اخر الاخبار

معوقات تشلّ قطاع الكهرباء في سوريا

– محمود العبد الله

تعتمد سوريا في تشغيل جزء كبير من المحطات الكهربائية على الإنتاج المحلي من النفط والغاز الطبيعي، وبعد صراع دام أكثر من عقد من الزمن، تحاول حكومة دمشق اليوم إعادة تفعيل المحطات من جديد، إلا أنها تواجه العديد من التحديات، والمشكلات التقنية واللوجستية.

وفقًا لباحثين، فإن أبرز التحديات التي تواجهها دمشق في زيادة إنتاج الطاقة هي انخفاض الناتج المحلي من النفط ومشتقاته، وتهالك المعدات التقنية، بالإضافة إلى تعرض أغلب مصادر الطاقة في البلاد لأضرار متنوعة، نتيجة المعارك والاشتباكات.

وفي محاولة من حكومة دمشق لزيادة توليد الكهرباء، أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية، في 20 من شباط الماضي، عن افتتاح بئر غاز “تياس 5” ‏التابع للشركة السورية للنفط في ريف حمص غربي سوريا، والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 130 ألف ‏متر مكعب من الغاز يوميًا، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا).

وأشارت إلى أن ربط البئر بالشبكة الغازية في البلاد سيمنح دعمًا لمحطات ‏توليد الطاقة الكهربائية، ما يسهم في تلبية احتياجات المواطنين من الطاقة.

وفي ذات السياق، ذكر مسؤول العلاقات العامة في وزارة النفط، أحمد السليمان، في 22 من شباط، أن استجرار النفط والغاز الطبيعي استؤنف من شمال شرقي سوريا، مشيرًا إلى استخدام بعض من هذه الكميات في محطات توليد الطاقة.

بدوره، دعا وزير النفط والثروة المعدنية، غياث دياب، في 26 من شباط، الشركات التي كانت تعمل في مجال النفط سابقًا للعودة إلى سوريا، والمساهمة في تطوير القطاع الحيوي.

وأشار إلى أن استثمارات الشركات سيكون لها دور مهم في تحقيق التنمية، والنهوض بقطاع النفط والغاز.

لا يكفي

قال الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي ل، إن بدء عمليات استخراج الغاز في سوريا يمكن أن يسهم في تقليل التقنين، لكنه ليس كافيًا لتغطية الاحتياجات الكبيرة في البلاد، لأن حاجة سوريا من الغاز أكبر من الإنتاج الحالي، ويتعلق ذلك في المدة الزمنية لوصول الشحنات من الخارج.

وأضاف الباحث أن معظم الآبار تعاني من انخفاض طاقتها الإنتاجية بسبب تقادمها، بالإضافة إلى تهالك المعدات نتيجة عدم استيراد معدات متطورة، إثر العقوبات التي فرضت على سوريا.

ويرى قضيماتي أن رفع العقوبات يفتح المجال أمام تدخل بعض المنظمات لدعم القطاع الكهربائي، وربما يتيح لسوريا الحصول على تمويل من أصدقاء الشعب السوري لجلب المعدات الحديثة، وإعادة تشغيل المحطات وربطها بسلاسل التوريد للمحافظات.

وتابع أن الأضرار الناتجة عن الصراع تسببت بانخفاض القدرة الإنتاجية، وزيادة الخسائر في النقل والتوزيع.

بنية تحتية مدمرة

وفقًا لتقرير بحثي أجراه باحثون سوريون ضمن مشروع “زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا”، فقد تعرضت محطات توليد الطاقة للقصف بشكل مباشر، ودمرت أجزاء من شبكة النقل والأبراج، بالإضافة إلى استهداف أنابيب الغاز التي تغذي المولدات الكهربائية.

ودمرت ثلاث محطات أساسية لتوليد الكهرباء في أوقات مختلفة، وشملت محطة حلب الحرارية، ومحطة زيزون في إدلب، ومحطة التيم في دير الزور.

وكانت الاستطاعة الاسمية لهذه المحطات مجتمعة تبلغ 1706 ميغاواط قبل الصراع، أي ما نسبته حوالي 18.25% من إجمالي الإنتاج الوطني، وفقًا للدراسة.

في المقابل، بقيت ثماني محطات في الخدمة من أصل 11 محطة تعمل بالوقود الأحفوري.

ومن ناحية أخرى، بقيت السدود الكهرومائية الثلاثة على نهر الفرات تعمل جزئيًا على الرغم من الصيانة غير المنتظمة والإهمال.

وفي عام 2019، أعلنت المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، عن تعرض 165 برجًا من أبراجها البالغ عددها 345 للتدمير أو الضرر أو السرقة.

تسببت الأضرار التي لحقت بخطي التوتر العالي بجهد 400 و230 كيلوفولط بنشوء دارات معزولة، وبفصل محطات الكهرباء الأكبر حجمًا عن باقي الشبكة، والمناطق الحضرية عن المولدات في المناطق الريفية، بحسب ما ذكره التقرير.

معوقات استخراج الغاز

قال الباحث قضيماتي، إنه رغم تعليق أجزاء من العقوبات الأمريكية والأوروبية، فإن سوريا تحتاج إلى زمن لإعادة دراسة وضع الآبار والمعدات اللازمة لرفع الإنتاج المحلي، كما أن حفر آبار جديدة يحتاج إلى دراسات جيولوجية مثبتة.

وأشار الباحث إلى أن الدخول في مرحلة الاستثمار، وإمكانية إبرام عقود مع شركات أجنبية يشكل تحديًا آخر أمام دمشق، لتعلقه بمدة رفع العقوبات إن كانت دائمة أو مؤقتة.

ونوه أيضًا إلى غياب الأنظمة والقوانين المعدلة والمناسبة لدخول الشركات إلى سوريا، وعدم تأمين البنية التحتية التي تتيح لهذه الشركات الاستثمار في البلاد.

ووفقًا لمركز “جسور للدراسات”، فإن  سوريا تواجه العديد من التحديات أمام الوصول إلى الاستثمار الأمثل في قطاع النفط والغاز، مشيرًا إلى الحاجة لهذا القطاع الحيوي اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ومن أبرز هذه التحديات، سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على معظم حقول النفط والمنشآت النفطية، وأكثر من ثلث آبار الغاز تقريبًا.

وكانت “قسد” أوقفت إمدادات النفط والغاز بعد سقوط نظام الأسد، والتي كانت ترسلها للنظام السابق وفق اتفاق  بين الطرفين عام 2012، قبل استئناف العمل به من جديد قبل أيام، بعد إجراء دمشق مراجعة شاملة للعقد.

ويعد النقص في الموارد البشرية والكوادر الفنية تحديًا آخر أمام دمشق، بالإضافة إلى استمرار العقوبات الدولية، وضعف الاستقرار الأمني، والأضرار المادية في البنى التحتية والمنشآت.

وكان نظام الأسد قدّر الأضرار الناتجة عن التخريب والسرقة للمنشآت في قطاع النفط والغاز في نهاية عام 2022، بحوالي 3.2 مليار دولار، والأضرار الناتجة عن “قصف طيران التحالف الدولي للمنشآت” بحوالي 2.9 مليار دولار، بحسب ما نقلته “سانا”.

الاعتماد على الغاز

ازداد الاعتماد السوري على الغاز لتوليد الكهرباء منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بحسب ما ذكره تقرير بحثي صادر عن مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” (WPCS).

وأرجع التقرير الذي نشره المعهد الجامعي الأوروبي (EUI)، سبب الاعتماد على الغاز إلى الانخفاض في إنتاج النفط المحلي، واستخدام المحطات ذات الدورة المركبة لتوليد الكهرباء، وتحسن الوصول إلى الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تصدير سوريا لإنتاجها من النفط مقابل استهلاكها الكامل للناتج المحلي من الغاز.

وبدأ التحول إلى الغاز في العام 2008، بالتزامن مع تطوير حقوله، إذ وصل حجم إنتاج الغاز إلى 10830 مليون متر مكعب عام 2010، مقارنة بـ6240 مليونًا في عام 2008.

ومع استيراد الغاز من مصر عبر خط الغاز العربي تسارعت وتيرة تطوير المحطات، التي ارتفعت حصتها من توليد الكهرباء بنسبة 13% من العام 2008 إلى العام 2011.

ويقدّر الاحتياطي السوري من الغاز الطبيعي بـ240 مليار متر مكعب تقريبًا، ويبلغ الغاز المصاحب منها 60%، بحسب “جسور”.

ويتم إنتاج الغاز السوري من حوالي 28 حقل غاز أو نفط، وغاز مصاحب، تتوزع 19 منها في محافظة حمص و5 منها في محافظة دير الزور و2 في محافظة الرقة و2 في محافظة حماة.

وتراجع إنتاج الغاز السوري اليومي من 30 مليون متر مكعب في عام 2010 إلى 9.1 مليون متر مكعب مطلع 2025.

ويتوزع الإنتاج على 8 ملايين متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها الإدارة السورية الجديدة في دمشق، و1.1 مليون متر مكعب من الحقول والآبار التي تسيطر عليها “قسد”.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *