مع انطلاق الإخبارية السورية.. صحفيون: نريد إعلاماً يشبهنا من إعلام السُلطة إلى سُلطة الإعلام

انطلقت اليوم الإثنين، قناة “الإخبارية السورية” كأول قناة حكومية بعد سقوط نظام الأسد، وهذه الخطوة ليست مجرّد بثّ جديد على شاشة التلفاز، بل إعلان صريح بانتهاء زمن التطبيل والتضليل، وبداية عهد جديد يُفترض أن يحمل راية الصدق، والمساءلة، والجرأة في نقل الحقيقة كما هي، بلا تزييف ولا تجميل، وكما أعلن القائمون عليه من خلال خطاب الانطلاق بأن “الحقيقة ليست وجهة نظر بل التزام أخلاقي”، يأمل السوريون أن تكون هذه القناة منبرهم الجامع.
الإعلام ليس بوقًا للسلطة.. بل عين الناس ولسانهم
عاش السوريون لعقود طويلة في ظلال إعلام مقيّد، أشبه بمكبر صوت للسلطة، يصفّق ويبرّر ويخفي، حتى باتت الكلمة الحرة جريمة، والصوت المعارض خيانة. واليوم، في بعد سقوط النظام البائد الذي هندس الخراب الإعلامي، تظهر الحاجة الملحّة لإعلام وطني لا يخشى الحقيقة، بل يركّز عليها ويعرضها كما هي، سواء أكانت موجعة أو محرجة أو خارجة عن السياق الرسمي.
ودور الإعلام الحقيقي ليس تجميل صورة الحاكم، بل كشف الواقع، وتسليط الضوء على قضايا الناس، ومساءلة المسؤولين، وحماية المجتمع من العودة إلى عبودية الصوت الواحد.
وكما أننا لا نريد قناة جديدة تُعيد إنتاج نفس الخطاب بصيغة أكثر نعومة، بل نريد إعلامًا يطرح الأسئلة المحرّمة، ويحاور الجميع دون اصطفاف، ويعرض الرأي والرأي الآخر دون خوف.
يقول الصحفي والباحث السياسي، أحمد جنيد: “افتتاحية قناة وطنية لأول مرة بعد سقوط النظام لا يمثل فقط تشغيل قناة وإنما هي فرصة للتأكيد على الحرية في سوريا الجديدة، حيث يوصف الإعلام بأنه السلطة الرابعة في الدولة، وفي ظل ما تعيشه سوريا يعوّل على الإخبارية السورية أن تكون الفاتحة لرفع سقف الحريات في الاعلام السوري، وفي ذات الوقت أن تملك القدرة على نقل جميع الأصوات بأنصاف دون مواربة”.
ويضيف: “النظام البائد ترك إرثاً معقداً للغاية بخصوص الإعلام الوطني لكن أعتقد أن الإخبارية والقائمين عليها أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم الصورة من جديد في العقل الجمعي حول الإعلام، وبرأيي إذا نفّذت الإخبارية الجملة التي ظهرت في بداية افتتاحها والتي تقول “صوت الناس لا صوت السُلطة” فأننا سنكون قد حققنا إنجازاً مهمّاً في أحد أعمدة الحرية في سوريا الجديدة”.
وبالتأكيد لا قيمة لإعلام لا يزعج، ولا فائدة من منبر لا يواجه، فالإعلام في مرحلة ما بعد الطغيان ليس ترفًا ولا واجهة، بل ضرورة لبناء دولة قانون ومجتمع حر.
وتبقى مسؤولية الإعلام أن يواكب المرحلة الانتقالية بأدوات مهنية وأخلاقية عالية، من مصداقية لا تساوم، واستقلالية لا تُباع، وجرأة لا تنكسر.
رفع سقف الحريات الإعلامية ضرورة لا خيار
وفي زمن يتوق فيه السوريون للحرية بعد القمع، يجب أن يكون الإعلام جزءًا من معركة الوعي، لا أداة للضبط والسيطرة، ورفع سقف الحريات ليس تهديدًا للاستقرار، بل حماية له، حيث أن الإعلام يجب أن يحترم وعي الناس، ويفسح المجال للنقد والتعددية، ويؤمن بأن الحقيقة، لا الولاء، هي أساس بناء المستقبل.
وعلى قناة “الإخبارية السورية” أن تدرك أن مشروعها ليس مجرد اسم أو توقيت، بل مسؤولية ثقيلة أمام شعب نُكّل به إعلاميًا كما نُكّل به عسكريًا وسياسيًا، وإن صدقوا النية، فعليهم أن يفتحوا الملفات كافّة، وأن ينقلوا آهات المكلومين من أي عرقٍ أو دين، وأن يعرضوا شهادات من عاشوا في الظل طويلاً، بلا خوف من مسؤول، ولا مجاملة لرمز، ولا تقديس لأي سُلطة مهما كانت.
ومن جانبه يقول الصحفي فارس المغربي: ” هذه بداية لمرحلة إعلامية جديدة تُبنى على حرية الكلمة واحترام العقل، لا على الترويج والتلميع والإملاءات الخارجية. اليوم، وبعد ثمن باهظ دفعه الشعب السوري، لا يجوز أن نعيد إنتاج نفس المنظومة القديمة بأساليب جديدة، والمطلوب هو إعلام وطني مستقل، يكون فيه الولاء للدولة والشعب فقط، لا للأشخاص ولا للجهات”.
ويضيف: “هذه القناة يجب أن تكون منبرًا لكل السوريين، تعكس تنوّعهم، آلامهم، وآمالهم، ويجب ألا تُدار بالمحسوبيات، ولا تُمنح المناصب فيها كمكافآت على الولاءات، بل بالكفاءة، والنزاهة، والتاريخ النضالي، ولا يحق لأحد أن ينسى أو يتجاهل الصحفيين الأحرار الذين دفعوا حياتهم، وحريتهم، أو استقرارهم ثمنًا ليصل صوت الحقيقة للعالم، وهؤلاء هم من أسسوا الطريق، وهم الأحق بأن يُصان تضحيتهم بإعلام يليق بتلك الدماء والآهات”.
ويشدد “نريد إعلامًا يشبه شعبنا، حرٌ، عنيدٌ، جريءٌ، لا يخشى الحقيقة، ولا يُدار بالريموت.”
ويجمع السوريون على أن الإعلام اليوم ليس في موقع مرافقة السلطة، بل في موقع رقابتها، والمطلوب ليس التهليل لوجوه جديدة، بل تفكيك المنظومة التي كممت الأفواه لسنين، فلا نريد بديلاً ناعمًا للدعاية، بل منصة حقيقية لصناعة وعي حرّ، لأن الشعوب التي تستعيد حريتها لا تحتمل إعلامًا مكبّلًا مرة أخرى.
إعداد: جهاد عبد الله فارس المغرب أحمد جنيد
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية