مع مهلة 48 ساعة.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسياً فرنسيا وتوضح السبب

طلبت الجزائر من 12 موظفا في سفارة فرنسا مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة على ما أعلن وزير الخارجية الفرنسي جاننويل بارو، الإثنين، موضحا أن القرار رد على توقيف 3 جزائريين في فرنسا.
وقال بارو في تصريح مكتوب وجه إلى صحفيين: “أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية” في فرنسا.
وأضاف: “في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا لن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فورا”.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر دبلوماسي أن القرار الجزائري تم إبلاغه رسميًا للبعثة الدبلوماسية الفرنسية، دون أن تُقدّم الحكومة الجزائرية حتى الآن توضيحا رسميا لأسباب هذا الإجراء.
وتأتي هذه الخطوة في ظل فتور يسود العلاقات بين البلدين منذ أشهر، وسط خلافات متكررة حول ملفات الهجرة والتأشيرات، وملف الذاكرة الاستعمارية، إضافة إلى المواقف المتباينة بشأن قضايا إقليمية مثل ليبيا ومنطقة الساحل.
وتعتبر العلاقات بين فرنسا والجزائر علاقة معقدة ومتعددة الأوجه، تحمل في طياتها إرثاً استعمارياً دام 132 عاماً، وحرب استقلال دموية، وتفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية مستمرة حتى اليوم. تشكّل هذه العلاقات محوراً رئيسياً في فهم التاريخ الحديث للجزائر وموقعها في المتوسط، كما تُلقي الضوء على تحولات السياسة الفرنسية تجاه مستعمراتها السابقة.
المرحلة ما قبل الاستعمار (قبل 1830)
القرن 1618: كانت الجزائر جزءاً من الدولة العثمانية تحت اسم “إيالة الجزائر”، واشتهرت بسواحلها التي شهدت صراعات مع القوى الأوروبية بسبب نشاط القراصنة (القرصنة البحرية).
العلاقات التجارية والدبلوماسية: أقامت فرنسا علاقات دبلوماسية مع إيالة الجزائر، خاصة لضمان أمن سفنها في المتوسط. لكن التوترات تصاعدت بسبب الديون الفرنسية للجزائر، والتي استخدمتها فرنسا كذريعة لاحقاً لغزوها.
الاستعمار الفرنسي (18301962)
الغزو الفرنسي (1830): احتلت فرنسا الجزائر تحت حكم شارل العاشر، بدعوة “حملة تأديبية” ضد الداي حسين، لكن الهدف الحقيقي كان توسيع النفوذ الاستعماري.
المقاومة الشعبية: قاد الأمير عبد القادر الجزائري مقاومة مسلحة بين 18321847، قبل أن يتم إخمادها بوحشية.
نظام الاستيطان: حوّلت فرنسا الجزائر إلى “مقاطعة فرنسية”، وصادرت الأراضي لصالح المستوطنين الأوروبيين (الكولون)، بينما عانى الجزائريون من التهميش والقانون العنصري (كـ “مرسوم كريميو” 1870).
الثورة الثقافية والسياسية: ظهرت حركات وطنية مثل “نجم شمال إفريقيا” و”حزب الشعب الجزائري” في القرن العشرين، مطالبة بالحقوق أو الاستقلال.
حرب التحرير الجزائرية (19541962)
اندلاع الثورة: بدأت جبهة التحرير الوطني (FLN) الكفاح المسلح في 1 نوفمبر 1954، مما أدى إلى حرب دامية خلفت أكثر من مليون شهيد جزائري.
القمع الفرنسي: استخدمت فرنسا التعذيب والاعتقالات الجماعية، كما في “معركة الجزائر” (1957).
مسار التفاوض: بعد وصول ديغول إلى السلطة (1958)، بدأت مفاوضات سرية، توجت بتوقيع “اتفاقيات إيفيان” في مارس 1962، والتي أقرت باستقلال الجزائر في 5 يوليو 1962.
مرحلة ما بعد الاستقلال (19622025)
الهجرة والاقتصاد: هاجر ملايين الجزائريين إلى فرنسا للعمل، بينما حافظت الجزائر على شراكات اقتصادية مع فرنسا، خاصة في الطاقة.
التوترات السياسية: شهدت العلاقات أزمات متكررة، مثل أزمة “الفيزا” (1986)، وتصريحات حول الاستعمار، وقضايا الذاكرة مثل مجازر 8 مايو 1945 و17 أكتوبر 1961 في باريس.
المصالحة والذاكرة: في 2005، أقرت فرنسا قانوناً يمجد الاستعمار، مما أثار غضب الجزائر. لكن في 2017، اعترف الرئيس ماكرون بـ “جرائم ضد الإنسانية” خلال الاستعمار، وفي 2021، سلّم تقرير “ستورا” توصيات لطي صفحة الماضي.
التعاون الحالي: تشمل العلاقات اليوم شراكات في مكافحة الإرهاب، والطاقة (الغاز الجزائري)، والتبادل الثقافي، رغم استمرار الجدل حول الاعتذار الرسمي وتعويض ضحايا الاستعمار.
التحديات والآفاق
قضايا عالقة:
المطالبة الجزائرية بالاعتذار الرسمي وتعويضات.
النقاش حول الأرشيف الاستعماري ورفات المقاومين المحفوظة في متاحف فرنسية.
تأثير الخطاب السياسي الشعبوي في كلا البلدين على العلاقات.
فرص التعاون: مع الأزمات العالمية (كوباء كورونا وأزمة الطاقة)، تظهر الحاجة لتعزيز الشراكة في مجالات الطاقة النظيفة والاستثمارات التكنولوجية.
وتعتبر العلاقات الفرنسيةالجزائرية مثال صارخ على إرث استعماري لا يزال يُشكّل الهويات والسياسات في كلا البلدين. بينما تتقدم الجهود نحو المصالحة، تبقى القضايا التاريخية والذاكرة الجماعية حاجزاً يحتاج إلى شجاعة سياسية لاجتيازه، مما يفتح الباب لعلاقة أكثر توازناً تقوم على الاحترام المتبادل.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية