تسبب موقع إلكتروني أنشأه مطور دنماركي، في أزمة لصناع القرار في الاتحاد الأوروبي الذين يحاولون تمرير مشروع قانون مثير للجدل يُعرف باسم “التحكم في الدردشة”، والذي يستهدف الحد من انتشار مواد الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت.
وأفاد موقع بوليتيكو، بأن الموقع، الذي يسمى Fight Chat Control (قاتل التحكم في الدردشة)، أنشأه “يواخيم”، مهندس برمجيات يبلغ من العمر 30 عاماً، ويقيم بمدينة آلبورج في الدنمارك، بعدما علم بمحاولة الاتحاد الأوروبي للموافقة على مقترح بمكافحة مواد الاستغلال الجنسي للأطفال، وهو قانون يرى فيه نشطاء تهديداً للخصوصية وفتحاً لباب المراقبة الجماعية.
وتظهر على الصفحة الرئيسية للموقع، رسالة تحذيرية بواجهة بارزة تقول: “الاتحاد الأوروبي لا يزال يريد فحص رسائلك وصورك الخاصة”
ويسمح الموقع للزوار بإعداد رسائل إلكترونية تحذيرية وإرسالها بسهولة إلى المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان الأوروبي وغيرهم.
ومنذ إطلاقه، أغرق الموقع صناديق بريد المسؤولين برسائل إلكترونية لا حصر لها، ما أحدث ضجة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وقالت إيفين إنسير، النائبة السويدية عن حزب الاشتراكيين والديمقراطيين: “نتلقى مئات الرسائل يومياً بشأن هذا الموضوع”. كما أكد 3 دبلوماسيين من بعثات دائمة للدول الأعضاء أنهم تلقوا بدورهم كميات كبيرة من الرسائل.
وتسبب الموقع في زيادة الجدل الدائر أصلاً بشأن مشروع القانون، الذي يمنح السلطات صلاحية إجبار شركات مثل “واتساب” و”سيجنال” على فحص خدماتها بحثاً عن محتوى غير قانوني.
ويخشى المعارضون من أن يؤدي هذا إلى مراقبة جماعية من قبل الحكومات.
واعتبرت منصة “إكس” المملوكة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك أن مشروع القانون يفتح الباب لـ”مراقبة جماعية تفرضها الحكومات”، بينما أعلنت “سيجنال” عزمها الانسحاب من السوق الأوروبية إذا جري تمرير القانون.
وأعربت “واتساب” عن معارضتها لمقترح الدنمارك، منضمة إلى مجموعات الخصوصية الأوروبية التي ترفض المشروع منذ بدايته.
وتنقسم دول الاتحاد الأوروبي إلى معسكرين؛ أحدهما يؤيد القانون باعتباره وسيلة لمحاربة انتشار مواد استغلال الأطفال، والآخر يحذر من أنه سيؤسس لـ”دولة مراقبة” ولن يكون فعالاً.
2.5 مليون زيارة للموقع
رفض يواخيم الكشف عن اسمه الكامل أو جهة عمله لأن شركته لا تريد الارتباط بالحملة، وقال لصحيفة “بوليتيكو” إنه لا مصلحة تجارية له أو لشركته في القانون، وأنه تكفل وحده بتكاليف تشغيل الموقع.
وتُعد حملته غير تقليدية مقارنة بأساليب الضغط السياسي المعتادة في بروكسل، لكنها أثبتت فعاليتها.
وأكدت بولندا، الشهر الماضي، أنها تعارض الفحص الجماعي للرسائل، كما حظيت عريضة دنماركية، دفعتها حملة Fight Chat Control، بنحو 50 ألف توقيع، ما يسمح بمناقشتها في البرلمان، وفي إيرلندا، طرح أعضاء في البرلمان أسئلة بشأن “التحكم في الدردشة” في سبتمبر.
وحتى مطلع أكتوبر الجاري، زار الموقع نحو 2.5 مليون شخص، معظمهم من داخل الاتحاد الأوروبي. وبما أن الرسائل تُرسل من البريد الشخصي للزوار، لا يعرف يواخيم العدد الدقيق للرسائل المرسلة، لكنه قدّر أنها بالملايين.
وأثارت الحملة غضب بعض المتلقين. وقالت لينا دوبون، عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الشعبي الأوروبي والمتحدثة باسم المجموعة في الشؤون الداخلية: “من حيث الحوار الديمقراطي، هذا ليس حواراً”.
واشتكى بعض جماعات الضغط التقليدية من أن حملة يواخيم تعرقل عملهم، وقالت ميكه شورمان، مديرة مجموعة Eurochild لحقوق الطفل، إن رسائلهم لم تعد تصل إلى صانعي القرار الذين أصبحوا يردون تلقائياً.
وأعرب يواخيم عن أسفه لذلك، لكنه اعتبر سيل الرسائل مؤشراً واضحاً على اهتمام الناس بالقضية، قائلًا: “يمكن القول إن هذا من أنقى أشكال الديمقراطية”.
عواصم أوروبية على أعصابها
قدمت المفوضية الأوروبية مقترحها الأصلي عام 2022 للحد من انتشار المواد غير القانونية، لكن السلطات الأمنية حذرت من أن المشكلة تفاقمت، خاصة مع توسع استخدام تقنيات الخصوصية والتشفير، إلى جانب صعود المحتوى المزيف الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي.
وتحاول الحكومات الأوروبية للمرة الخامسة التوصل إلى تسوية بشأن المشروع، إذ يتعين أولًا اعتماد موقف موحد قبل التفاوض مع البرلمان الأوروبي.
وقال أحد الدبلوماسيين إن بعض الدول باتت أكثر تردداً في دعم المقترح الدنماركي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحملة.