لمى قنوت

شكل تصريح مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، حول موافقة الولايات المتحدة على خطة طرحتها سوريا للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب بالانضمام للجيش السوري الجديد، “بشرط أن يحدث ذلك بشفافية”، بعدًا إضافيًا، لا يقبل الشك، حول طبيعة المرحلة ونوع نظام الحكم الذي تكرسه الإدارة الانتقالية، فعهد “الازدهار” الذي يتم الترويج له، مشروع مركزي أحادي فئوي، يتشكل على أسس فوقية، بعيدًا عن عقد اجتماعي وعملية سياسية تضمينية تشاركية شاملة، وفي غياب لسيادة القانون ومناخ بعيد عن الشفافية، ولولا ما تنشره أو تسربه وسائل الإعلام الغربية لما علم السوريون، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، بمعظم السياسات التي تنوي السلطة اعتمادها والمشاريع والخطط التي تقدمها للدول، على قاعدة أولوية إرضاء الخارج، طمعًا بالاعتراف والشرعية واستكمال رفع العقوبات.

ورغم معرفة السلطة الحاكمة بقلق سوريين من المنهج الذي تتبعه بشأن بناء جيش وطني، وخطورة ضم جهاديين أجانب في بنيته كفرقة واحدة، لما في ذلك من أبعاد تتعلق بمأسسة العقلية الجهادية العابرة للحدود، وتهديد للأمن الوطني، أو تحولهم مستقبلًا كأداة للصراعات، بدل حل معضلة وجودهم إنسانيًا وبشكل قانوني، وتحديدًا لمن لا يستطيعون العودة إلى بلادهم بسبب الاضطهاد، وقاتلوا في صفوف عملية “ردع العدوان”، ولم تتلطخ أيديهم بقتل المدنيين، فبإمكان الإدارة منحهم حق اللجوء الإنساني وإعادة تأهيلهم وتمكينهم من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والتدريب المهني والحق في العمل، أو منحهم إقامات يمكن تجديدها بناء على التزامهم بالقانون أسوة بالعديد من الدول، بدلًا من سعيها لضمهم للجيش وتبريرها لذلك بالخشية من انضمامهم لـتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، والذي هو إقرار صريح من السلطة، بتطرف بعضهم على الأقل، ورغبتها في بناء جيش مؤدلج ولاؤه للسلطة ورئيسها لا للدولة السورية.

وعلاوة على ذلك، فإن اتخاذ السلطة قرار ضمهم وتجنيسهم قبل صدور تقرير ونتائج عمل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق التي شكلها أحمد الشرع في 9 من آذار 2025، من أجل الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت منذ 6 من آذار الماضي في الساحل السوري ضد المدنيين من منبت علوي، ومؤسسات عامة ورجال من الجيش والأمن العام، والتي يعتقد أن يكونوا جزءًا من الفصائل التي تورطت فيها، يعني حمايتهم من المحاسبة بأحسن تقدير، وخاصة أن جرائم قتل مواطنين، نساء ورجالًا، من منبت علوي لم تتوقف حتى يومنا هذا، وتنتقل من مكان لآخر، من عش الورور إلى الربيعة، والدالية، وبيت عانا، ومشقيتا وغيرها من المناطق، وتستباح ممتلكات أسر ويحتجز شبان تعسفيًا وتختطف نساء من الطائفة نفسها، دون أن تضع السلطة حدًا لجرائم العنف الطائفي وتُحاسب مرتكبيها من فصائل وأفراد ينضوون تحت سلطتها.

وفضلًا عن ذلك، فإن ضم جهاديين كانوا أعضاء في شركات مقاولات عسكرية جهادية خاصة، أو ما زالوا فيها، مثل “ملحمة تكتيكال -Malhama Tactical ” والتي كان يرأسها أوزبكي يعرف باسم “أبو رفيق”، وكانت في سوريا منذ عام 2016، وشركة “أويغور يورتوغ تاكتيكال” التي تأسست في 2018، وشركتي “مهاجر تاكتيكال” ذات القيادة الأوزبكية و”ألبانيان تاكتيكال” اللتين تأسستا في عام 2022، فإن أعضاء هذه الشركات هم بمثابة مرتزقة بحسب العرف العسكري، ولكن بأيديولوجيا جهادية قد ترقى في بعض الأحيان لأيديولوجيا تكفيرية لا يمكن لحملتها التعايش بسلام مع شعب متنوع مثل الشعب السوري.

إن إصرار السلطة الانتقالية على ضم الجهاديين الأجانب في الجيش، ككتلة واحدة في الفرقة 84، قُدّر عدد الإيغور منهم بـ3500 مقاتل ينتمون إلى “الحزب الإسلامي التركستاني”، وقبول الأمريكي به، بدل مطلبهم السابق في إبعادهم عن أي مناصب قيادية حساسة في هيكل السلطة، ثم طلب إخراجهم من سوريا كأحد الشروط لتخفيف العقوبات الأمريكية، فتح الباب أمام تدخل الأمريكي العميق في تركيبة وبنية الجيش وإملاءات لن تتوقف، بعد شرط الشفافية الذي ورد في تصريح توماس باراك، والذي أوحت صيغته وكأنه يمنح موافقة على شأن يتعلق بجيشهم لا بجيش دولة أخرى، ومن جهة أخرى سيؤدي إلى توتر العلاقة الدبلوماسية مع الصين وإحجام شركات صينية عن المشاركة في إعادة الإعمار، بالإضافة إلى أن وجود جهاديين من آسيا الوسطى في الجيش أيضًا، سيعقد العلاقة مع روسيا، وخاصة بعد تصريح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، جيم ريش، بضرورة طرد روسيا من سوريا، وهو يتعارض مع المقاربة المتوازنة التي تنتهجها الإدارة الانتقالية مع روسيا.

تغامر وتخاطر السلطة الانتقالية في النهج الذي تتبعه في بناء جيش وطني، سواء كان في تسريح من لم تتلطخ أيدهم بدماء السوريين والسوريات خلال حرب النظام البائد على الشعب، أو في عدم استدعاء الضباط الذين انشقوا عن النظام، وقرار ضم الجهاديين الأجانب ضمن كتلة في الجيش هو استكمال لمروحة الأخطاء، وخاصة أنها تتخذ قرارات بغياب مجلس تشريعي، وأي شكل من الرقابة والمساءلة المدنية، مما يجعلها معضلة مركزية في مأسسة التطرف ضمن جيش عقائدي يوالي السلطة، ويحمي مرتكبي الجرائم والانتهاكات ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويطبع مع استمرارية عنف المعسكر الطائفي في سوريا بدلًا من إقامة دولة حديثة قائمة على شرعة حقوق الإنسان والحرية والتعددية السياسية وسيادة القانون.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.