تحدّث رئيس مكتب التصنيف في جامعة دمشق، الدكتور مروان الراعي، ل، عن أهمية إقرار مرحلة الدكتوراه لطلاب ماجستيرات “التأهيل والتخصص” في سوريا، لما لذلك من انعكاسات تطبيقية ومجتمعية “إيجابية”، ودور في تحسين تصنيف الجامعات السورية دوليًا.

المطالب هذه يعترض عليها باستمرار طلاب الماجستيرات والدكتوراه الأكاديمية في الجامعات السورية، الذين يرون أن إقرار الدكتوراه لطلاب ماجستيرات التأهيل والتخصص يجب ألّا يكون على حساب فرصهم سواء لناحية متابعتهم لتحصيلهم العلمي أو في مسابقات أعضاء الهيئة الفنية والتدريسية، باعتبار أن الماجستيرات الأكاديمية تأخذ وقتًا وجهدًا وبحثًا أكبر.

ويعتقد طلاب دراسات عليا في استطلاع أجرته، أن منح ماجستيرات “التأهيل والتخصص” فرصة الدكتوراه في حال إقراره يجب أن يكون مشروط بمعايير واضحة كأصالة أبحاثهم في مرحلة الماجستير وجدواها، إضافة إلى النشر ومعدل التخرج، وشروط أُخرى مثل تعديلات تطرأ على النظام التعليمي للتأهيل والتخصص بحيث تحقق العدالة بينهم وبين الماجستيرات الأكاديمية التي تُنهك الباحث لناحية المدة الزمنية والجهد المبذول.

والتأهيل والتخصص سواء كان دبلوم أو ماجستير أو دكتوراه هو عبارة عن تأهيل الطالب في مجال محدد بحيث يقوم بإعداد مشروع عملي ذو غاية تطبيقية سواء في الاختصاصات العلمية أو الأدبية، وتكون الغاية منه إعداد الطالب لسوق العمل مباشرة، بحسب ما قاله الدكتور مروان الراعي.

ولفت الراعي إلى أنه جرى طرح أفكار حول إقرار الدكتوراه لماجستيرات التأهيل والتخصص لعدد من الاختصاصات في سوريا، وكان دائمًا يتم إيقافها أو تعطيل المشروع بحجة وجود عدد هائل جدًا من الطلاب في دبلومات وماجستيرات التأهيل والتخصص.

ويوجد في جامعة دمشق وحدها عشرات الآلاف من هذا الصنف من الطلاب، أوضح الراعي، إضافة إلى أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية فيها من الدكاتره لا يتجاوز 1500، منهم أقل من 500 برتبة أستاذ فقط، ما سيؤدّي إلى نقص في عملية الإشراف على هؤلاء الطلاب.

انعكاسات على سوق العمل المحلية

وانعكاس توافر دكتوراه التأهيل والتخصص على متطلّبات سوق العمل المحلية يكون، وفق الراعي، من خلال تمويل المشاريع بحد ذاتها، إضافة إلى طلب خريجين أكثر في حال نجاح الفكرة التطبيقية لتلك المشاريع، مشيرًا إلى تجربة هذا النظام في عدة دول وإبدائه نجاحًا كبيرًا.

على سبيل المثال، تتفق جامعات بعض الدول مع شركات أو معامل أو بنوك وتطلب هذه الجهات مشاريع معينة من طلاب دكتوراه التأهيل والتخصص مقابل تمويل المشروع ومتابعة تنفيذه فيما بعد.

وهنا يكون طالب الدكتوراه أنجز مشروعًا له ناحية تطبيقية، يقول الدكتور الراعي، وفي حال نجاح المشروع سيؤدّي إلى تشغيل عدد من خريجي نفس الاختصاص (قد يكون دبلوم أو ماجستير)، ما يعني أن تنفيذ المشروع خلص إلى تأمين وظائف إضافية لتطبيق المشروع بحد ذاته.

إيجابيات أُخرى

وبحسب الراعي، فإن انعكاسات وجود مثل هذا النوع من الدكتوراه يتضمّن جوانب عديدة، ففي كثير من الحالات يؤدّي إلى اختراع معيّن، بالتالي يُمنح الطالب براءة اختراع على مستوى عالمي وهذا ما نفتقر إليه في تصنيف الجامعات السورية.

كما أن وجود هذا النوع من شهادات الدكتوراه يخفف الضغط على الدكتوراه البحثية أو الفلسفية، نظرًا لوجود آلاف طلاب الدكتوراه البحثية في سوريا لا ينتج سوى نسبة قليلة منها لا تتجاوز 5% محتوى بحثي علمي أصيل، يضيف الراعي.

واعتبرَ الراعي أن “النسبة الأكبر من الأبحاث حبر على ورق”، بحسب قوله، مؤكّدًا وجود رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه بحثية في بعض الكليات عبارة عن تلخيص لكتب عربية أو ترجمة لكتب أخرى، وهو ما تم كشفه في مكتب التصنيف العام الماضي من خلال برامج فحص الاستلال العلمي أو السرقة العلمية العالمية.

ويرى الراعي، أن دكتوراه التأهيل والتخصص تسهم في الحد من هذا الأمر الخطير، الذي ينعكس سلبًا على سمعة الجامعات وعلى تصنيفها واعتماديتها.

آثار مجتمعية

يتابع الراعي أن لهذه الخطوة انعكاسات مجتمعية أيضًا، وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار، إذ تلعب هذه الشهادات (الدكتوراه في التأهيل والتخصص أو حتى الماجستيرات) دورًا جوهريًا، مبينًا أن تجارب بعض الدول أثبتت أن مشاريع هذه الشهادات تؤدي إلى حلول تطبيقية.

حلول تبدأ من تطوير دراسات للأبنية البالية من خلال دكتوراه تأهيل في عدد من اختصاصات الهندسات والعلوم الأساسية، إضافة إلى تطوير في طرق التدريس كدمج التقنيات الحديثة في التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، وصولًا إلى تطويرات ترتبط بمراحل متقدمة في التنمية.

اعتماد نظام المفاضلة للدكتوراه الأكاديمية

ووسط الحديث والمطالب عن إقرار الدكتوراه لنظام “التأهيل والتخصص”، سبق أن أعلن مجلس التعليم العالي والبحث العلمي، في 18 من آب الماضي، قرارًا يقضي بإجراء مفاضلة مركزية رقمية موحّدة للقبول في برامج الدكتوراه في جميع الجامعات والمعاهد العليا، اعتمادًا على معايير الكفاءة والعدالة والنجاح الأكاديمي.

كما وصلت إلى جريدة، حينها، مطالب كثيرة وقوائم اسمية موقّعة من باحثين وطلاب دراسات عليا من مختلف الجامعات الحكومية تعترض على تطبيق نظام المفاضلة للتسجيل في مرحلة الدكتوراه بالجامعات السورية، وتطالب الوزارة بالإبقاء على نظام التسجيل المباشر.

كما تساءل المعترضون عن انعكاسات تطبيق نظام المفاضلة لمرحلة الدكتوراه على أعداد الخريجين في البلاد مستقبلًا، وهل لحظت الوزارة تأثيرات هذا القرار على احتياجات سوق العمل كدراسة وافية، تجنّبًا لأي نقص قد يحصل، خاصًة في مرحلة إعادة الإعمار وبظل استمرار الظروف التي قد تساعد على هجرة العقول إلى الخارج.

الوزير يرد ويفنّد

وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مروان الحلبي، ل، إن مقترح تحويل التسجيل على الدكتوراه من تسجيل مباشر إلى تسجيل من خلال مفاضلة نتج بسبب:

