مشكلة كوادر صحافة المستقبل –
علي عيد
يصف القائمون على وسائل الإعلام الحديثة الجيل الجديد بأنه جيل يريد أن يقفز مرة واحدة نحو النجومية، وهي مشكلة قد تعطّل قدرة المؤسسات على تأهيل الصحفيين المستجدين، أو الراغبين بدخول عالم الصحافة والإعلام.
المشكلة التي نتحدث عنها تخص بيئة العمل الصحفي في العالم العربي، وبشكل متباين نسبيًا بين مجتمع وآخر، لكن السمة الغالبة للجيل هي الرغبة في الظهور مباشرة، وكأن الهدف هو الصحفي نفسه لا الرسالة.
هناك دوافع عدة لمثل هذا التوجه، على رأسها الرغبة لدينا نحن البشر في أن نكون معروفين، وهي سمة غالبة، وما يتم تداوله من أخبار حول العوائد المالية من النشاط على منصات التواصل، وهناك عامل آخر، هو أن الجيل الجديد يريد العمل في المساحة المريحة (Comfort Zone).
إذًا، هي ثلاثية “الشهرة، المال، الراحة”، التي عززتها الاتجاهات الحديثة لعالم الاتصال والإعلام، حيث تسيطر منصات التواصل على الحصة الكبرى من اهتمامات الجيل، كما أنها أصبحت ساحة لتبادل الثقافات والآراء، والتعبير عن الذات، وتميزت بذلك عن الصحافة التقليدية التي عملت لعقود باتجاه واحد (نازل)، فالجمهور يتلقى، وليست هناك معالجة لرغباته على مستوى فردي أو جماعات محدودة.
ينزع الجيل أكثر نحو الشهرة على اعتبار أنه يمتلك أدوات وصول لم تتوفر في أجيال سابقة، والشهرة ليست خاصية لجيل بعينه، لكن لها محفزاتها، وربما يكون الوصل المتاح سبيلًا لتحقيق نظرية العرض الذاتي (Self-Presentation Theory) في الإعلام.
تقوم الشهرة على مفهوم سعي الناس لتغيير أنفسهم وأنماط تفكيرهم للحصول على موافقة الآخرين، والتخلي عن ذواتهم الحقيقية للحصول على التقدير والاهتمام، ويعتقد كثيرون ممن يريدون بدء حياتهم المهنية في الصحافة أنها المكان الأنسب، ثم يتفاجؤون بأنها المكان الأصعب، حيث يبدأ الحديث عن الأخلاقيات والمحظورات واللغة والمهارات.
كما يبحث كثيرون عن الصحافة باعتبارها مصدرًا للثراء، فالمال محفز مهم في توجهات الجيل، فهناك مغريات يشاهدونها على الشاشات الصغيرة، تحرّضهم على التمثّل بشخصيات ثرية، حقيقية أو وهمية، كما أن بروز صغار السنّ الأثرياء في عالم “السوشيال ميديا” يشكل دافعًا إضافيًا، على اعتبار أن الكثيرين يتداولون فكرة “افتح صفحة على (تيك توك) ثم سيأتيك المال”، ويختلط على القادمين الجدد إلى الإعلام أن معظم ما يُنشر على منصات التواصل هو مجرد انطباعات أو آراء شخصية، وأن المؤثرين يرتكبون أخطاء فادحة بعكس ما يفترض في أخلاقيات الصحافة.
الراحة، وهي ضالة الجيل، شكّلت أرقًا حتى لدى قطاع الأعمال، فبعد جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد-19″، والإغلاق الكبير، نشط سوق الفضاء الافتراضي وتكنولوجيا المعلومات.
ويشير أول تحليل للبيانات عن الشباب (دون 25 عامًا)، عبر دراسة للبنك الدولي نشرت في شباط 2023، إلى أن الجائحة أدت إلى انهيار هائل لرأس المال البشري في أوقات حرجة بدورة الحياة مُتسبِّبة في تعثر نمو ملايين الأطفال والشباب في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
مع المتطلبات المتزايدة لعالم الصحافة والإعلام، ولكونها من المهن التي لا تؤمّن دخلًا مرتفعًا، كما يشاع، وبما أنها “مهنة المتاعب” بطبيعة الحال، فإن تجنيد الكوادر الجديدة للعمل في هذا القطاع يواجه تحديات صعبة، وهو ما يعني ضرورة تطوير مناهج التدريب والتأهيل، تماشيًا مع المنافسة الشرسة في سوق الإعلام.
الدراسات حول إعلام المستقبل تركز على توظيف الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) في الإعلام، والتركيز في علم الخوارزميات (Algorithms) الذي يجتاح تكنولوجيا الاتصال، وهو ما يعني تحديًا جديدًا باتجاهين، الأول، صناعة جيل صحفيين متمكن من التكنولوجيا الحديثة التي ستتحكم بمستقبل القطاع، والثاني، مواجهة أثر هذه التكنولوجيا على طبيعة الرسالة وحق المعرفة، وتولي مسؤولية إقناع الناس بالانخراط في الشأن العام.
وهناك خطر آخر، وهو الجدّية والمسؤولية، فإذا كان الترفيه جزءًا أصيلًا في مهمة الصحافة والإعلام، فإن ترتيبه السابق كهدف ثانوي لم يعد صالحًا في الوقت الحالي، ولهذا السبب يمكن تفسير قدرة الناشطين على وسائل التواصل في إيصال المعلومة وتمريرها بـ”الكوميديا” أو الألعاب، فكيف يمكن إعادة دمج الأهداف وترتيبها.
أقول إننا بحاجة لنفس هذا الجيل في تطوير الأساليب وإعادة دمج الأهداف، وربما على إدارات التخطيط في وسائل الإعلام إشراك الشباب في استراتيجياتهم.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي