في لحظة فارقة تمر بها المنطقة، برز الدور المصري مرة أخرى باعتباره حجر الزاوية في أي محاولة جادة لوقف نزيف الدم في قطاع غزة. فقد أكد وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، الدكتور بدر عبد العاطي، أن المقترح المشترك بين مصر وقطر بشأن وقف إطلاق النار قد يكون طوق النجاة لإنقاذ الفلسطينيين من المأساة الإنسانية، وفي الوقت نفسه وسيلة لمنع انزلاق المنطقة نحو سيناريوهات أكثر خطورة.
المقترح الذي نُشر في مقال رأي لعبد العاطي في صحيفة “واشنطن إكزامينر”، لا يقتصر على هدنة مؤقتة، بل يضع الأساس لتسوية أوسع. فهو ينص على وقف مؤقت للقتال لمدة 60 يوماً، يتم خلالها العمل على إرساء هدنة دائمة، إلى جانب إطلاق سراح رهائن إسرائيليين واستعادة جثث قتلى، مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين. كما يفتح الباب أمام تدفق المساعدات الإنسانية والطبية، التي باتت شريان حياة للفلسطينيين العالقين في أتون الحرب.
معبر رفح.. خط أحمر لا يقبل المساومة
لكن الدور المصري لا يتوقف عند الوساطة الدبلوماسية. فالقاهرة أعلنت بوضوح أن معبر رفح ليس بوابة للتهجير، بل خط أحمر يتصل مباشرة بالأمن القومي المصري. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن السماح للفلسطينيين بمغادرة القطاع أعادت ملف التهجير إلى الواجهة، وهو ملف تعتبره مصر تهديدًا وجوديًا لا يمكن القبول به.
وفي هذا السياق، يسلّط اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، الضوء، على أبعاد الرد المصري، ومغزاه.
مصر والتهجير.. معادلة صفرية
يرى اللواء نبيل السيد أن موقف القاهرة الرافض لتحويل معبر رفح إلى بوابة للتهجير، لا يرتبط فقط بالتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ بل يتصل مباشرة بالأمن القومي المصري، فاستقبال ملايين اللاجئين؛ سيغيّر من التوازنات السكانية والسياسية والاقتصادية داخل مصر، ويفتح الباب أمام سيناريوهات قد تهدد الاستقرار الوطني، ولهذا، فإن القبول بهذا المخطط؛ هو معادلة صفرية بالنسبة لمصر، لا مكان فيها للتفاوض أو المساومة.
رسائل متعددة الاتجاهات
البيان المصري، وفق رؤية “نبيل السيد”، حمل رسائل واضحة لعدة أطراف، كالتالي:
للداخل المصري: طمأنة الرأي العام بأن الدولة لن تسمح بفرض واقع جديد يهدد الهوية الوطنية أو الأمن الداخلي.
للاحتلال الإسرائيلي: التأكيد أن محاولات الابتزاز لن تنجح، وأن مصر لن تكون أداة لتصفية القضية الفلسطينية.
للمجتمع الدولي: التحذير من أن استمرار التغاضي عن السياسات الإسرائيلية؛ قد يشعل انفجارا إقليميا يتجاوز حدود غزة.
مناورة نتنياهو المكشوفة
يعتبر الخبير الاستراتيجي، أن حديث نتنياهو عن “حق الفلسطينيين في الخروج” ليس سوى غطاء لمشروع التهجير القسري، يُسوَّق تحت مسمى إنساني، لكن في جوهره، يكشف عن عجز إسرائيل عن حسم الصراع عسكرياً في غزة، وعن رغبتها في التخلص من “عبء” الفلسطينيين بطرق بديلة.
مصر بين الثابت التاريخي والواقع الراهن
منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ارتبط الموقف المصري بالقضية الفلسطينية؛ باعتبارها جزءًا من الأمن القومي العربي، واليوم، رغم التحولات الإقليمية وتشابك المصالح؛ ما زالت القاهرة تتمسك بالثابت نفسه: لا وطن بديلاً للفلسطينيين، لذلك وصفت الخارجية المصرية، التهجير، بأنه “تطهير عرقي” يتطلب محاسبة دولية.
الضغط على المجتمع الدولي
لا تكتفي مصر بإعلان مواقفها، بل تدفع المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته. فقد دعت إلى وقف إطلاق النار، وإلى عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، باعتبار ذلك مدخلاً لإحياء مسار سياسي جاد يمنع استمرار الفوضى، والقاهرة، وفق الخبير الاستراتيجي، تسعى إلى تحويل مواقفها من مجرد بيانات سياسية إلى رؤية عملية للتسوية.
قراءة مستقبلية
يؤكد نبيل السيد، أن الموقف المصري يحدد ملامح المرحلة المقبلة عبر 3 ركائز:
رفض قاطع لأي سيناريو للتهجير مهما كانت الضغوط.
التمسك بحل الدولتين كخيار استراتيجي لا بديل عنه.
التحذير من أن تجاهل المجتمع الدولي لأحداث غزة؛ قد يقود إلى تصعيد إقليمي واسع.
ويرى اللواء نبيل السيد، أن رد القاهرة على تصريحات نتنياهو، لم يكن مجرد دفاعا عن الفلسطينيين؛ بل عن مصر نفسها، فمعبر رفح لم يعد مجرد نقطة حدودية، بل “خط أحمر” استراتيجي يعبّر عن معادلة الأمن القومي المصري.. فلا مساومة على السيادة، ولا تصفية للقضية الفلسطينية بقرارات أحادية أو فرض للأمر الواقع.
بين وساطتها لوقف إطلاق النار، ورفضها القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين، تتحرك القاهرة على خيط دقيق يجمع بين حماية أمنها القومي ودورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. فمعبر رفح لم يعد مجرد منفذ حدودي، بل تحوّل إلى رمز لـ”الخط الأحمر” الذي لا يمكن تجاوزه.
وفي ظل تصاعد التوترات، يظل الموقف المصري ثابتاً.. لا مساومة على السيادة، ولا قبول بمحاولات فرض أمر واقع ينهي القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومي المصري.
المصدر: صدى البلد