أفادت دراسة حديثة بأن اعتماد نهج علاجي مخصص لتزويد مرضى القلب بجرعات مضبوطة من فيتامين D3، يمكن أن يخفض إلى النصف احتمالات إصابتهم بأزمة قلبية ثانية بعد تعافيهم من الأولى. 

وتوصلت الدراسة، التي أجراها باحثون في مركز إنترماونتن هيلث بمدينة سولت ليك الأميركية، إلى أن مراقبة مستويات فيتامين د في الدم، وتعديل الجرعات وفق الحاجة، يمنح المرضى حماية فعالة من تكرار النوبات القلبية.

جاء إعلان النتائج ضمن جلسات المؤتمر العلمي السنوي لجمعية القلب الأميركية في نيو أورلينز، وعرض الباحثون بيانات تجربة سريرية عشوائية، واسعة النطاق، أطلقوا عليها اسم TARGET-D، وامتدت من أبريل 2017 حتى مايو 2023 بمشاركة 630 مريضاً عانوا من أزمة قلبية قبل شهر من انضمامهم إلى الدراسة، وتابعتهم الفرق الطبية حتى مارس 2025 لرصد تطورات حالتهم ومعدلات الإصابة بأمراض قلبية لاحقة.

نقص فيتامين د

اعتمدت التجربة أسلوب “العلاج الموجه”، أي أن المرضى لم يتلقوا جرعات ثابتة من فيتامين د 3، بل جرى فحص مستويات الفيتامين في دمهم بانتظام، وتعديل الجرعة لتحقيق المستوى الأمثل المطلوب، وهو أكثر من 40 نانوجراماً لكل ملليلتر.

وأوضحت النتائج أن 85% من المرضى الذين شاركوا في التجربة كانت لديهم مستويات غير كافية من فيتامين د 3 عند البداية، ما يعكس شيوع هذا النقص بين المصابين بأمراض القلب.

قسم الباحثون المرضى إلى مجموعتين، الأولى لم تتلق أي إدارة خاصة لمستويات فيتامين د، والثانية خضعت للعلاج المستهدف وفق المتابعة الدورية لمستويات الفيتامين في الدم، وتولى الأطباء في المجموعة الثانية تعديل الجرعات بشكل دوري بناء على الفحوصات.

بينت الدراسة أن أكثر من نصف المرضى الذين خضعوا للعلاج المستهدف احتاجوا إلى جرعة ابتدائية تبلغ 5000 وحدة دولية  من فيتامين د 3، وهي كمية تفوق بمقدار كبير التوصيات التقليدية المتداولة التي تتراوح عادة بين 600 و800 وحدة دولية يومياً، وأظهرت التجربة أن إعطاء هذه الجرعات الأعلى تحت إشراف طبي دقيق لم يتسبب في أي آثار جانبية تذكر.

وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، هايدي ماي، الباحثة في مجال الأمراض القلبية في إنترماونتن هيلث، إن النتائج “مشجعة للغاية” مشيرة إلى أن الفريق لم يلاحظ أي آثار سلبية لدى المرضى الذين تلقوا جرعات مرتفعة نسبياً من فيتامين د 3، بل رصد انخفاضاً واضحاً في احتمالية التعرض لأزمة قلبية جديدة.

وأضافت “ماي” أن الفريق يشعر بالحماس تجاه النتائج، لكنه يدرك الحاجة إلى دراسات أوسع لتأكيدها على نطاق أكبر.

أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تحمل أهمية خاصة في ظل انتشار نقص فيتامين د حول العالم، إذ يعاني ما بين نصف إلى ثلثي سكان العالم من انخفاض مستويات الفيتامين في أجسامهم، موضحين أن هذا النقص أصبح أكثر شيوعاً خلال العقود الماضية؛ بسبب التغير في أنماط الحياة، إذ قل التعرض لأشعة الشمس نتيجة التحذيرات من أخطار الأشعة فوق البنفسجية وسرطان الجلد، ما جعل الناس يعتمدون بشكل متزايد على المكملات الغذائية لتعويض النقص.

وذكرت ماي أن العديد من الدراسات السابقة ربطت بين انخفاض مستويات فيتامين د وسوء الحالة القلبية، لكنها لم تجد أن تناول مكملات الفيتامين بشكل عام يؤدي إلى تقليل خطر أمراض القلب.

وأوضحت أن الدراسات اعتمدت على إعطاء جرعات ثابتة لجميع المرضى دون مراقبة دقيقة لمستوى الفيتامين في الدم، وهو ما يجعل تأثير العلاج غير دقيق.

وأضافت: “كنا نظن سابقاً أن مجرد تناول مكمل فيتامين د يكفي، لكن ما وجدناه الآن أن الأمر يعتمد على الوصول إلى مستوى محدد في الدم، وليس فقط على تناول الجرعة ذاتها للجميع”.

فيتامين د والأحداث القلبية

أكد الباحثون أن التجربة الجديدة هي الأولى التي تتعامل مع فيتامين د 3 كعلاج موجه بمفهوم “الاستهداف القيمي” أو “الهدف العلاجي”، أي تحقيق تركيز محدد من الفيتامين في الدم بدلاً من تناول جرعات عامة غير محسوبة.

وأظهرت النتائج أن المرضى الذين بلغوا المستويات المثالية كانوا أقل عرضة بنسبة 50% للإصابة بأزمة قلبية ثانية مقارنة بغيرهم، في حين لم تظهر البيانات اختلافاً كبيراً في احتمالية الإصابة بأحداث قلبية كبرى أخرى مثل السكتة الدماغية، أو الوفاة القلبية المفاجئة بين المجموعتين.

تابع الباحثون المرضى بدقة خلال فترة التجربة لرصد ما يعرف بـ الأحداث القلبية الكبرى والتي تشمل النوبة القلبية، وفشل القلب، والسكتة الدماغية، أو الوفاة الناتجة عن أسباب قلبية، وسجلوا حدوث 107 حالات من هذه الأحداث بين المشاركين، لكن التحليل الإحصائي أظهر أن التباين في معدل النوبات القلبية المتكررة كان لافتاً وواضحاً لصالح المجموعة التي تلقت العلاج المستهدف.

اعتمدت التجربة على متابعة سنوية للمرضى بعد ضبط مستويات فيتامين د لديهم، مع إعادة تقييمهم دورياً في حال حدوث أي تغير في نمط حياتهم أو نظامهم الغذائي، للتأكد من استمرار الاستفادة من العلاج.

وبين الأطباء أن المرضى الذين حافظوا على المستوى المطلوب من الفيتامين ظلوا في مأمن نسبي من النوبات القلبية، ما يشير إلى أن المحافظة على هذا المستوى قد تكون بنفس أهمية العلاج نفسه.

فيتامين د كعامل وقائي

رأى الباحثون أن هذه النتائج تفتح الباب أمام مقاربة جديدة في التعامل مع فيتامين د، إذ لم يعد يعتبر مجرد مكمل غذائي عام، بل عنصراً يمكن أن يلعب دوراً وقائياً محدداً في حالات معينة، خصوصاً بين المصابين بأمراض القلب التاجية.

وأوضحوا أن الفيتامين يؤثر في تنظيم وظائف العضلات الملساء للأوعية الدموية، وفي ضبط ضغط الدم، والالتهابات الداخلية التي تسهم في انسداد الشرايين.

بينت الدراسة أن تطبيق هذا النهج العلاجي الموجه لا يتطلب تجهيزات معقدة؛ إذ يمكن تنفيذه ضمن برامج الرعاية القلبية التقليدية، عبر إدراج فحص فيتامين د في تحاليل المتابعة الدورية، وتعديل الجرعات بناء على النتائج.

وأكد الباحثون أن هذا النوع من المتابعة الدقيقة أكثر فاعلية من وصف المكملات دون فحص مسبق.

الطب الدقيق في أمراض القلب

اعتبر فريق الدراسة أن النتائج تمثل خطوة مهمة نحو “الطب الدقيق” في أمراض القلب، حيث يتم التعامل مع كل مريض بناء على احتياجاته البيولوجية الخاصة.

وقالت الدكتورة ماي إن ما يجعل هذا النهج مميزاً هو أنه يدمج الفحص المخبري مع العلاج الوقائي “فيتحول فيتامين D من مكمل عام إلى أداة علاجية يمكن التحكم بها، وتحقيق نتائج ملموسة بفضلها.”

أكد الباحثون أنهم لم يسجلوا أي مضاعفات جانبية لدى المرضى الذين تلقوا الجرعات الأعلى، ما يبدد المخاوف التقليدية من احتمالية السمية الناتجة عن تراكم الفيتامين في الجسم. وأوضحوا أن المراقبة المنتظمة لمستوى الفيتامين كانت كفيلة بتجنب أي مخاطر.

أظهرت البيانات أيضاً أن المرضى، الذين كانت مستويات فيتامين د لديهم مرتفعة منذ البداية، كانوا أقل احتياجاً للجرعات العالية، مما يشير إلى أهمية العوامل البيئية والغذائية في الحفاظ على صحة القلب.

المكملات الدوائية والنظام الغذائي

ولفتت الدراسة إلى أن النظام الغذائي المتوازن الغني بالأسماك الدهنية، ومنتجات الألبان، والبيض، إلى جانب التعرض المعتدل لأشعة الشمس، يساعد على تقليل الحاجة إلى المكملات الدوائية.

ودعت ماي إلى توسيع نطاق البحث في المرحلة القادمة ليشمل عينات أكبر من المرضى في دول مختلفة، للتأكد من أن النتائج تنطبق على فئات سكانية متنوعة.

وقالت إن فريقها يخطط الآن لإجراء تجربة أوسع، ستسمح بتقييم ما إذا كان العلاج الموجه بفيتامين د يمكن أن يقلل أيضاً من خطر الإصابة بأمراض القلب الأخرى، مثل فشل القلب، أو السكتة الدماغية.

أوضحت الباحثة أن الفريق يعمل كذلك على تحليل البيانات الجينية للمشاركين لتحديد ما إذا كانت هناك اختلافات وراثية تؤثر في امتصاص الفيتامين، واستجابته في الجسم. وأشارت إلى أن دمج الفحوص الجينية مع المتابعة الدورية قد يفتح الطريق نحو علاج أكثر دقة وتخصيصاً.

وتقدم النتائج الحالية بارقة أمل جديدة للمرضى الذين يعيشون تحت تهديد دائم بتكرار النوبات القلبية؛ إذ يمكن لعلاج بسيط، ومنخفض التكلفة، مثل فيتامين د 3، أن يكون له أثر كبير في الوقاية، وتحسين فرص البقاء.

وأوضح الفريق أن تطبيق هذا النهج على نطاق واسع قد يقلل من أعباء الرعاية الصحية المرتبطة بأمراض القلب.

اختتم الباحثون دراستهم بالتأكيد على أن الخطوة التالية ستكون توسيع قاعدة البيانات، ومتابعة المرضى على مدى أطول؛ لتقييم مدى استمرارية الحماية التي يوفرها العلاج الموجه بفيتامين د 3.

وأعربت ماي عن تفاؤلها قائلة إن “التجربة ربما تكون بداية لتغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الفيتامينات في الطب الحديث، ليس فقط كمكملات غذائية، بل كعناصر علاجية دقيقة يمكن توظيفها لحماية القلب وتحسين نوعية الحياة”.

شاركها.