رصدت دراسة أميركية واسعة النطاق، ارتفاعاً قياسياً في معدلات الإصابة بسكري الحمل في الولايات المتحدة، منذ عام 2016 وحتى 2024، في اتجاه مقلق يعكس تدهوراً مستمراً في صحة النساء في سن الإنجاب. 

ووفق تحليل أجرته جامعة “نورث ويسترن” الأميركية، شمل أكثر من 12.6 مليون حالة ولادة، ارتفعت معدلات سكري الحمل بنسبة 36% خلال تسع سنوات فقط، من 58 حالة لكل ألف ولادة، إلى 79 حالة لكل ألف ولادة.

وتعد الدراسة، المنشورة في دورية JAMA Internal Medicine، أحدث وأشمل تحليل لاتجاهات سكري الحمل في الولايات المتحدة حتى الآن، حيث تؤكد استمرار الزيادة لما يقرب من 15 عاماً دون أي فترة استقرار أو تراجع.

وسكري الحمل هو حالة من عدم تحمل الجلوكوز، تُشخص للمرة الأولى أثناء الحمل، وترتبط بارتفاع مخاطر صحية فورية على الأم والجنين، كما تزيد من احتمالات الإصابة مستقبلاً بداء السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب لدى كل من الأم والطفل.

المؤلف الرئيسي للدراسة، نيلاي شاه، الأستاذ المساعد في أمراض القلب بكلية فاينبرج للطب في جامعة “نورث ويسترن”، أكد أن الإصابة بسكري الحمل، يشهد زيادة مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، “وهذا يعني أن كل ما حاولنا فعله لمعالجة السكري أثناء الحمل لم يكن فعالاً”.

وتستكمل النتائج الجديدة، أعمال الفريق البحثي السابقة التي غطت الفترة من عام 2011 إلى عام 2019، لتؤكد أن الولايات المتحدة تشهد ارتفاعا متواصلا في معدلات سكري الحمل لما يقرب من عقد ونصف. ويرى شاه أن هذا الاتجاه لا يمكن فصله عن التدهور العام في صحة الأميركيين الشباب. ويضيف “شاه” مؤكدا أن صحة الشباب تتدهور باستمرارفي ظل أنظمة غذائية أقل فائدة، ونشاط بدني أقل، ومعدلات سمنة أعلى “هذه الاتجاهات على الأرجح هي السبب الكامن وراء ارتفاع معدلات السكري أثناء الحمل”.

تحليل إثني شامل 

اعتمدت الدراسة على تحليل جميع الولادات في الولايات المتحدة للحمل الأول بأجنة مفردة خلال الفترة من 2016 إلى 2024، باستخدام بيانات شهادات الميلاد الصادرة عن المركز الوطني لإحصاءات الصحة. وبعد ذلك، قام الباحثون بتقسيم البيانات حسب العرق والأصل الإثني، لرصد الفروق بين المجموعات السكانية المختلفة.

وأظهرت النتائج، ارتفاعاً في معدلات الإصابة بسكري الحمل، في جميع المجموعات العرقية والإثنية دون استثناء، إلا أن بعض الفئات سجلت معدلات أعلى بكثير من غيرها، ما يشير إلى تفاوتات صحية واضحة.

بحسب بيانات عام 2024، جاءت أعلى معدلات سكري الحمل بين النساء من أصول السكان الأصليين لأميركا الشمالية وسكان ألاسكا الأصليين، تلتها النساء الآسيويات وسكان جزر هاواي والمحيط الهادئ. 

ويشير المؤلف الرئيسي للدراسة، نيلاي شاه، إلى أن أهمية هذه النتائج، خاصة بالنسبة لبعض الفئات التي تعد من الأقل تمثيلاً في الأبحاث الصحية مثل نساء السكان الأصليين وذوي الأصول الآسيوية واللاتينية؛ إذ أن هذه المجموعات غالباً ما تكون الأقل حضوراً في الدراسات الطبية، “وبالتالي فإن فهمنا لأسباب ارتفاع معدلات سكري الحمل لديها لا يزال محدوداً للغاية”، على حد وصف شاه.

لم تتوقف الفروق عند مستوى المجموعات العرقية الكبرى، بل أظهرت الدراسة تباينات واضحة داخل المجموعات نفسها، خصوصاً بين النساء الآسيويات واللاتينيات، عند تحليل البيانات وفق فئات فرعية أكثر تفصيلاً.

وتوضح الباحثة الأولى في الدراسة، إميلي لام، قائلة، إن الفريق لاحظ تبايناً كبيراً داخل المجموعات الآسيوية واللاتينية، وهي فروق غالباً ما يتم تجاهلها في الأبحاث، مؤكدة أن هذا النوع من التحليل التفصيلي، ضروري لفهم الصورة الحقيقية للمخاطر الصحية.

مخاطر ما بعد الحمل

يمثل سكري الحمل تحدياً صحياً لا يقتصر على فترة الحمل فقط. فإضافة إلى زيادة خطر مضاعفات الحمل والولادة، مثل ارتفاع ضغط الدم والولادة القيصرية، فإنه يضاعف من خطر إصابة الأم مستقبلاً بالسكري وأمراض القلب. كما يرفع من احتمالات إصابة الطفل بالسمنة واضطرابات التمثيل الغذائي في مراحل لاحقة من حياته.

ويرى الباحثون في الدراسة، أن استمرار هذا الارتفاع السنوي، يشير إلى فشل السياسات الحالية في تحسين صحة النساء قبل الحمل وخلاله، ويعكس في الوقت نفسه أزمات أوسع تتعلق بنمط الحياة، والنظام الغذائي، وعدم المساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية.

وبحسب المؤلف الرئيسي للدراسة، فإن البيانات ترسم صورة واضحة لتحد صحي وطني يتطلب استجابة شاملة قائلاً إن هذه البيانات تظهر بوضوح “أننا لا نفعل ما يكفي لدعم صحة السكان في الولايات المتحدة، خصوصاً النساء الشابات قبل الحمل وأثناءه”.

ويضيف أن “تدخلات الصحة العامة والسياسات الصحية، يجب أن تركز على ضمان وصول جميع الأفراد إلى رعاية صحية عالية الجودة، وتوفير الوقت والموارد التي تمكنهم من تبني أنماط حياة صحية، مثل التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم”.

يأتي هذا الارتفاع في معدلات الإصابة بسكري الحمل، ضمن سياق أوسع من تزايد الأمراض المرتبطة بالتمثيل الغذائي في الولايات المتحدة، بما في ذلك السمنة والسكري من النوع الثاني، وهي اتجاهات تعد من أبرز تحديات الصحة العامة في العقود الأخيرة.

ويرى الباحثون، أن معالجة سكري الحمل، لا يمكن أن تتم بمعزل عن هذه الصورة الكبرى، بل تتطلب استراتيجيات وقائية تبدأ قبل الحمل بسنوات، وتشمل تحسين التغذية، وتعزيز النشاط البدني، وتقليص الفوارق الصحية بين المجموعات السكانية المختلفة.

وفي ظل استمرار الزيادة السنوية دون أي مؤشرات على التباطؤ، تحذر الدراسة من أن تجاهل هذا الاتجاه قد يترتب عليه أعباء صحية واقتصادية متزايدة، تمس الأمهات والأطفال على حد سواء، وتمتد آثارها إلى النظام الصحي ككل خلال السنوات المقبلة.

شاركها.