بينما تتجه الأنظار إلى التطورات العسكرية المتسارعة في السودان، خرجت مصر لتعلن عدداً من “الخطوط الحمراء” في البلد الواقع على حدودها الجنوبية، ما دفع مراقبين إلى اعتبار ذلك بمثابة تحذير لتجنب “خيار أخير”، قد يصل إلى حد التدخل العسكري.

وحددت مصر خطوطها الحمراء في بيان رئاسي، جاء في ختام زيارة ثانية خلال شهرين، أجراها رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان إلى القاهرة، التقى خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وأكدت القاهرة، الخميس، حقها في اتخاذ كافة التدابير التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط، التي قالت إنها ترتبط بشكل مباشر بأمنها القومي.

وقالت الرئاسة المصرية إن القاهرة تجدد تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وإن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه “الخطوط الحمراء”، مؤكدة “عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان”.

القاهرة تحدد “الخطوط الحمراء” في السودان

  • الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني.
  • عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان.
  • الرفض القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.
  • تأكيد الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بهذه المؤسسات.

ووقعت مصر والسودان، في أغسطس 1976، اتفاقية للدفاع المشترك بين الرئيسين أنور السادات وجعفر النميري، لكنها خضعت عبر عقود للتجميد أو عدم التفعيل، قبل أن يقوم رئيسا أركان البلدين آنذاك، الفريق محمد فريد (مصر) والفريق أول ركن محمد عثمان الحسين (السودان)، في مارس 2021، بتجديد بعض بنودها باتفاقية جديدة للتعاون العسكري، أسفرت عن إجراء مناورات مشتركة، مثل: “نسور النيل” و”حماة النيل” و”حارس الجنوب”.

مصر تحدد الخط الأحمر الثالث

ويقول قنصل مصر الأسبق في السودان اللواء حاتم باشات إن إعلان القاهرة خطوطاً حمراء في السودان هو الثالث، بعد ليبيا (خط سرت -الجفرة) وتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ما يعكس حجم الخطر الذي تواجهه الحدود الجنوبية لمصر، وحجم الأزمة التي يواجهها السودان في الوقت الراهن؛ خاصة ما يتعلق بتهديدات تقسيم البلاد والحديث عن انفصال آخر بعد انفصال جنوب السودان في العام 2012.

ويضيف باشات، في حديثه لـ”الشرق”، أن البيان الذي أصدرته الرئاسة المصرية يؤكد دعم مصر للأمن القومي السوداني، وتعزيز دور الجيش السوداني في التعامل مع الأزمة الحالية، باعتباره، إلى جانب الحكومة السودانية، الأطراف الشرعية الوحيدة في البلاد حالياً، مشدداً على أن “القاهرة لن تسمح، تحت أي ظرف، بتقسيم السودان أو انفصال أي جزء من أراضيه”.

ويرى قنصل مصر الأسبق في السودان أن “الحدة والقوة”، التي تضمنها بيان الرئاسة المصرية واعتبرها البعض تلويحاً ضمنياً باللجوء إلى الخيار العسكري، “أمر طبيعي في ظل تعالي الحديث بالآونة الأخيرة عن التقسيم وإنشاء حكومة في غرب السودان موازية للحكومة الشرعية، ما يفتح الباب أمام المضي قدماً في التقسيم والانفصال”.

وجدد باشات التأكيد على أن “القاهرة تحتفظ بكل الخيارات الممكنة للتصدي لهذا الأمر”، وقال إن “مصر هي أكثر دولة تستطيع التعامل مع الملف السوداني، بحكم الجيرة والتاريخ المشترك والعلاقات السياسية والاقتصادية”.

وأضاف أن الأولوية بالنسبة لمصر تبقى للخيار الدبلوماسي والحل السياسي للأزمة السودانية، معتبراً أن “الخيار العسكري متاح، لكنه آخر الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها القاهرة في الحالات القصوى”.

وشدد على أن الإشارة إلى اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين في بيان الرئاسة المصرية؛ كان “بمثابة رسالة، مفادها أن “القاهرة لن تصمت حال تفاقم الأمور”.

تهديد الأمن القومي المصري

ويتفق مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة، السفير معتز أحمدين خليل، في الرأي القائل بعدم رغبة القاهرة في اللجوء إلى الخيار العسكري، وتحفظها في تقديم المساندة العسكرية المباشرة للسودان، واصفاً البيان الرئاسي المصري بأنه “محاولة للردع بدلاً من التدخل المباشر”.

ويقول خليل في حديث مع “الشرق”: “القاهرة تستشعر القلق إزاء التقدم العسكري للدعم السريع بالآونة الأخيرة، واتجاه التطورات نحو انفصال بعض أقاليم غرب السودان أو التقسيم بُحكم الأمر الواقع”.

ويُشدد على أن “القاهرة ترفض التقسيم بشكل واضح وصريح؛ خاصة أن ذلك سيفتح جبهات تهدد الأمن القومي المصري من ناحية الجنوب، والتقديرات غير إيجابية حال نجاح مخطط التقسيم؛ لا سيما أن موقف مصر منذ بداية الأزمة يقوم على دعم الجيش والحكومة السودانية الشرعية المتواجدة حالياً في بورتسودان؛ وهي الأطراف المناوئة للقوى التي تسعى للانفصال في الغرب”.

واعتبر مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة أن “اللهجة المصرية الحادة في البيان الأخير تأتي بمثابة رسالة إلى الأطراف المتحاربة في السودان، مفادها أن هناك حدوداً لما يمكن أن تقبل به القاهرة”.

وفي حين أكدت مصر امتلاك الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي، واتفاقية الدفاع المشترك مع السودان لضمان عدم المساس بالخطوط الحمراء أو تجاوزها، يرى السفير معتز أحمدين خليل أن “الاتفاقية تكفل لمصر التدخل العسكري المباشر في السودان؛ لكنه خيار لن يكون متاحاً إلا في الحالات القصوى، على غرار تهجم أو اقتراب الدعم السريع من الحدود المصرية”.

ويلفت النظر إلى خيار آخر تمتلكه القاهرة؛ وهو الضغط خلال مباحثات الرباعية المعنية بالسودان، والتي تضم أطرافاً مؤثرة في الأزمة السودانية؛ من أجل التوصل إلى تفاهمات أكثر واقعية، تفتح المسار نحو حل الصراع الدائر ووقف إطلاق النار بالطريقة التي تحافظ على وحدة السودان ومؤسساته، وكذلك شرعية جيشه وحكومته.

وجددت مصر حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية.

ووضعت الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات – المعروفة باسم المجموعة الرباعية – خطة لهدنة لمدة 3 أشهر تليها محادثات سلام.

وسبق أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في نوفمبر، إنه سيعمل على إنهاء الحرب في السودان بعد أن طلب منه ولي العهد السعودي التدخل لحل الصراع.

الدعم المباشر وغير المباشر

ويرى المتخصص في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد أن “بيان الرئاسة المصرية يُشكل نقطة تحول في السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان، من الدعم الدبلوماسي الناعم إلى التحذير والتهديد الدفاعي”.

ويوضح عبد الواحد، في حديث مع “الشرق”، أن “خطاب القاهرة جاء داعما بشكل رئيسي للجيش السوداني وقائده عبدالفتاح البرهان، والذي يعاني ضغوطاً داخلية بعد انتصارات الدعم السريع الأخيرة في دارفور وكردفان، والاستيلاء على مناطق نفطية استراتيجية”.

وعن الإجراءات التي يمكن أن تتخذها القاهرة، قال اللواء محمد عبد الواحد إن “القانون الدولي في ميثاق الأمم المتحدة، وبالتحديد المادة 51، تتحدث عن حق الدول في الدفاع عن نفسها حال تعرضها للتهديد، والأمن القومي المصري مُعرض للخطر في ظل حالة الفوضى التي تعم السودان”. 

وأضاف أن “حالة الفوضى في السودان تهدد الأمن القوي المصري عبر نزوح ملايين اللاجئين السودانيين إلى مصر، وسيطرة ميليشيا مسلحة، لها ماضي كارثي في جرائم القتل والتشريد والترويع، على مناطق استراتيجية، ما يعزز المخاوف من فتح ممرات تهريب في مناطق سيطرتها”.

ويرى خبير الأمن القومي أن بوسع “القاهرة أن تقدم دعماً عسكرياً مباشراً عبر التدخل بقوات، أو غير مباشر عبر تقديم السلاح واللوجستيات للجيش السوداني، وذلك في إطار القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين”.

ورغم ذلك، يختم عبد الواحد حديثه بالتأكيد على أن “القاهرة داعمة بشكل واضح للمبادرة الأميركية في إطار الرباعية الدولية، لوقف الحرب واللجوء للمسار السياسي، عبر التوصل لهدنة تقود إلى اتفاق يُنهي الحرب نهائياً”.

أعباء اقتصادية وأمنية على مصر

من جانبها، قالت الصحفية المتخصصة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني، في حديث مع “الشرق”، إن “البيان المصري حمل تأكيداً على الدعم الكامل للحل الذي طرحته الرباعية الدولية بشأن التوصل إلى هدنة مؤقتة، يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم حوار سياسي يجمع الأطراف السودانية من أجل التوصل إلى خارطة طريق تقود إلى حكم مدني في المراحل التالية”.

وتضيف أن “الوضع في السودان بات مهدداً بشكل خطير للأوضاع في مصر، خاصة أن السودان بات بيئة جاذبة للجماعات المسلحة والإرهابية ومرتزقة الحروب، بالإضافة إلى تدفقات اللاجئين التي لا تتوقف صوب مصر، بما يعنيه ذلك من إلقاء أعباء أمنية واقتصادية متزايدة على القاهرة”.

وترى المتخصصة في الشؤون الإفريقية أن “حديث القاهرة عن رفض تقسيم السودان لا يأتي من فراغ، إذ أن الحكومة الموازية التي شكلتها قوات الدعم السريع بالتحالف مع بعض الميليشيات والقوى المدنية في غرب البلاد، باتت منفتحة على 4 من دول الجوار، هي تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وتتمدد بشكل متزايد، بعد سيطرتها على إقليم دارفور وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان”.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الجمعة، إن هدف الولايات المتحدة الفوري في السودان هو الوصول إلى هدنة إنسانية مع دخول العام الجديد، وأضاف أن واشنطن منخرطة “بشكل مكثف” في هذا الشأن عبر محادثات مع المسؤولين في الإمارات والسعودية ومصر، وبتنسيق مع المملكة المتحدة.

وأجاب روبيو، رداً على سؤال لـ”الشرق” خلال مؤتمر صحافي في واشنطن بشأن أولويات الإدارة الأميركية وخطوطها الحمراء في السودان، قائلاً إن هدف بلاده في الوقت الراهن، وعلى المدى القصير، هو الوصول إلى وقف للأعمال العدائية.

شاركها.