معركة وسط السودان.. صراع النفوذ وقلب موازين القتال
تشكل سيطرة الجيش السوداني على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة السبت، تحولاً كبيراً في مسار الصراع المسلح مع قوات الدعم السريع والذي يقترب من إتمام عامه الثاني في أبريل المقبل، وذلك لما تتمتع به المنطقة من أهمية استراتيجية.
ويضم الإقليم الأوسط في السودان ولايتي النيل الأبيض والجزيرة، وهو يربط بين شرق السودان ووسطه وجنوبه وغربه، ولذلك تعني السيطرة على الإقليم خنق إمدادات “الدعم السريع” في ولايات الخرطوم والنيل الأزرق وسنار وشمال كردفان، فيما تعد ولاية الجزيرة، النقطة الحاكمة والأهم في مدخل سنار والنيل الأزرق وولاية الخرطوم.
الدعم السريع يفقد منطقة مهمة
وسيطرت قوات الدعم السريع، على ود مدني، ثاني أكبر المدن السودانية بعد الخرطوم، في ديسمبر 2023، في هجوم خاطف ودون إطلاق الرصاص، إذ تقدمت نحو المدينة ولم تواجه مقاومة تذكر حينها، ما أثار الشكوك آنذاك حول عدد من القيادات العسكرية والتي قامت بسحب جميع دفاعات الجيش من المدينة.
وبعد مرور أكثر من عام على المعارك، أقر قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” بفقدان السيطرة على مدينة ود مدني، والتي كانت تعتبر منطلقاً لعمليات قواته نحو أجزاء من ولاية الجزيرة وسنار والنيل الأبيض وشرق السودان.
وفي تصريحات لـ”الشرق”، قال عضو المكتب الاستشاري لقوات الدعم السريع عمران عبد الله إن قواتهم “خسرت معركة لكنها لم تخسر الحرب”، مضيفاً بأنهم استطاعوا امتصاص ما سماه بـ”مؤامرة 15 أبريل عام 2023″، وفق تعبيره، في إشارة إلى تاريخ اندلاع الحرب مع الجيش السوداني.
واعتبر أن خسارة ود مدني هي “مسألة انسحاب لا أكثر”، وأنها محاولة لـ”إعادة تموضع القوات لبدء عملية الاسترداد لمنطقة وسط السودان”، وفق ما ذكر لـ”الشرق”.
وتحدّث عبد الله عن “مفاجآت قادمة”، مضيفاً أن “المعركة الوجودية مستمرة”.
الجيش إلى وضعية الهجوم
في المقابل، قال الصادق علي الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان “مناوي” التي تُقاتل إلى جانب الجيش السوداني، إن العملية العسكرية التي بدأها الجيش لن تتوقف عند مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، لافتاً إلى أن العمليات “ستشمل مناطق أخرى”.
وقال: “نعمل أيضاً على ربط الطريق بين الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان نحو إقليم دارفور ضمن خطتنا للقضاء على الدعم السريع”.
وبشأن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة وسط السودان، قال علي إن “قوات الدعم السريع اعتمدت على هذه المنطقة في عملياتها العسكرية في محاولة التمدد إلى شرق البلاد، ولذلك قام الجيش السوداني بتحريرها عبر ترتيب وتنسيق عسكري محكم لاستعادة الحركة بين الوسط والشرق والغرب، والتوجه نحو العاصمة الخرطوم، كما ستسمح السيطرة على وسط السودان بعبور المساعدات الإنسانية التي كانت تمنعها هذه القوات”.
بدوره، قال اللواء أسامة محمد أحمد الخبير العسكري والمدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة السودانية، إن “لوسط السودان عموماً ومدينة ود مدني خاصة، بعداً استراتيجياً مهم جداً”، مشيراً إلى أن السيطرة على هذه المنطقة “تُقلل من الجهد المبذول في تحرير الخرطوم”.
وأوضح أن “الجيش سيستغل كل ذلك في الاندفاع شمالاً، ما سيزيد الضغط على قوات الدعم السريع”.
خريطة السيطرة
وفي ضوء التطورات العسكرية الأخيرة، باتت مناطق سيطرة الجيش تتركز في جنوب وشرق السودان، إضافة إلى أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة بعد استعادة ود مدني، وسيصب هذا التقدم لصالح تحسين موقف الجيش السوداني وتهيئة خطوط إمداده من شرق البلاد إلى وسطها، وتقوية دفاعاته في النيل الأبيض والأزرق.
أما في كردفان، فتتقاطع السيطرة ما بين الجيش والدعم السريع والحركة الشعبية شمال بقيادة (الحلو)، إذ يسيطر الجيش على أجزاء من شمال كردفان وأبرزها العاصمة الأبيض، ومناطق متفرقة أخرى بسبب تقدم قواته من النيل الأبيض نحو أم روابة، بينما تسيطر الدعم السريع على المحليات الأخرى وأبرزها الرهد وأم روابة، ويتقاسم الجيش والدعم السريع السيطرة على غرب كردفان، وفي جنوب كردفان تشاطرهم الحركة الشعبية (الحلو) السيطرة.
ورغم سيطرة الدعم السريع على 4 ولايات من أصل 5 وهي جنوب دارفور وغربها ووسطها وشرقها، إلا أن تحركات الجيش السوداني وقوات الحركة المسلحة تقلل من حجم تلك السيطرة، إلى جانب عمليات القصف الجوي التي أضعفت قوات الدعم السريع في الولايات تلك الولايات.
وفي شمال دارفور، يحاول الجيش والحركات الموالية له جر الدعم السريع إلى معركة خارج الفاشر، وذلك عبر الالتفاف ومهاجمة مناطق الزٌرق والمثلث وغيرها من مناطق.
وبينما ستحاول قوات الدعم السريع المحافظة على موطئ قدم لها وسط البلاد، سيشتد الصراع مع الجيش على هذه المنطقة المهمة لسير العمليات العسكرية، والتي ستؤدي السيطرة عليها إلى الإطاحة بأي أمل في تمدد رقعة المعارك لأقاليم جديدة وفق خبراء عسكريين.