اخر الاخبار

مسؤول سابق ينتقد قيود الاتحاد الأوروبي: أخطر من رسوم ترمب

حذر الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماريو دراجي، من أن الحواجز الداخلية والقيود التنظيمية في أوروبا تضر بنموها الاقتصادي أكثر من أي رسوم جمركية قد تفرضها الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن هذه العقبات جعلها أكثر عرضة للتقلبات الخارجية.

وأوضح دراجي في مقال رأي نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” أن اقتصاد منطقة اليورو، شهد نمواً ضئيلاً في نهاية العام الماضي، “ما يعكس هشاشة التعافي المحلي”، لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه، بدأت واشنطن في فرض رسوم جمركية على شركائها التجاريين الرئيسيين، مع توجيه أنظارها نحو الاتحاد الأوروبي، “وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على الطلب الخارجي”. 

وأشار دراجي إلى عاملين رئيسيين وراء هذا الوضع، وهما العجز المستمر في معالجة قيود العرض، وارتفاع الحواجز الداخلية والأنظمة التنظيمية المعقدة، التي وصفها بأنها “أكثر ضرراً للنمو من أي رسوم جمركية أميركية محتملة”. 

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن هذه الحواجز تعادل فرض رسوم بنسبة 45% على قطاع التصنيع و110% على قطاع الخدمات، مما يقلص السوق الأوروبية، ويجعل التجارة بين دول الاتحاد أقل من نصف مستوى التجارة بين الولايات الأميركية. ومع تزايد التحول نحو قطاع الخدمات، تتفاقم هذه القيود لتصبح عبئاً متزايداً على الاقتصاد الأوروبي، يقول دراجي.

قيود تنظيمية على التكنولوجيا

وأوضح دراجي، أنه في الوقت نفسه، فرض الاتحاد الأوروبي قيوداً تنظيمية على أكثر القطاعات ابتكاراً في مجال الخدمات، وهو القطاع الرقمي، مما أعاق نمو شركات التكنولوجيا الأوروبية، وحال دون تحقيق الاقتصاد لمكاسب إنتاجية كبيرة. فعلى سبيل المثال، تُقدَّر تكاليف الامتثال للائحة حماية البيانات العامة، بأنها أدت إلى انخفاض أرباح الشركات التقنية الصغيرة في أوروبا بنسبة تصل إلى 12%.

وأضاف: “بذلك، عملت أوروبا فعلياً على رفع الرسوم الجمركية داخل حدودها وزيادة القيود التنظيمية على قطاع يشكل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي”.

وشدد دراجي، على أن “إخفاق أوروبا في خفض الحواجز الداخلية ساهم في ارتفاع انفتاحها التجاري بشكل غير معتاد، مما جعل اقتصادها أكثر عرضة للصدمات الخارجية. فمنذ عام 1999، ارتفعت التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو من 31% إلى 55%، مقارنة بارتفاع محدود في الصين من 34% إلى 37%، وفي الولايات المتحدة من 23% إلى 25%”.

وقال إنه رغم أن هذا الانفتاح كان ميزة خلال عصر العولمة، إلا أنه تحول إلى نقطة ضعف هيكلية في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية. 

وأشار دراجي إلى مفارقة الحواجز الداخلية المرتفعة مقابل التراجع في الحواجز الخارجية مع تسارع العولمة، مما دفع الشركات الأوروبية للاعتماد على الأسواق الخارجية لتعويض تباطؤ النمو المحلي، وجعل الواردات أكثر جاذبية نسبياً. فعلى سبيل المثال، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، انخفضت تكاليف التجارة في قطاع الخدمات داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة 11%، لكنها تراجعت بنسبة 16% للواردات من خارج الاتحاد، ما أدى إلى تساوي التجارة في الخدمات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما لا يُفترض أن يحدث في اقتصاد كبير ومتكامل. 

ضعف الطلب يزيد الأزمة

أما العائق الثاني أمام نمو أوروبا، بحسب دراجي، فهو “ضعف الطلب المحلي المستمر منذ الأزمة المالية العالمية 2008، مما فاقم جميع المشكلات الناجمة عن قيود العرض”. فمنذ تلك الأزمة، سجل الطلب المحلي في منطقة اليورو أضعف مستوى بين الاقتصادات المتقدمة، في حين استمرت الولايات المتحدة في الصدارة. وأسهم هذا الضعف في تحويل الانفتاح التجاري المرتفع إلى فوائض تجارية كبيرة، حيث انتقل الحساب الجاري لمنطقة اليورو من التوازن حتى 2008 إلى تحقيق فوائض مستمرة بعد ذلك. 

كما أدى انخفاض الطلب إلى تباطؤ نمو إنتاجية عوامل الإنتاج بعد فترات الركود، وهو نمط لم يظهر في الولايات المتحدة. ويعود ذلك جزئياً إلى تأثير الطلب على دورة الابتكار، حيث تُظهر الأبحاث أن الصدمات الناتجة عن السياسات تؤثر بشكل كبير على الاستثمار في البحث والتطوير، لا سيما في التقنيات المتقدمة، بحسب دراجي. 

وأكد المسؤول الأوروبي السابق، أن السياسة المالية لعبت دوراً رئيسياً في هذه الفجوة، إذ ضخت الحكومة الأميركية منذ عام 2009 وحتى 2024، وباحتساب القيمة المعدلة لعام 2024، أكثر من 14 تريليون يورو عبر العجز المالي الأساسي، مقارنة بـ 2.5 تريليون يورو فقط في منطقة اليورو، مما عزز الطلب المحلي في الولايات المتحدة على نحو أكبر بكثير مما حدث في أوروبا. 

إصلاحات مطلوبة وخريطة طريق للمستقبل

يرى دراجي أن أوروبا تتحمل مسؤولية مشكلاتها الاقتصادية، وبالتالي يمكنها معالجتها. فمن خلال إزالة قيود العرض، يمكن للقطاعات المبتكرة تحقيق نمو أكبر، كما أن إعادة توجيه الطلب نحو السوق المحلية قد يساعد في تقليل الاعتماد على التجارة الخارجية دون اللجوء إلى سياسات حمائية. واعتبر أن “بوصلة التنافسية” التي أطلقتها المفوضية الأوروبية توفر خارطة طريق لمعالجة هذه القضايا. 

في المقابل، دعا دراجي إلى تبني سياسات مالية أكثر استباقية من خلال زيادة الاستثمار الإنتاجي، ما سيساعد في خفض الفوائض التجارية، ويوجه رسالة قوية للشركات لتعزيز استثماراتها في البحث والتطوير. 

ضرورة التغيير الجذري

وأكد أن هذا المسار يتطلب “تحولاً جذرياً” في التفكير الاقتصادي الأوروبي، حيث ركزت السياسات حتى الآن على أهداف وطنية ضيقة دون مراعاة تأثيرها الجماعي. فبينما كان يُنظر إلى ضبط المال العام كضمان لاستدامة الديون، وإلى التنظيمات كحماية للمواطنين من مخاطر التكنولوجيا، استمرت الحواجز الداخلية كإرث قديم من زمن الدولة القومية. 

وخلص دراجي إلى أن النهج الحالي لم يحقق رفاهية الأوروبيين، ولم يضمن الاستقرار المالي، ولم يحافظ حتى على الاستقلال الاقتصادي في مواجهة الضغوط الخارجية. لذا، فإن التغيير الجذري أصبح ضرورة ملحّة إذا أرادت أوروبا الحفاظ على قدرتها التنافسية والنمو المستدام. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *