معركة دستورية أميركا ترمب إلغاء حق الجنسية بالولادة
وضع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنهاء حق الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة على قائمة أولوياته لسنوات، وتعهد خلال حملته الانتخابية 2024 بإنهاء ذلك الحق في أول يوم له بالبيت الأبيض في 20 يناير.
وفي مقابلة أجريت في ديسمبر مع شبكة NBC News، جدد ترمب دعوته لإنهاء الحق الدستوري القائم منذ فترة طويلة، قائلاً إنه سيوقع على أمر تنفيذي في اليوم الأول من رئاسته من شأنه أن يضمن عدم اعتبار الأطفال المولودين لآباء ليس لديهم وضع قانوني في الولايات المتحدة مواطنين أميركيين.
وانتقد الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد، تعهدات ترمب المتكررة في هذا الشأن، وقال إن “من المروع” أن يحاول ترمب إلغاء حق الجنسية الأميركية بالولادة للأشخاص المولودين في الولايات المتحدة.
وبموجب التفسير القانوني للدستور والقانون الفيدرالي، فإن أي طفل يولد على الأراضي الأميركية يحصل تلقائياً على الجنسية الأميركية، بغض النظر عن وضع والديه كمهاجرين مسجلين أو غير مسجلين.
لكن ترمب وعد مراراً بإصدار أمر تنفيذي يوجه الوكالات الفيدرالية لاعتماد تفسير مختلف للقانون، بحيث لا يُمنح الأطفال المولودين في الولايات المتحدة الجنسية تلقائياً إلا إذا كان أحد الوالدين على الأقل مواطناً أميركياً أو يحمل بطاقة الإقامة الدائمة “البطاقة الخضراء”.
ووفق هذا الأمر التنفيذي، سيتم توجيه الوكالات الفيدرالية، مثل إدارة الضمان الاجتماعي ووزارة الخارجية، لرفض منح أرقام الضمان الاجتماعي وجوازات السفر والمزايا الحكومية لهؤلاء الأطفال إذا لم يكن لوالديهم وضع قانوني في البلاد.
واعتبر خبراء قانونيون تحدثوا مع “الشرق” أن التفسيرات القانونية السابقة والتاريخ الدستوري لا يصب في صالح ترمب، لافتين إلى أن الحجة التي يستند إليها الرئيس قد تواجه تحديات قانونية مُحتملة.
سياحة الولادة
في محاولته لإعادة تعريف ما يعني أن تكون أميركياً، خاصة في وقت تتغير فيه التركيبة الديموغرافية للولايات المتحدة مع تراجع نسبة السكان البيض، تعهد ترمب باتخاذ مواقف صارمة تجاه الهجرة.
وفي سبيل ذلك، روّج لسياسة إلغاء الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة كحل لمشكلة “سياحة الولادة”، حيث تسافر نساء حوامل إلى الولايات المتحدة بتأشيرات سياحية ثم يغادرن البلاد بعد الولادة، بينما يتمتع أطفالهن بالجنسية الأميركية وما يترتب عليها من حقوق، مثل إمكانية العودة والاستفادة من التعليم والخدمات الصحية، أو حتى كوسيلة لاحقة لجلب والديهم للإقامة الدائمة من خلال لمّ الشمل العائلي. ويقدر مركز دراسات الهجرة هذه الممارسة بنحو 37 ألف ولادة سنوياً.
في المقابل، يرى ترمب في مسعاه وسيلة لتقليل الهجرة غير القانونية، وتشير تقديرات المركز أنه يولد في الولايات المتحدة ما بين 300 ألف و400 ألف طفل سنوياً لآباء مهاجرين غير قانونيين.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الجنسية الأجنبية والوضع غير القانوني للوالدين، إلا أن جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة مواطنون أميركيون وفق القانون، كما أشار أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة بيركلي، إيروين تشيميرنيسكي.
التعديل 14 في الدستور الأميركي
وقال تشيميرنيسكي، في حديث مع “الشرق”، إن القسم الأول من التعديل 14 من الدستور ينص على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المجنسين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية هم مواطنون للولايات المتحدة”.
وأضاف تشيميرنيسكي أنه تم اعتماد هذا التعديل في عام 1868، أي بعد 3 سنوات من انتهاء الحرب الأهلية، لإلغاء القرار “المأساوي” للمحكمة العليا في قضية دريد سكوت ضد سانفورد، والذي قضى بأن الأفراد المستعبدين ليسوا مواطنين حتى لو ولدوا في الولايات المتحدة، “أي تم وضعه في الأساس لمنح الجنسية للعبيد المحررين حديثاً، لكن القانون ينطبق على أي شخص يولد في الولايات المتحدة، بما في ذلك أولئك الذين يولدون لأبوين مهاجرين غير قانونيين.. ويُعتبر القسم الأول من التعديل 14 من الدستور منحاً صريحاً وغير قابل للتأويل للجنسية لكل من يولد في هذا البلد”.
متى تعهد ترمب بإلغاء حق الجنسية بالولادة؟
عندما ترشح ترمب للرئاسة لأول مرة في 2015، كان أحد تعهداته الرئيسية هو إنهاء حق المواطنة بالولادة. وعاد ترمب إلى إثارة هذا الموضوع مجدداً في عام 2018، عندما أعلن أنه سيفكر في إصدار أمر تنفيذي لوقف منح الجنسية تلقائياً لأطفال المهاجرين غير القانونيين.
لكن على الرغم من تصريحاته المتكررة، لم يتخذ أي خطوة قانونية فعلية خلال فترة رئاسته الأولى لتنفيذ هذا التعهد، وحتى عندما حاول تمريره رفضه الجمهوريون في الكونجرس، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب آنذاك بول دي رايان، الذي قال: “من الواضح أنك لا تستطيع أن تفعل ذلك. لا يمكنك أن تنهي حق المواطنة بالولادة بأمر تنفيذي”.
ومع ذلك، أصر ترمب، خلال حملته الانتخابية 2024، على أنه سيصدر أمراً تنفيذياً لإلغاء حق الحصول على الجنسية الأميركية، وهو ما اعتبره قانونيون، تحدثوا مع “الشرق”، غير واقعي.
هل يملك ترمب حق إلغاء التعديل 14 بالدستور؟
إيرين كوركوران، الأستاذة في كلية كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام والمدير التنفيذي لمعهد كروك لدراسات السلام الدولي، استنكرت إمكانية تغيير أو تجاوز الدستور من قبل الرئيس. وقالت لـ”الشرق” إنه لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة تغيير أو تجاوز الدستور الأميركي.
وأكدت كوركوران أن إنهاء حق المواطنة بالولادة بموجب أمر تنفيذي يتعارض بشكل واضح مع التعديل 14 للدستور، قائلة: “ليس لرئيس الولايات المتحدة أي دور في تعديل دستور الولايات المتحدة”.
ويتفق ستيفن ييل لوهير، أستاذ قانون الهجرة في كلية الحقوق بجامعة كورنيل، مع كوركوران، قائلاً لـ”الشرق” إن إنهاء حق المواطنة بالولادة ليس في سلطة الرئيس الأميركي، بل يتطلب تعديلاً دستورياً، لأن هذا الحق منصوص عليه بوضوح في التعديل 14 للدستور.
وأضاف ييل لوهير أنه إذا حاول ترمب إنهاء الجنسية بالولادة من خلال أمر تنفيذي، فمن المؤكد أن هذا سيتم الطعن عليه أمام المحكمة.
المهاجرون والولاية القضائية
ناقش بعض المحافظين ما إذا كان ينبغي استبعاد المهاجرين غير المسجلين من منح الجنسية لأطفالهم المولودين في الولايات المتحدة، مستندين إلى تفسير لبند “الخاضع لولايتها القضائية” في التعديل 14 للدستور الأميركي، إذ ينص القسم الأول من التعديل 14 من الدستور على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المجنسين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية هم مواطنون للولايات المتحدة”.
وفقاً لهذا التفسير، زعم أنصار مكافحة الهجرة أن المواطنة بالولادة يجب أن تُمنح فقط لأبناء المواطنين والمقيمين الدائمين القانونيين، وليس لأبناء المهاجرين غير القانونيين أو السياح أو المقيمين المؤقتين، زاعمين أن التعديل 14 قد تم تفسيره بشكل خاطئ ولا ينطبق على الأطفال المولودين في أميركا لآباء غير مسجلين لأنهم ليسوا “خاضعين لولاية” أميركا.
لكن تشيميرنيسكي اعتبر هذا التفسير غير دقيق وخاطئ، وقال إن عبارة “وخاضعين لولايتها القضائية”، أُضيفت لضمان منح الجنسية للأطفال المولودين لأميركيين في دول أجنبية أثناء خدمتهم العسكرية أو عملهم في السفارات.
و”الخاضعين لولايتها” لا يعني فقط الإقامة القانونية، بل الخضوع للقوانين الأميركية أثناء التواجد داخل حدود البلاد، وهو ما ينطبق أيضاً على المهاجرين غير القانونيين، أما الاستثناءات المحدودة للمواطنة التلقائية تكون في مثل حالات “الأطفال المولودين لدبلوماسيين أجانب”.
