– محمد ديب بظت
تعاني أحياء عدة في مدينة حلب شمالي سوريا من بقاء الأنقاض التي خلّفتها المعارك خلال سنوات الحرب، دون أن تطولها أي عمليات إزالة، ما أدى إلى تدهور الواقع الخدمي وصعوبات بعودة السكان، خاصة في الأحياء الشرقية التي كانت مسرحًا للاشتباكات والأعمال العسكرية وتلقي البراميل والقذائف.
ورغم مرور سنوات على توقف المعارك، اقتصرت أعمال رفع الأنقاض في معظم الأحياء على جهود فردية ومبادرات محدودة، وسط مطالبات شعبية بزيادة الاستجابة الرسمية.
ورصدت بقاء كتل كبيرة من الركام في مناطق حيوية مثل حي صلاح الدين والمشهد، ملتصقة بمبانٍ مأهولة، وتحولت بذلك إلى بيئة مناسبة لتكاثر القوارض، ما يزيد من المخاطر الصحية على السكان.
انطلاق المشروع
من جانبها، أعلنت محافظة حلب، في 26 من حزيران الماضي، عن بدء تنفيذ مشروع لإزالة الأنقاض من 16 حيًا متضررًا، بالتعاون مع الدفاع المدني ومديرية الطوارئ والكوارث، ضمن خطة لإعادة تأهيل البنى التحتية وتحسين الخدمات الأساسية.
وقال مسؤول المكتب الصحفي في مجلس مدينة حلب، أحمد المحمد، إن حملة إزالة الأنقاض مستمرة حتى الانتهاء الكامل من أعمال الترحيل، مشيرًا إلى أن مدة المشروع ستستمر حتى انتهاء الأعمال، دون تقديم جدول زمني محدد.
وأضاف المحمد، ل، أن المشروع يهدف إلى إزالة نحو 105 آلاف متر مربع من الأنقاض، وتشمل جميع مناطق المدينة، بما فيها أنقاض المدينة القديمة التي لم تنقل بعد.
آليات التنفيذ
مدير مشروع إزالة الأنقاض في الدفاع المدني السوري، ماجد العبد الله، قال ل، إن اختيار الأحياء الـ16 ضمن خطة الإزالة كان بناء على جولات ميدانية أجراها الفريق الهندسي التابع للدفاع المدني، وبالاستناد إلى تقييم احتياج كل منطقة.
وأوضح العبد الله أن المدة الزمنية الكلّية للمشروع تمتد حتى تسعة أشهر، بدأت في آذار الماضي وتستمر حتى نهاية تشرين الثاني المقبل، مضيفًا أن هذه المرحلة تتضمن التعاقد مع موردين خارجيين للمساهمة في عمليات الترحيل، بهدف تسريع فتح الطرقات وضمان عودة آمنة للمهجرين.
وأشار إلى أن المشروع الحالي يقتصر على إزالة الأنقاض، بينما من المتوقع أن يتولى مجلس مدينة حلب لاحقًا مسؤولية تأهيل البنية التحتية، بما يشمل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
وحول آلية التعامل مع الركام، أوضح العبد الله أن فرق الدفاع المدني تفرز الأنقاض بحسب نوعها، إذ تنقل القابلة للتدوير إلى معامل مخصصة، في حين ترحّل الأنقاض المختلطة بالنفايات إلى المكبات في منطقتي عين العصافير والعويجة.
وخصصت ثلاث مناطق رئيسة لاستقبال الأنقاض القابلة للتدوير، هي خان طومان، والراموسة، والعويجة.
وبيّن أن معمل تدوير الأنقاض في الراموسة، التابع لمجلس مدينة حلب، يشهد حاليًا عمليات صيانة ودعمًا بالديزل لاستمرار عمله.
وفيما يتعلق بآلية الفرز، أشار إلى أن الحديد يجمّع ويسلّم لإدارة القطاع التابع لمجلس المدينة، مع التأكد من خلو مواقع العمل للمخلفات الحربية، قبل بدء عمليات الإزالة.
وبخصوص الممتلكات التي يعثر عليها في أثناء رفع الأنقاض، أكد العبد الله أنها تسلّم إلى إدارة القطاع في المنطقة التي تنفذ فيها الأعمال.
وعن إزالة أنقاض المدينة القديمة، التي تمثل تحديًا خاصًا بسبب طابعها التاريخي والمعماري، أشار إلى أن الملف من اختصاص محافظة حلب، دون إعطاء تفاصيل إضافية.
ثلاثة قطاعات
بحسب ما أوضحه الدفاع المدني، قسمت الأحياء المستهدفة في حملة إزالة الأنقاض إلى ثلاثة قطاعات عمل، بهدف تسهيل التنسيق بين الفرق الميدانية، وتسريع وتيرة التنفيذ، والحد من العوائق اللوجستية خلال عمليات الترحيل.
ويضم القطاع الأول أربعة أحياء في القسم الجنوبي من المدينة، هي بستان القصر والأنصاري والسكري وصلاح الدين.
أما القطاع الثاني فيغطي الأحياء الشرقية الأشد تضررًا، وتشمل كرم الجبل وكرم الميسر وضهرة عواد وكرم القاطرجي والحلوانية وكرم حومد والبياضة والشعار وجورة عواد وقاضي عسكر.
ويشمل القطاع الثالث حيّي هنانو وبستان الباشا في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة.
وأُطلق المشروع بدعم من صندوق مساعدات سوريا ضمن برنامج يهدف إلى تعزيز التعافي في المناطق المتأثرة، ويجري تنفيذه بإشراف هندسي من الدفاع المدني السوري، وبالتنسيق مع مجلس مدينة حلب.
ويُنظر إلى المشروع على أنه خطوة أساسية لفتح الطرقات المغلقة منذ سنوات، وتسهيل العودة الآمنة للمهجرين، في ظل استمرار التحديات المرتبطة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية.
سنوات من الإهمال
رغم توقف المعارك في مدينة حلب منذ أواخر عام 2016، ظلّت الأنقاض مكدسة في عشرات الأحياء، دون استجابة رسمية واسعة لإزالتها، ما عاق عودة الأهالي وأبقى الواقع الخدمي في أدنى مستوياته.
ومع غياب خطط متكاملة لإعادة التأهيل، تحول هذا الركام إلى مكبّات عشوائية للنفايات، ومصدر للروائح الكريهة وانتشار القوارض، خاصة في الأحياء الشرقية التي كانت من أبرز مناطق المواجهات.
وأسهم الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا في شباط 2023، بتفاقم حجم الدمار، إذ أدى إلى انهيار أبنية متضررة أصلًا من الحرب، وأضاف مناطق جديدة إلى خارطة الاحتياج، ما زاد من حجم الأنقاض في أحياء مكتظة بالسكان.
وتعد المدينة القديمة في حلب من أبرز التحديات التي تواجه مشاريع الإزالة، بسبب طبيعتها العمرانية التاريخية والحاجة إلى تدخلات متخصصة، وهو ما لم يُعلن عنه بشكل واضح حتى اليوم، رغم تأكيد المحافظة على شمولها ضمن الأعمال الحالية.
ويأتي المشروع الجديد كأول تحرك موسع منذ سقوط حكم الرئيس المخلوع، بشار الأسد، بتنفيذ من الدفاع المدني وبدعم من جهات دولية، ضمن خطة تستمر حتى نهاية العام الحالي.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي