مستقبل غامض يلف المصالح الروسية في سوريا
– هاني كرزي
خلال سنوات الثورة السورية، عملت روسيا على استغلال دعمها العسكري لنظام الأسد المخلوع، بغية الحصول على مكاسب تمثلت في توقيع سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأمد، فضلًا عن امتلاكها قاعدتين عسكريتين في سوريا.
وعقب سقوط الأسد، يتساءل محللون حول مستقبل الوجود الروسي، ومصير تلك الاتفاقيات والقواعد العسكرية على الأراضي السورية.
عقب إطلاق فصائل المعارضة عملية “ردع العدوان” التي مهدت لإسقاط الأسد، وجهت حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، رسالة إلى روسيا، أكدت خلالها أن الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا، التي اعتبرتها “شريكًا محتملًا” في بناء مستقبل مشرق لسوريا.
ووفق بيان لها، في 29 من تشرين الثاني الماضي، أكدت “إدارة الشؤون السياسية” في “الإنقاذ” أن الثورة السورية لم تكن يومًا ضد أي دولة أو شعب، بما في ذلك روسيا، وليست طرفًا بما يجري في الحرب الروسية- الأوكرانية.
تصريحات حكومة “الإنقاذ” عن إمكانية أن تكون روسيا “شريكًا محتملًا”، تأتي في وقت لا تزال فيه موسكو تمتلك عقودًا استثمارية في سوريا وقّعتها مع نظام الأسد، فضلًا عن بقاء قواتها على الأرض حتى بعد سقوط الأسد وفق ما رصدته الأقمار الاصطناعية، وسط غموض حول مستقبل تلك الاتفاقيات والقواعد العسكرية.
اتفاقيات روسية طويلة الأمد
أبرمت روسيا مع النظام المخلوع عدة اتفاقيات معظمها كانت بالغة الأهمية، أبرزها كانت في 25 من نيسان 2019، حيث وقعت حينها شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية الخاصة عقدًا يتيح لها استثمار مرفأ “طرطوس” لمدة 49 عامًا.
وفي نيسان 2018، حصلت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية على عقد لاستخراج الفوسفات من مناجم “الشرقية” في تدمر، لمدة 50 عامًا، بإنتاج 2.2 مليون طن سنويًا.
بعد هيمنة روسيا على فوسفات تدمر، وقّعت الشركة الروسية نفسها (ستروي ترانس غاز)، في تشرين الثاني 2018، مع “الشركة العامة للأسمدة” في حمص عقدًا لاستثمار ثلاثة معامل أسمدة لـ40 عامًا قابلة للتمديد.
وقال الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” عبد العظيم المغربل ل، إن روسيا وقّعت تلك الاتفاقيات مع الأسد، لأنها كانت تجد في سوريا ركيزة أساسية لوجودها في أي معادلة سياسية أو عسكرية قد تنشأ في الشرق الأوسط مستقبلًا حتى بعد سقوط النظام.
من خلال مقارنة الاتفاقيات الاقتصادية المعلنة التي وقّعتها روسيا وإيران مع النظام السوري، يمكن ملاحظة أن موسكو حظيت بعقود استثمارية ذات أهمية كبرى، على عكس إيران التي اهتمت بالكم على حساب النوع، حيث وقّعت طهران 126 اتفاقية، 78% منها غير مهمة، بحسب مركز “جسور للدراسات”.
وحول أسباب تفوق روسيا على إيران اقتصاديًا، قال المحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، إن روسيا قوة سياسية وعسكرية واقتصادية عظمى، ومدعومة من الصين وكوريا الشمالية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا، بينما إيران دولة إقليمية ركيكة، وعليها عقوبات دولية، ونظامها الاقتصادي سيئ، فمن الطبيعي أن تتفوق روسيا عليها اقتصاديًا.
إضافة إلى الأسباب السابقة، ذكر الدبس أن النظام المخلوع كان يجد أن من مصلحته التحالف مع روسيا الطرف الأقوى سياسيًا وعسكريًا، لذا كان يميل إلى منح موسكو اتفاقيات اقتصادية أكثر أهمية وفاعلية من إيران.