وأشار تشيمرنيسكي إلى سابقة تاريخية لا تصب في مصلحة ترمب، حين أكدت المحكمة العليا منذ زمن بعيد أن القسم الأول من التعديل 14 يمنح الجنسية لجميع المولودين في الولايات المتحدة. ففي عام 1898، في قضية الولايات المتحدة ضد وونج كيم آرك، قضت المحكمة بأن الأطفال المولودين في الولايات المتحدة هم مواطنون أميركيون، بغض النظر عن وضع والديهم من حيث الهجرة.
وفي هذه القضية، وُلد وونج كيم آرك في كاليفورنيا لأبوين صينيين كانا مقيمين في الولايات المتحدة، لكنه واجه رفضاً من سلطات الهجرة الأميركية عند عودته من رحلة إلى الصين، بحجة أنه لم يكن مواطناً أميركياً لأن والديه لم يكونا مواطنين متجنسين.
حكمت المحكمة لصالح وونج كيم آرك، مؤكدة أن جميع الأطفال المولودين في الولايات المتحدة، بغض النظر عن وضع والديهم القانوني، هم مواطنون أميركيون بموجب التعديل الرابع عشر.
كان هذا الحكم مهماً، بحسب تشيمرنيسكي، لأنه وضع سابقة قانونية تمنع الحكومة من حرمان المولودين في الولايات المتحدة من الجنسية بسبب جنسية والديهم.
وقال إن هذا الحكم يعارض أي محاولات مستقبلية، مثل مقترحات ترمب، لإنهاء المواطنة بالولادة من خلال أمر تنفيذي، إذ يتطلب أي تغيير في هذا المبدأ تعديلاً دستورياً وليس مجرد قرار رئاسي.
تعديل الدستور
رغم تعهد بعض حلفاء ترمب في الكونجرس بتقديم تشريعات لإنهاء حق المواطنة بالولادة، فإن هذا لن يكون كافياً بمفرده لإلغائه، إذ أن أي قانون يصدره الكونجرس لا يمكنه تجاوز نص دستوري واضح، مثل التعديل الرابع عشر.
وقالت كوركوران، الباحثة في مجال الهجرة، إن الطريقة الوحيدة لإنهاء المواطنة بالولادة هي تمرير تعديل دستوري يقترح إلغاء التعديل الرابع عشر، بموجب المادة الخامسة من الدستور، “وهو أمر صعب”. ويتطلب التعديل الذي يقترح إلغاء التعديل الرابع عشر موافقة كل من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين بأغلبية ثلثي الأصوات، أو من خلال اتفاقية دستورية يدعو إليها ثلثا الهيئات التشريعية للولايات.
وأضافت كوركوران أنه بعد اقتراح تعديل لاستئناف التعديل الرابع عشر، يتعين على ثلاثة أرباع الولايات، أي نحو 38 ولاية من أصل 50 ولاية، التصديق عليه حتى يتم إلغاء التعديل الرابع عشر فعلياً.
الأمر التنفيذي والمحكمة العليا
يدرك ترمب مدى صعوبة الأمر، وفي سبيل ذلك يسعى وفريقه إلى وضع استراتيجيات تؤدي إلى رفع دعاوى قضائية أمام المحكمة العليا “المحافظة”.
يقترح ترمب إصدار أمر تنفيذي يوجه الوكالات الفيدرالية، مثل إدارة الضمان الاجتماعي ووزارة الخارجية، لرفض منح أرقام الضمان الاجتماعي وجوازات السفر للأطفال حديثي الولادة إذا لم يكن والداهم يحملان وضعاً قانونياً في الولايات المتحدة.
ويؤيد مارك كريكوريان، مدير مركز دراسات الهجرة، وهو مركز بحثي يدعم سياسات الهجرة المشددة، هذا النهج لأنه يتجنب الحاجة إلى تشريع من الكونجرس، مما يعني أنه يمكن تطبيقه بسرعة عبر سلطة الرئيس التنفيذية.
وقال كريكوريان، في تقرير على شبكة NBC news، إن هذا النهج سيؤدي إلى رفع دعاوى قضائية ضد الأمر التنفيذي من شأنها أن تؤدي إلى إحالة القضية القانونية أمام المحكمة العليا في وقت قصير بهدف إعادة تفسير التعديل الرابع عشر، “وهو ما نريده”.
ولم يستبعد أستاذ قانون الهجرة ييل لوهير إمكانية حدوث ذلك، قائلاً إن ترمب يأمل في أن تعيد المحكمة العليا في النهاية تفسير التعديل الرابع عشر لصالحه، “لكن هذا سيستغرق عدة سنوات، وفي غضون ذلك قد يمنع أمر قضائي إدارة الضمان الاجتماعي ووزارة الخارجية من تنفيذ الأمر التنفيذي الخاص بترمب”.