  • في التسجيل المباشر لم نجد أي معيار أكاديمي يتم اختيار الطلاب على أساسه، الأمر الذي فسح المجال أمام المحسوبيات والمعارف (الفساد) لتسجيل طلاب في بعض الاختصاصات ليسوا مؤهلين للحصول على درجة الدكتوراه. بدليل عدد الشكاوى التي ترد من قبل طلاب آخرين لم يتمكنوا من التسجيل رغم أن معدلاتهم أعلى، والقسم يبرر ذلك بما سمّاه دور على التسجيل (ترتيب زمني لمن يقدم أولًا) رغم ذلك قد يسجّل من لديه محسوبية أكبر، بحسب الوزير.
  • في التسجيل المباشر أوقفت بعض الكليات تسجيل الطلاب دون أي مبرر منطقي أو أكاديمي، البعض برر ذلك بحجة أن المقترحات البحثية التي تقدّم بها الطلاب غير ناضجة، لكن هذا طبيعي لطالب يود التسجيل على الدرجة، ودور القسم هنا تطوير المقترح البحثي بخبراتهم وليس منع التسجيل على الدكتوراه.
  • بشكلٍ عام، يُحدد عدد طلاب الدكتوراه في الأقسام من خلال القدرة الاستيعابية وعدد المشرفين القادرين على الإشراف، لكن في التسجيل المباشر لا يتم ضبط عدد الشواغر لدرجة الدكتوراه من قبل الوزارة، بل يحدد من خلال رغبة القسم فقط. والدليل هو وجود بعض الاختصاصات في بعض الأقسام التي لم تسجّل طلاب دكتوراه منذ فترة طويلة.
  • عند وجود شواغر لدرجة الدكتوراه أقل من عدد المتقدمين للتسجيل في القسم، ليس هنالك حاليًا أي معيار أكاديمي لتحديد من الأكفأ للتسجيل (وهنا أيضًا قد يكون بابًا للفساد). مثلًا لقسم ما شاغران في اختصاص ما لدرجة الدكتوراه وتقدّم ثلاث طلاب أو أكثر، في التسجيل المباشر ليس هنالك أي معيار أكاديمي يحدد من الطالب الأكفأ للحصول على هذا الشاغر.
  • أخيرًا، إن التسجيل على درجة الماجستير يتم من خلال مفاضلة، فمن باب أولى أن يتم التسجيل على الدكتوراه أيضًا من خلال مفاضلة للأسباب السابقة، ولتحقيق العدالة ومنح الدرجة للأكفأ علميًا وليس لم يتقدّم بالطلب أولًا.

مساعٍ للجودة لا العدد

وعن أسس وضع الاحتياجات الفعليّة من التخصصات تبعًا لطبيعة وما تتطلّبه المرحلة التي تمر فيها سوريا، وتقليص عدد خريجي بعض التخصصات الأُخرى محدودة الاحتياج المؤسساتي في الوقت نفسه، قال الوزير، إن من مهام واختصاص الوزارة إدارة هذا الموضوع بالتنسيق مع باقي الوزارات والهيئات ذات الصلة.

وفيما إذا كانت الوزارة قد بحثت انعكاسات تطبيق نظام مفاضلة الدكتوراه على عدد الخريجين مستقبلًا، بالتالي على احتياجات سوق العمل، وذلك تلافيًا لأي نقص في ظلّ استمرار بعض الظروف التي قد تساعد على هجرة العقول، ذكر الوزير، أنه بالرغم من أن سوريا بأمس الحاجة للكفاءات العلمية حاليًا من حملة شهادات الدكتوراه، لكن الموضوع مرتبط بالجودة وليس بالعدد.

جهود لاستثمار الخريجين محليًا

وأضاف الدكتور الحلبي أن الوزارة تعمل على تهيئة النظام البيئي المتكامل لاستثمار حملة الدكتوراه محليًا، والحد من النزيف المستمر للعقول في الخارج، مع التأكيد أن هذا الموضوع هدف وطني لا يتعلّق بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي فقط، إذ أن الوزارة هي منتج للكفاءات لكن ليست وحدها المسؤولة عن سوق العمل والفرص.

وأكّد الوزير، أنه يجب ألّا ننسى أن هنالك حريات شخصية للباحثين، منهم من يود السفر والعمل في الخارج، ولا تستطيع الوزارة منعهم من هذا الحق، إنما تهيئة مكان العمل الأكاديمي المناسب، لتشجيعهم للعمل معها ضمن المسارات الأكاديمية والبحثية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.