وعلى الصعيد العسكري، وقّعت روسيا وسوريا، في 26 من آب 2015، اتفاقية غير محددة بشأن وجود مجموعة طائرات روسية في سوريا، تمركزت في مطار “حميميم”، وأصبحت المنصة الرئيسة للعملية العسكرية الروسية في سوريا التي بدأت في 30 من أيلول من العام ذاته.
وفي نهاية عام 2015، تم تعزيز القاعدة بنظام دفاع جوي، كما شاركت وحدات من الشرطة العسكرية في توفير الأمن.
كما وقّعت موسكو ودمشق عام 2017، اتفاقيتين تحددان استخدام القواعد العسكرية الروسية في سوريا لمدة 49 عامًا، وذلك حتى عام 2066، مع خيارات للتمديد التلقائي لمدة 25 عامًا أخرى.
ما مصير الاتفاقيات؟
معظم الاتفاقيات التي أبرمتها روسيا مع النظام السوري المخلوع كانت بالغة الأهمية، أبرزها اتفاقية استثمار مرفأ طرطوس التجاري لمدة 49 عامًا.
في المادة “2-1” ضمن الفصل الثاني من الاتفاقية، يتعهد الطرف الأول (الأسد) أن يسلّم الطرف الثاني (روسيا) استثمار مرفأ طرطوس لمدة 49 سنة، دون أي إمكانية لاتخاذ قرار بنقضه من جانب الطرف الأول قبل نهاية العقد.
في المادة السابعة من هذا الفصل، وفي الفقرة الرابعة منه، يتم تقاسم الأرباح بين الطرفين بنسبة 35% للطرف الأول (النظام المخلوع)، و65% للطرف الثاني (موسكو)، ولا تخضع أرباح روسيا لأي ضرائب، ويمكن للطرف الثاني إعادتها كاملة للخارج.
لكن عقب سقوط النظام السوري وتسلم “إدارة العمليات العسكرية” الحكم، يبقى التساؤل حول مصير تلك الاتفاقيات، وهل ستبقى سارية.
ويرى الخبير في القانون الدولي إبراهيم العلبي، أن مصير الاتفاقيات التي وقّعتها روسيا سابقًا مع النظام المخلوع ما زالت سارية طالما أن الطرف السوري أو الروسي لم يقرر أحدهما إبطالها، ولكن هناك بعض الاتفاقيات التي يمكن للدولة السورية إبطالها إذا كان فيها فعل قاهر، أي أن تنفيذ تلك الاتفاقية يضر بالأمن القومي أو مصلحة الشعب السوري.
وأضاف العلبي ل أن كيفية إبطال أي اتفاقية يكون موثقًا ضمن شروط العقد، لكن روسيا والنظام لم يفصحا عن بنود تلك الاتفاقيات، كي يتبين سبل إبطالها من قبل الحكومة السورية الجديدة.
لكن بكل الأحوال، يرى العلبي أنه يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تقول إنها لم تعد ملزمة بالاتفاقيات الروسية في سوريا، عندها قد تقوم موسكو برفع دعوى قضائية ضدها في محكمة دولية، وفي حال لمست المحكمة أن إحدى تلك الاتفاقيات فيه فعل قاهر قد تقرر بطلانها.
مستقبل الوجود العسكري الروسي
لا يزال مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا غير واضح، بعد إطاحة فصائل المعارضة بنظام بشار الأسد ووصولها إلى السلطة، بعد 13 عامًا من الثورة السورية، التي لعبت فيها موسكو دورًا بارزًا في قمعها وحرف مسارها.
وأكد الكرملين، في 11 من كانون الأول الحالي، أن روسيا “تتواصل” مع السلطات الجديدة في سوريا، من أجل بحث مسألة الوجود العسكري والتمثيل الدبلوماسي لموسكو، مشيرًا إلى أن ضمان أمن قاعدتيها في سوريا “أهمية قصوى”.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن بلاده تحافظ على الاتصالات مع من يسيطرون على الأوضاع في سوريا، آملًا في “استقرار الأمور بأسرع وقت ممكن”.
وذكر تقرير لمعهد دراسة الحرب، أن الكرملين يواصل بحذر الإشارة إلى أنه “قادر على ضمان أمن قواعده العسكرية في سوريا بالأمد القريب”، لكنه تحدث عن “عدم يقين” بشأن مستقبل تلك القواعد على المدى الطويل، على خلفية التطورات على الأراضي السورية.
وأظهرت صور بالأقمار الاصطناعية، في 10 من كانون الأول، مواصلة القوات الروسية تمسكها بقواعدها البحرية والجوية الرئيسة في سوريا، حيث لم تكن هناك أي مؤشرات على انسحاب روسي من القاعدة البحرية في طرطوس، أو قاعدة “حميميم” الجوية قرب اللاذقية، وفق معهد دراسة الحرب.
ونقلت وكالة “تاس” الروسية، في 9 من كانون الأول، عن مصدر في محافظة اللاذقية، أن الفصائل المسلحة “تسيطر بشكل كامل على اللاذقية وطرطوس”، لكنها “لم ولن تقتحم” قاعدة “حميميم” الجوية الروسية الواقعة قرب اللاذقية، والقاعدة البحرية في طرطوس.
كما أشار المصدر الذي لم تكشف الوكالة الروسية عن هويته، إلى أن القاعدتين تعملان “بشكل طبيعي”.
ولا يزال موقف فصائل المعارضة بعد سقوط الأسد غير واضح بشأن مصير الوجود العسكري الروسي، إذ أصبحت القواعد الروسية حاليًا تشكل “عبئًا كبيرًا” في بلد مزقته الحرب.
ويرى الخبير في الشأن الروسي نصر اليوسف، أنه يبدو أن هنالك صفقة ما حصلت بين روسيا وفصائل المعارضة، تشمل عدم قصف موسكو للفصائل مقابل تعهد الأخيرة بعدم التعرض للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، فلو أن روسيا لم ترفع الغطاء الجوي عن نظام بشار الأسد لما حدث ما حدث بهذه السلاسة.
ويعتقد اليوسف ل، أنه على المدى المتوسط والطويل، لن يبقى الروس، لأن البيئة السورية قد تكون معادية وغير آمنة، ومن المحتمل جدًا بين الفينة والأخرى أن تتعرض هذه القواعد لهجمات من مقاتلي الفصائل، خاصة بعد أن ظهرت طائرات “شاهين” بيد الفصائل.
وتابع أن الروس سيفتقدون الأمن لاحقًا في سوريا، لذلك لن يخاطروا ببقاء تلك القواعد، وربما ينسحبون من قاعدة “حميميم” فقط، ويتركون وجودًا لهم في قاعدة “طرطوس”، التي كانت عبارة عن نقطة إمداد تجاري لموسكو عبر البحر المتوسط، وليست قاعدة بالمفهوم العسكري.
من جهته، قال الرئيس السابق لوفد المعارضة السورية في مفاوضات “جنيف” و”أستانة”، محمد علوش، لوكالة “تاس” الروسية، إن السلطات السورية الجديدة ستنظر إلى مسألة القواعد العسكرية الروسية انطلاقًا من مصالح الشعب السوري، وروسيا.
واعتبر علوش أن مسألة القوات العسكرية “قرار سيادي للدولة السورية، وهذه الأمر سيدرس بالتأكيد مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح السوريين، إلى جانب مصلحة موسكو”.
في المقابل، قال موقع “بلومبيرغ” الأمريكي، إن روسيا تقترب من التوصل إلى اتفاق مع القيادة السورية الجديدة للاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين حيويتين ترابط فيهما قوات وأسلحة روسية منذ سنوات.
ونقل الموقع الأمريكي عن مصادر قال إنها مطلعة على الأمور في موسكو وأوروبا والشرق الأوسط، أن محادثات تجري بين الجانبين حاليًا بشأن قاعدة “حميميم” الجوية والميناء البحري في طرطوس.
وبحسب مصدر في موسكو، فإن وزارة الدفاع الروسية تعتقد أن لديها تفاهمًا غير رسمي مع “هيئة تحرير الشام”، بأنها تستطيع البقاء في القواعد السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي