قال كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس إن قمة شرم الشيخ للسلام شهدت دعماً عربياً وإسلامياً ودولياً واسعاً وغير مسبوق للمبادرة الأميركية لإنهاء الحرب في غزة، مشيراً إلى مشاركة دول من مختلف القارات، من بينها اليابان وكندا ودول أميركا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا، بالإضافة إلى الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية.
وأضاف بولس، في مقابلة مع “الشرق”، أن ما حدث في شرم الشيخ يمثل يوماً مهماً للغاية، موضحاً أن الأمر لا يتعلق بغزة فقط، بل بمنطقة الشرق الأوسط كلها، “وبالسلام بشكل عام الذي حان وقته الآن”.
وتابع: “لقد حان الوقت أن يعم السلام”، مؤكداً أن حجم الدعم العربي والإسلامي والدولي لمبادرة ترمب بشأن وقف الحرب في غزة كان تاريخياً وغير مسبوق.
وأشار بولس إلى أن الوثيقة، التي تم توقيعها خلال القمة، لا تكشف عن آليات تنفيذية مفصلة، بل تهدف إلى تأكيد مبادرة ترمب للسلام ونقاطها العشرين، التي ترتكز على مبدأ السلام والتعايش بين الأديان، وحسن الجوار، وحق الشعوب في العيش باستقرار وازدهار في المنطقة.
وأكد أن توقيع الوثيقة من قبل دول إقليمية رئيسية مثل مصر وتركيا وقطر والولايات المتحدة يحمل رمزية كبيرة، مشيراً إلى أن الرمزية الأهم تكمن في الالتفاف الدولي الواسع حول المبادرة، وما تعكسه من توافق غير مسبوق.
ولفت بولس إلى أن الوثيقة، التي تم إقرارها، تمثل محوراً رئيسياً في مبادرة ترمب للسلام، إذ تهدف أولاً إلى تأكيد خطة الرئيس الأميركي بشأن غزة، وثانياً إلى ترسيخ مبادئ السلام، والتعايش بين الأديان، وحسن الجوار، واحترام حقوق الشعوب. وأضاف أن الوثيقة لا تدخل في تفاصيل التنفيذ بقدر ما تؤكد المبادئ العامة، مشيراً إلى وجود خطط تفصيلية لكل نقطة يجري تطويرها حالياً.
وأكد أن المرحلة الثانية من المبادرة المتعلقة بإعادة إعمار قطاع غزة، انطلقت بالفعل، إذ تستعد مصر لاستضافة مؤتمر دولي خلال الأيام المقبلة لمناقشة برامج إعادة البناء. كما سيشارك في هذه الجهود الاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من الدول العربية والإسلامية.
وأوضح بولس أن العمل على ملفات إعادة الإعمار في غزة بدأ منذ أسابيع، وأن هناك رؤية واضحة تشارك فيها عشرات الدول.
ولفت إلى أن مصر وتركيا وقطر لعبت دوراً محورياً في الحوار مع حركة “حماس”، ما جعلها جزءاً أساسياً من عملية توقيع الوثيقة في شرم الشيخ، مؤكداً أن آليات التنفيذ مضمونة من خلال مشاركة عدد كبير من الدول، إلى جانب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في القمة.
وأشار بولس إلى أن بعض الأمور قد تكون معقدة وتستغرق وقتاً، إلا أن هناك إرادة سياسية واضحة من واشنطن وفريق الرئيس ترمب للعمل مع جميع الشركاء العرب والأوروبيين والمسلمين، إلى جانب موافقة إسرائيلية غير مسبوقة على المبادرة، ما يعكس توافقاً نادراً في المنطقة.
وفي ما يتعلق بتخفيف التوتر بين مصر وإسرائيل، كشف بولس عن اتصال هاتفي جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرئيس ترمب أثناء وجود الأخير في إسرائيل إلى جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واصفاً الاتصال بأنه كان “جيداً” ويمثل “خطوة أولى جيدة تُبنى عليها تفاهمات لاحقة”.
“السودان أكبر كارثة إنسانية”
وفي سياق آخر، أوضح بولس أن الوضع الإنساني في السودان شكل محوراً رئيسياً في المحادثات الجانبية على هامش قمة شرم الشيخ، كما تمت مناقشته خلال اللقاء الثنائي بين السيسي وترمب، واصفاً الوضع في السودان بأنه “أكبر كارثة إنسانية في العالم حالياً”.
وأشار إلى أن مدينة الفاشر غربي البلاد محاصرة منذ أكثر من عام ونصف، ويضطر السكان المتبقون فيها، والبالغ عددهم نحو 300 ألف شخص، إلى أكل أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.
وأكد أن الولايات المتحدة تعمل منذ أكثر من أسبوعين مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي، بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، لإيصال المساعدات إلى المناطق المحيطة بمدينة الفاشر، رغم استمرار صعوبات الوصول إلى داخل المدينة. وأكد أن هذه الجهود تمثل جزءاً من خطة أوسع لمعالجة الأزمة الإنسانية والسياسية في البلاد.
وقال بولس إن واشنطن فرضت عقوبات على طرفي النزاع، لكنها ما زالت تفضل الحلول السلمية، محذراً من أن عدم الاستجابة قد يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات أخرى في مرحلة لاحقة.
كما قال إن العلاقات السودانية الإسرائيلية “جيدة” مع كلا الجانبين في الواقع، لا ينقصها أي شيء، مشيراً إلى أن “واشنطن كانت تؤاخذ الجيش السوداني بسبب المتطرفين، والعلاقة مع إيران”.
وتابع: “نحن نعرف أن الجيش السوداني قطع علاقته مع إيران منذ فترة واتخذ مجموعة من الخطوات الجيدة بشأن ما تبقى من المتطرفين من النظام السابق، وهذه خطوات جيدة نحو تحسين هذه العلاقة، لذا فهذه أشياء شائعة يمكننا أخذها في الاعتبار، ليس فقط مع إسرائيل، لكن مع عدد كبير من البلدان الأخرى”.
مياه النيل.. ملف وجودي لمصر
وتطرق بولس إلى ملف مياه النيل بين مصر وإثيوبيا، مؤكداً أن واشنطن تعتزم لعب دور يضمن حقوق الدول ويمنع اندلاع نزاع.
ووصف كبير مستشاري ترمب الملف بأنه “وجودي” ويمثل “مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر”، بحسب تعبيره، وأوضح أن اتفاقاً كان جاهزاً للتوقيع خلال الولاية الأولى لترمب، وأن الجهود تُبذل حالياً لإعادة إطلاق المفاوضات.
وأضاف أنه التقى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وناقش معه ملف مياه النيل، مشيراً إلى أن إثيوبيا منفتحة على الدور الأميركي والحل السلمي، وأن القضية ذات طبيعة تقنية بحتة ويجب التعامل معها بعيداً عن التوترات السياسية والأمنية، مع الأخذ في الاعتبار تأثير الفيضانات في السودان وأهمية إدارة الموارد المائية بشكل عملي.
الصحراء وليبيا
وبشأن ملف الصحراء، أكد بولس أن الولايات المتحدة ستفتح قنصلية أميركية في الصحراء، مجدداً التأكيد على موقف الولايات المتحدة الداعم لمغربية الصحراء، مشيراً إلى الخطاب الأخير للملك محمد السادس الذي شدد على إيجاد حل دائم يرضي كل الأطراف، وتحسين العلاقات مع الجزائر. وأوضح أن هناك استعداداً دولياً لدعم هذا التوجه خلال جلسة مجلس الأمن المقبلة.
وأضاف: “زرت الجزائر مؤخراً وكان لقاءً ممتازاً للغاية مع الرئيس عبد المجيد تبون، خاصة فيما يتعلق بهذه القضية.. إنهم يريدون حلاً جذرياً وحلاً نهائياً.. كما يرحبون بتجديد العلاقات مع الجيران المغاربة”.
أما في الملف الليبي، فأكد بولس وجود تقدم ملحوظ، من خلال خارطة طريق جديدة حظيت بدعم واسع من الأطراف الليبية ودول المنطقة، وتهدف إلى توحيد المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية. واعتبر أن هذه التطورات تمثل خطوة أساسية نحو الاستقرار في ليبيا.