة الداعمة لائتلاف نتنياهو، والتي تعهدت بطرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطينها باليهود.

وتحظر الوثيقة التهجير القسري، وتنص على أن لسكان غزة حرية مغادرة القطاع المحاصر والعودة متى أرادوا، كما يمكن منح عناصر “حماس” عفواً إذا سلموا أسلحتهم ووافقوا على “التعايش السلمي” بدلاً من ملاحقتهم.

ولن يُسمح لإسرائيل لا باحتلال غزة ولا بضمها، ولن يُسمح لها ببناء مستوطنات فيها، كما سيُسمح للأمم المتحدة، التي يهاجمها نتنياهو بشدة، بتقديم المساعدات للفلسطينيين الذين يعانون الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي.

ومع ذلك، احتوت الوثيقة على ما يكفي من البنود ليحفظ نتنياهو ماء وجهه، إذ تنص على حظر مشاركة “حماس” في الحكم الفلسطيني وتجريد مقاتليها من السلاح وتحويل القطاع إلى منطقة منزوعة السلاح، بحسب “فاينانشيال تايمز”.

وسيُدار قطاع غزة مؤقتاً عبر لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين وهيئة إشراف دولية برئاسة ترمب نفسه، وليس من قبل السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء من الضفة الغربية. كما ستتولى قوة دولية مهمة الأمن.

صدمة نتنياهو

وبينما وقف إلى جانبه، بحسب فايننشيال تايمز”، بدا نتنياهو “خاضعاً”، فالرجل الذي واجه وتفوق على 3 رؤساء أميركيين، بيل كلينتون وباراك أوباما وجو بايدن، وجد نفسه تحت ضغط غير مسبوق من الرئيس الذي وصفه يوماً بأنه “أعظم صديق لإسرائيل دخل البيت الأبيض”. 

ورغم أن ترمب أربك حلفاء واشنطن كثيراً بنهجه القائم على الصفقات وقراراته المتقلبة، كان نتنياهو يرى فيه، وفي قاعدته السياسية المؤيدة بشدة لإسرائيل، مصدر دعم يمكن الاعتماد عليه. 

لكن مطلع هذا العام، فاجأه ترمب بإعلانه أن الولايات المتحدة أجرت محادثات غير مباشرة مع إيران، ثم أحرجه بتذكيره بأن إسرائيل تعتمد على مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية.

وقال السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن مايكل أورن: “القاعدة الذهبية هي أن مصالح دونالد ترمب تأتي أولاً”، فقبل ترمب، كان نتنياهو يوسع المستوطنات رغم اعتراضات أوباما، ويماطل في مفاوضات السلام في عهد كلينتون. 

وأضاف أورن، مشيراً إلى ضغوط بايدن بشأن الحرب في غزة: “مع بايدن، الذي قال مراراً: لا تفعل، لا تفعل، فعلت إسرائيل على أي حال، لكن مع دونالد ترمب، حين يقول لا، فإنك لا تفعل”.

وتابع: “وهذا الآن هو القانون، (حتى بالنسبة) لإسرائيل”، مشيراً إلى التوبيخ العلني المليء بالألفاظ النابية الذي وجهه ترمب لإسرائيل، عندما قصفت شرق إيران بعد إعلان الرئيس الأميركي وقفاً لإطلاق النار أنهى حرباً استمرت 12 يوماً بين الخصمين الإقليميين في يونيو.

تحول جذري 

 وبعد أيام من زيارته البيت الأبيض ووقوفه إلى جانب ترمب معلناً دعمه للخطة، انقلبت الأجواء مجدداً ضد نتنياهو، ففي إسرائيل، روّج رئيس الوزراء لمقترحات ترمب بوصفها “انتصاراً لإسرائيل”، وعرضها على “حماس” كخيار “غير قابل للنقاش”، مع حصول إسرائيل على ضوء أخضر أميركي للقضاء على الحركة المسلحة، حال رفضها.

لكن نتنياهو وجد نفسه محاصراً، الجمعة، حين اختارت “حماس” الجزء الأكثر جاذبية من صفقة ترمب، وهو الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء والأموات خلال 72 ساعة، متجنبة البنود الأكثر جدلاً.

وقال أورن: “فجأة، طرأ تحول جوهري على الوضع، في السابق، كانت أمام حماس 3 خيارات: أن تستسلم، أو تتخلى عن الإرهاب، أو تموت، أما الآن، فبات لديها خيار رابع هو التفاوض، وخلال فترة التفاوض، تواجه إسرائيل ضوءاً أحمر”.

وبعد وقت قصير من بيان “حماس”، أصدر ترمب أوامره لإسرائيل بـ”الوقف الفوري” للعمليات العسكرية في غزة ريثما تتواصل المفاوضات، وفي مكالمة هاتفية مع ترمب، أوردها موقع “أكسيوس”، حاول نتنياهو إقناع ترمب بأن قبول “حماس” المشروط ليس سوى مناورة لكسب الوقت، فرد عليه ترمب بغضب قائلاً: “لماذا أنت متشائم إلى هذا الحد اللعين؟”.

ومع ذلك علق ترمب لاحقاً على التقرير قائلاً إن نتنياهو كان إيجابياً للغاية تجاه الاتفاق، وأضاف: “لم أطلب منه أن يكون أكثر إيجابية”.

وبعد أيام، شدد ترمب على موقفه علناً، قائلاً لمراسل إسرائيلي إنه لم يحتج إلى جهد كبير لإقناع نتنياهو بقبول الوضع القائم، مضيفاً للقناة “12” الإسرائيلية: “لم يعترض (نتنياهو) عليه أن يرضى بالأمر، لا خيار أمامه ومعي، عليك أن ترضى”.

شاركها.