تشهد الساحة الإقليمية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الاتصالات بين القاهرة وطهران، في وقت تشير فيه تحليلات إلى أن مصر تسعى للعب دور محوري في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني، خاصة مع تزايد التوترات في الشرق الأوسط، وانعكاساتها على المصالح الاقتصادية الحيوية لمصر، وأبرزها قناة السويس.
مصر كوسيط إقليمي.. عودة إلى المفاوضات
أجرى وزير الخارجية المصري، الجمعة، اتصالات مع نظيريه البريطاني ديفيد لامي، والإيراني عباس عراقجي، إضافة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي. وبحسب إفادة رسمية لـ”الخارجية المصرية” فإن الاتصالات استهدفت “خفض التصعيد بالمنطقة”.
يرى الدكتور مسعود إبراهيم حسن، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن القاهرة تسعى للعب دور محوري في إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات النووية.
ويقول: “الاتصالات المصرية الإيرانية المكثفة في الأسابيع الأخيرة تدل على أن مصر تقوم حاليًا بدور محوري فيما يتعلق بمسألة العودة إلى المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. القاهرة توظّف دبلوماسيتها الناعمة مستفيدة من موقعها المحوري وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية”.
ويضيف: “عودة المفاوضات في الملف النووي الإيراني بلا شك ستُسهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط من جديد”.
وكان عبد العاطي قد أجرى اتصالات مماثلة، الأربعاء، الماضي، ضمت إلى جانب عراقجي وغروسي، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. وقال متحدث وزارة الخارجية، في إفادة رسمية آنذاك إن الاتصالات المكثفة “جاءت بتوجيهات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ لخفض التصعيد وحدة التوتر في المنطقة”، موضحاً أنها “تناولت أهمية العمل على الدفع بالحلول السلمية، واستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً مع الاقتناع بأنه لا حلول عسكرية لهذا الملف، وباقي الأزمات التي تتعرَّض لها المنطقة”.
العلاقات المصرية الإيرانية
واكتسب الحديث عن دور مصر بوصفها وسيطاً في الملف “النووي الإيراني” زخماً مطلع الشهر الماضي، حيث تزامنت زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية القاهرة، مع زيارة مماثلة لوزير الخارجية الإيراني. وعقد غروسي وعراقجي جلسة محادثات تناولت تطورات الملف “النووي الإيراني”، وأعادت تلك الزيارة ملف العلاقات المصرية الإيرانية التي بقيت باردة لعقود.
وفي حديثه عن طبيعة العلاقات بين القاهرة وطهران، أوضح الدكتور مسعود أن العلاقات الثنائية كانت قوية قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ويقول: “تاريخيًا، كانت العلاقات بين مصر وإيران جيدة جدًا قبل الثورة الإسلامية، حيث كان البلدان قوتين إقليميتين متعاونتين. إلا أن الثورة مثلت نقطة تحوّل وانقطعت العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين”.
وأكد أن طهران تسعى تدريجيًا إلى ترميم هذه العلاقات، لكن القاهرة تضع شروطًا واضحة، أبرزها الكفّ عن التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، ويضيف: “إيران تواجه إشكالية كبيرة في تعاملها مع دول الإقليم، خاصة في ظل طموحاتها العقائدية وتدخلها في شؤون الدول العربية والخليجية، وهي نقطة تعتبرها القاهرة شرطًا محوريًا لعودة العلاقات إلى طبيعتها”.
تحركات محدودة.. لكنها غير كافية
وعلى الرغم من بعض المؤشرات التي تعكس رغبة إيران في تحسين العلاقات، مثل تغيير اسم شارع “خالد الإسلامبولي” قاتل الرئيس المصـري الأسبق أنور السادات في طهران، إلا أن الدكتور مسعود يعتبر ذلك غير كافٍ.
ويقول: “إيران قامت بخطوات مثل تغيير اسم الشارع، لكن هذا لا يمثل تحركًا كافيًا لتحسين العلاقات. نعم، هناك نشاط دبلوماسي مصـريإيراني خلال الشهرين الأخيرين بسبب الملف النووي، ولكن عودة العلاقات بشكل طبيعي تستلزم وقتًا أطول ومشاورات أعمق”.
أمن الملاحة وتأثيرات الحوثيين
يربط الدكتور مسعود دخول القاهرة على خط الوساطة النووية بتداعيات الوضع الأمني في البحر الأحمر وتأثيره على قناة السويس، حيث تواصل ميليشيا الحوثي في اليمن المدعومة من إيران بتهديد المصالح المصـرية من خلال استهدافها حركة التجارة الدولية في البحر التي تمر عبر قناة السويس وتدرّ عوائداً ضخمة في الخزينة المصـرية.
ويقول الدكتور مسعود: “ما حدث في البحر الأحمر من جانب ميليشيا الحوثي أثّر بشكل كبير على حركة الملاحة في قناة السويس، والتي تُعد شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا للاقتصاد المصـري. لذلك، كان لا بدّ من تدخل مصـري لإعادة الاستقرار والهدوء إلى الخليج والشرق الأوسط”.
ويتابع: “اتخاذ طرق بديلة للتجارة بعيدًا عن قناة السويس ترك أثرًا سلبيًا على الاقتصاد المصـري، وكان من الضروري لمصـر أن تدخل كوسيط في الملف النووي الإيراني، بهدف حماية مصالحها الحيوية”.
شروط القاهرة وخياراتها الاستراتيجية
يشدد الدكتور مسعود على أن لدى القاهرة شروطًا واضحة لعودة العلاقات الطبيعية مع إيران، ترتكز على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.
ويقول: “إيران، بحسب دستورها، تعلن نُصرة المظلومين في كل مكان، وتستخدم هذا البند للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما ترفضه القاهرة جملةً وتفصيلًا. هذا البند يُعد من العقبات الكبرى في طريق تطبيع العلاقات”.
وفيما يتعلق بإمكانية نجاح الوساطة المصـرية، يوضح الدكتور مسعود أن مصـر تمتلك أدوات اقتراح الحلول، لكن القرار النهائي يبقى بيد القوى الكبرى: “القاهرة لديها حلول وتقترح مبادرات على الأطراف المعنية، إلا أن القرار النهائي بيد الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة، وإيران من الجهة الأخرى”.
وفي ضوء التحديات المتعددة التي تواجه الشرق الأوسط، تبرز مصـر كفاعل دبلوماسي يسعى بجدّية إلى إعادة التوازن الإقليمي، مدفوعة بحسابات الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، وفي مقدمتها أمن الملاحة في قناة السويس، وبينما تبذل القاهرة جهودًا لاحتواء التوتر بين إيران والغرب، يبقى نجاح وساطتها مرهونًا بمدى استعداد الأطراف للانخراط في تسويات واقعية، تتجاوز الشعارات العقائدية والمواقف المتصلبة، ومع أن الطريق لا يزال طويلاً نحو استعادة الثقة وعودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى طبيعتها، إلا أن ما يجري اليوم يؤسس لتحوّلات أعمق في معادلات النفوذ والتحالفات في الإقليم.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية