اخر الاخبار

مفاوضات دمشق- “قسد”.. بانتظار “الصفقة”

الد الجرعتلي | حسن إبراهيم | علي درويش

يتداخل ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على مناطق شرق الفرات شمال شرقي سوريا، مع مصالح تركيا والولايات المتحدة في سوريا، إذ تراه أنقرة مرتبطًا بأمنها القومي، وتنظر إليه واشنطن على أنه شراكة استراتيجية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما يقع على رأس أولويات دمشق التي تهدف لعبور نهر الفرات واستعادة المناطق الغنية بالنفط والأراضي الزراعية.

وفي ظل إشارات متضاربة ترسلها “قسد” حول موقفها من المفاوضات مع دمشق، وضغوط تتعرض لها من الشمال، تتجلى بهجمات من فصائل “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه أنقرة، يبقى الملف عالقًا، دون حصول أي تقدم عملي فيه مع مضي أكثر من شهر على بدايته.

ورغم عدم التوافق، وتناقض الاصطفافات بين “قسد” وأنقرة وواشنطن، نفذت تركيا ضد “قسد” ثلاث عمليات في الشمال السوري، بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري”، هي “درع الفرات” 2016، وغصن “الزيتون” 2018، و”نبع السلام” 2019، وتلوّح بين وقت وآخر بشن عمليات أخرى، عدا عن استهداف مستمر لأفراد وشخصيات قيادية في حزب “العمال” ومواقع عسكرية ومنشآت حيوية ومصادر دخل وطاقة.

ومع تطور الأحداث في المنطقة، أدى سقوط نظام بشار الأسد إلى تغير توازن القوى على الجغرافيا السورية، وأصبحت دمشق الآن بيد حكومة أفرزتها “إدارة العمليات العسكرية” اعتمادًا على كوادر حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب سابقًا.

الحكومة الجديدة تواجه العديد من الصعوبات على رأسها القطاعان الأمني والعسكري، تزامنًا مع محاولة وزارة الدفاع إجراء محادثات مع الفصائل العسكرية ومنها “قسد” بشكل مباشر، تجنبًا لصدام عسكري في هذه المرحلة، إذ تغلّب الحكومة الجانب التفاوضي مع “قسد”، وفق ما قاله وزير الدفاع المعيّن حديثًا بإدارة دمشق، مرهف أبو قصرة.

تناقش في هذا الملف أجواء الحوار القائم بين “قسد” وحكومة دمشق، والمخاوف القائمة من حصول صدام عسكري بين الأطراف التي تشكل كبرى القوى العسكرية في سوريا اليوم، والمواقف الدولية المتغيرة بناء على المعطيات المفروضة على الأرض، إلى جانب مستقبل الحوار القائم بين الجانبين، اعتمادًا على آراء خبراء وباحثين، ومراقبين للوضع عن قرب.

ما فحوى المفاوضات

مع شحّ المعلومات حول هذه المفاوضات بين دمشق و”قسد”، يخوض دبلوماسيون وعسكريون من الولايات المتحدة، وتركيا، والإدارة السورية الجديدة، و”قسد” التي يقودها الكرد، محادثات منذ كانون الأول 2024، ترمي لتجنيب المنطقة نزاعًا مسلحًا جديدًا، ويبدون قدرًا أكبر من المرونة والصبر مما تشير إليه تصريحاتهم العامة.

ويتجه المفاوضون وفق ما ذكرته وكالة “رويترز” سابقًا نقلًا عن مصادر (لم تسمّها)، جزء منها كان طرفًا في المفاوضات، نحو التوصل لاتفاق محتمل لحل واحدة من أكثر القضايا الشائكة التي تلوح في الأفق بشأن مستقبل سوريا، وهو مصير “قسد” التي تعتبر حليفًا لواشنطن، وعدوًا لتركيا.

ونقلت “رويترز” عن ستة من المصادر، أن المفاوضات قد تمهد الطريق لاتفاق في الأشهر المقبلة، من شأنه أن يدفع ببعض المقاتلين الكرد لمغادرة شمال شرقي سوريا، ويضع آخرين تحت سلطة وزارة الدفاع الجديدة.

وأضافوا أن هناك العديد من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى حل، وتشمل هذه القضايا كيفية دمج مقاتلي تحالف “قسد” المسلحين والمدربين جيدًا، في الإطار الأمني ​​السوري وإدارة الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، التي تشمل حقول النفط والقمح الرئيسة.

سبق أن أبدى قائد “قسد”، مظلوم عبدي، استعداده لاندماج عسكري مع المعارضة السورية، عندما قال لصحيفة “التايمز” البريطانية، قبل نحو شهر، إن قواته المكونة من 100 ألف عنصر مستعدة لحل نفسها، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد.

ومؤخرًا تجاوز عبدي استعداد فصيله لحل نفسه، ورفض الانضمام للجيش الجديد كأفراد، إنما ككتلة عسكرية.

وسبق أن نقلت “رويترز” أيضًا، عن مسؤول في حزب “العمال الكردستاني” (لم تسمِّه) قوله، في 16 من كانون الثاني الحالي، إن “الحزب” سيوافق على مغادرة شمال شرقي سوريا إذا احتفظت “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة بدور قيادي.

وأضاف المسؤول الذي يشغل منصبًا في المكتب السياسي لـ”قسد”، أن “أي مبادرة تؤدي إلى حكم شمال شرقي سوريا تحت سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، أو يكون لها فيها دور كبير في القيادة المشتركة، ستقودنا إلى الموافقة على مغادرة المنطقة”.

وعلى الجانب الآخر، ترى وزارة الدفاع في الإدارة السورية الجديدة أن “قسد” تماطل في المفاوضات المتعلقة بإعادة هيكلة القوات العسكرية في الجيش السوري.

وقال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، إنه لن يكون من الصواب أن تحتفظ “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، بكتلتها الخاصة داخل القوات المسلحة السورية.

وأضاف لوكالة “رويترز” أن قيادة “قسد” تماطل في تعاملها مع هذه القضية المعقدة، في إشارة إلى مفاوضات الاندماج مع وزارة الدفاع.

وقال أبو قصرة، “نحن نقول إنهم سيدخلون ضمن هيكلية وزارة الدفاع، وسيتم توزيعهم بطريقة عسكرية، وليس لدينا أي مشكلة في هذا الأمر”.

واعتبر أن الطرح الذي يتحدث عن بقاء “قسد” ككتلة عسكرية داخل وزارة الدفاع، “ليس صحيحًا”.

وسبقت حديث أبو قصرة شروط طرحها قائد الإدارة الجديدة في دمشق، أحمد الشرع، إذ أشار إلى ضرورة وجود قواعد أساسية لحل المشكلة القائمة شمال شرقي سوريا، أولاها ألا يكون هناك تقسيم في سوريا بأي شكل من الأشكال، حتى لو كانت بشكل فيدرالي.

كما اشترط الشرع مغادرة المسلحين الأجانب الذين يتسببون بمشكلات لدول مجاورة، إلى جانب أن السلاح يجب أن يكون محصورًا بيد الدولة فقط.

قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (Getty Images/ economist)

قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (Getty Images/ economist)

هل تصطدم الأطراف

في مقابلة أجرتها قناة “A haber” التركية مع أحمد الشرع، في 23 من كانون الثاني الحالي، قال إنه تحدث إلى حزب “العمال الكردستاني” (في إشارة إلى “قسد”) بعد دخول دمشق، لكن “الحزب” لم يقبل بحل نفسه وتسليم السلاح بعد.

وأضاف أنه عازم على حل المشكلة المتعلقة بشمال شرقي سوريا بالتعاون مع تركيا وإيجاد حل وسطي، لافتًا إلى أنه لا يمكن لأحد أن يحمل السلاح خارج إطار الدولة.

وأشار الشرع إلى أن أطرافًا حاولت استغلال الحرب منذ البداية لمصلحتها وتنظيم نفسها، بدعم غربي.

وحمل حديث الشرع تصعيدًا باللهجة، إذ قال، “نترك مجالًا للتفاوض مع (قسد)، ونمتلك الحق في استخدام الوسائل كافة لاستعادة وحدة أراضينا”.

استبعد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، احتمالية نشوب صدام عسكري، لافتًا إلى أن لا بوادر تدل على هذا الاحتمال حتى الآن.

وأضاف الباحث المتخصص في شؤون العلاقات المدنية- العسكرية ل، أن الإدارة الجديدة تتفادى إراقة الدماء لحسم أي صراع حتى الآن، لكن الخيار العسكري يبقى قائمًا في حال عدم التوصل إلى حل.

وفي الوقت نفسه، يرى المصطفى أن الخلافات الحالية ليست عسكرية فقط، بل تمتد للجوانب السياسية أيضًا، وبالتالي فإن ملف المفاوضات معقد ويحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تقلص الأطراف فجوة الخلافات القائمة بينها واحدة تلو الأخرى.

وعلى الصعيد العسكري، يكمن الخلاف الرئيس حول انضمام “قسد” للجيش السوري الجديد ككتلة رئيسة، وهو ما ترفضه الإدارة الجديدة بالمطلق، وهو خلاف لا يعتبر خاصًا بـ”قسد” لوحدها، بل يمتد ليشمل جميع الفصائل العسكرية.

أما من ناحية الخلاف السياسي، فيكمن في موضوع الفيدرالية التي تطالب بها “قسد”، ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية”، وهو وضع غير مقبول في دمشق، وليس خاصًا بـ”قسد” وحدها، بل يشمل أي منطقة سورية أخرى أيضًا.

من جانبه، يرى الباحث في الشأن العسكري بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، أن الإدارة في دمشق تسعى كي لا تصل الأمور إلى الصدام العسكري، وتعمل وفق معايير الجيوش العالمية التي تعكس حالة المواطنة الكاملة الموجودة في البلاد.

وقال حوراني ل، إن دمشق تحاول مع مرور الوقت تحويل “قسد” لكتلة ضعيفة غير مؤثرة، من خلال دعم الانشقاقات فيها، وبالتالي دفعها للاندماج غير المشروط في الجيش السوري الوليد.

ولفت إلى أن الإدارة في دمشق تقدّر الضغوط الخارجية على “قسد”، وتتعامل بمرونة معها ريثما ترتب أوراقها، رغم أنها تريد في الوقت عينه ألا تطول المسألة لتلتفت إلى مسائل تتعلق ببسط الأمن والتنمية والإعمار.

يقف أحد أفراد قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة السورية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد- 11 كانون الأول 2024 (رويترز)يقف أحد أفراد قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة السورية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد- 11 كانون الأول 2024 (رويترز)

يقف أحد أفراد قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة السورية بعد سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد- 11 كانون الأول 2024 (رويترز)

لطالما كان ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إحدى أبرز القضايا الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعود جذورها لعام 2014، حين قرر الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، اعتماد “وحدات حماية الشعب” (YPG)، الذي يشكل نواة “قسد”، شريكًا وحليفًا لواشنطن لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو ما يتعارض مع رؤية أنقرة التي تعتبر “قسد” وعمادها العسكري “وحدات الحماية” منظمة “إرهابية” وامتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”.

أوراق أردوغان على طاولة ترامب

مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، تحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن اتصاله بترامب، والرغبة بتجديد التعاون بين الطرفين، وتركزت المطالب التركية حول وقف دعم واشنطن لـ”وحدات حماية الشعب”، ومناقشة انسحاب محتمل للقوات الأمريكية من سوريا.

توالت المطالب التركية في هذا الصدد، وذكر أردوغان في تصريح أنه يريد وضع مناقشة وقف الحروب والسلام وتوقف دعم أمريكا لحزب “العمال الكردستاني” على الطاولة في اجتماعاته مع ترامب، مؤكدًا أهمية مواصلة “الصداقة” مع واشنطن كما كانت في فترة ولاية ترامب الأولى.

ومع سقوط بشار الأسد، واستعداد ترامب لسحب القوات الأمريكية (في السابق)، ترى تركيا فرصة لاستخدام “الجيش الوطني السوري” للقضاء على “قسد ” والتخلّص أخيرًا من التهديد الأمني ​​القادم من الجنوب، وفق مقال كتبه ستيفن كوك، وهو زميل أقدم في زمالة “إيني أنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في “مجلس العلاقات الخارجية”.

وقال كوك، إنه من وجهة نظر تركيا، تبدو هذه لحظة مواتية لتوجيه ضربة مدمرة لـ”وحدات حماية الشعب”، لكن هناك بعض القضايا التي تزيد من تعقيد هذا السيناريو المباشر، أولاها عدم قبول الكرد طوعًا تدمير أنفسهم، فهم يمتلكون القدرة على الرد، وهو ما يعرض تركيا لاحتمالات غير محسوبة، تتمثل في الاضطرار إلى خوض صراع عصابات على جبهتي سوريا والعراق، حيث يتحصن حزب “العمال الكردستاني”.

ثانيًا، “هيئة تحرير الشام” أبرز فصائل “إدارة العمليات العسكرية” في سوريا، ليست بالضرورة شريكًا في جهود تركيا لتصفية “الوحدات”.

قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق - 22 كانون الأول 2024 (القيادة العامة)قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق - 22 كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق – 22 كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

أمريكا مستمرة بدعم “قسد”

منذ 2014 (حين دعمت واشنطن وحدات الحماية الكردية)، تعاقبت أربع إدارات أمريكية، هي إدارة باراك أوباما، ودونالد ترامب الأولى، وجو بايدن، والإدارة الجديدة مع عودة ترامب إلى السلطة، وسط تكهنات وانقسامات في أروقة الإدارة الأمريكية حول بقاء قواتها في سوريا، ودعمها لـ”وحدات حماية الشعب”، وطبيعة التعامل مع أنقرة، والتلويح بعقوبات بحق تركيا.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أكد على استمرار الشراكة الأمريكية مع “قسد”، وذكر أن واشنطن تريد من “قسد” التركيز على محاربة تنظيم “الدولة”، وأن الوجود الأمريكي في سوريا يهدف إلى منع تنظيم “الدولة” من إعادة تجميع صفوفه في أعقاب سقوط بشار الأسد.

وأشار كيربي إلى تفهم المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على طول تلك الحدود، وأكد أن أنقرة تتمتع بحق مشروع في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات “الإرهابية”، لافتًا إلى وجود محادثات نشطة مع الأتراك حول “كيفية قيامنا بذلك، وكيف يقومون بذلك”.

عضوا مجلس الشيوخ، الديمقراطي كريس فان هولن، والجمهوري ليندسي غراهام، قدّما، في 20 كانون الأول 2024،  مشروع قانون من الحزبين تحت اسم “قانون مواجهة العدوان التركي لعام 2024″، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل مع تركيا من خلال الوسائل الدبلوماسية، لتسهيل وقف إطلاق النار المستدام والمنطقة منزوعة السلاح على طول الحدود بين تركيا وسوريا، وخاصة مدينة كوباني.

وفق هولن وغراهام، تسعى هذه العقوبات إلى منع المزيد من الهجمات التركية أو المدعومة من تركيا على “قسد”، والتي تهدد بإعادة ظهور تنظيم “الدولة”، ما يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وبقية العالم، قائلين “إننا لا نزال نأمل في التوصل إلى حل سلمي للمشكلات التي تعاني منها سوريا”.

هل تتوافق أنقرة وواشنطن شرقي سوريا

الزميل المشارك في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في معهد “كينجز كوليدج” بلندن بروديريك ماكدونالد، قال ل، إن السياسة الأمريكية تجاه سوريا تظل مسألة تلوح في الأفق بالنسبة لإدارة ترامب الجديدة.

وفي حين أعرب وزير الخارجية الجديد، ماركو روبيو، عن تأييده لاستمرار الولايات المتحدة في دعم “قسد” التي يقودها الأكراد، فإن قطاعات أخرى من إدارة ترامب، مثل مايكل ديمينو (مستشار رئيس لسياسة الشرق الأوسط في البنتاجون)، تؤيد تقليص القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، باعتبارها هدفًا يمكن الوصول إليه بسهولة لإيران والجماعات التابعة لها.

 

من المرجح أن تكون هناك انقسامات داخلية بين الأجنحة المختلفة لإدارة ترامب حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا في الأسابيع والأشهر المقبلة مع استقرار الإدارة الجديدة في الحكومة.

بروديريك ماكدونالد

زميل مشارك في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية بمعهد “كينجز كوليدج” بلندن

 

ويرى ماكدونالد أن الجهود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا حاسمة لإيجاد حل دائم يحمي وحدة سوريا، ويضمن معالجة المخاوف الأمنية التركية.

وأضاف أن أي اتفاق من هذا القبيل، لابد أن يركز على تهدئة الاشتباكات الجارية بين “قسد” و”الجيش الوطني السوري”، وإيجاد آلية دائمة لضمان الإدارة الآمنة لمراكز الاحتجاز التي تحتجز معتقلي تنظيم “الدولة”، وضمان هيكل حكم شامل في دمشق يشرك بشكل هادف جميع أجزاء المجتمع السوري.

ويعتقد الباحث أنه سيكون من الصعب التوصل إلى أي اتفاق، فهو أمر بالغ الأهمية لضمان وحدة سوريا، ومنع خلايا تنظيم “الدولة” في شرقي سوريا من الظهور مجددًا، واستغلال الفراغات الأمنية الناشئة.

ما تريده واشنطن وما ترضاه أنقرة

تتابع أنقرة المفاوضات بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة باهتمام كبير وربما بشيء من الشك أيضًا، وفق ما تراه الباحثة والصحفية الهولندية رينا نيتجيس، وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة وفرنسا جاهدتين التوسط في صفقة بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام”، وسبق أن عقدت اجتماعات بين الطرفين.

نيتجيس قالت ل، هناك في كلا المعسكرين أشخاص يعارضون الطرف الآخر، ويمثل ذلك إحدى العقبات الرئيسة بين دمشق و”قسد” في كيفية اندماج الأخيرة بالقوة العسكرية التي يجري بناؤها حديثًا.

وتعتقد الباحثة أن من الجيد إبراز الدفع الأمريكي لـ”قسد” باتجاه عقد صفقة مع الأحزاب الكردية السورية الأخرى مجتمعة في “المجلس الوطني الكردي”، لكن هذا الدفع فشل، بعد سنوات من المحاولات.

وأشارت إلى تصريح المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، عندما قال لوكالة “رووداو”، “لقد حاولنا عدة مرات، وحاول العديد من أصدقائنا هنا في أربيل أيضًا، لقد كانت جهودًا كبيرة. أعتقد أن المشكلة ليست مع الناس في شمال شرقي سوريا، ولكن المشكلة مع الناس في قنديل”.

وذكر جيفري أن من هم في قنديل “لا يريدون على الإطلاق رؤية هذا يحدث (في إشارة إلى التوافق الكردي الداخلي)، يبدو أن قنديل ضد ذلك وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيس”.

وتعتقد نيتجيس أن ما سيحدث في شمال شرقي سوريا يعتمد إلى حد كبير على ما تريده الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء كانت ستستمر بدعم “قسد” كما فعلت سابقًا، أم تريد الآن العمل مع الحكام الجدد في دمشق.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدث مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال اجتماع مع وزراء خارجية مجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة جنوبي الأردن - 14 كانون الأول 2024 ( ANDREW CABALLERO-REYNOLDS/Pool via REUTERS)وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدث مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال اجتماع مع وزراء خارجية مجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة جنوبي الأردن - 14 كانون الأول 2024 ( ANDREW CABALLERO-REYNOLDS/Pool via REUTERS)

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدث مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال اجتماع مع وزراء خارجية مجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة جنوبي الأردن – 14 كانون الأول 2024 ( ANDREW CABALLERO-REYNOLDS/Pool via REUTERS)

تواجه الحكومة الجديدة العديد من الصعوبات على رأسها القطاعان الأمني والعسكري، تزامنًا مع محاولة وزارة الدفاع إجراء محادثات مع الفصائل العسكرية بشكل مباشر، أو عبر وسطاء كما يتم مع “قسد”، دون الوصول إلى صدام عسكري في هذه المرحلة على أقل تقدير، إذ تغلّب الحكومة الحوار مع “قسد”، وتستبعد خيارات الصدام.

افتراضات تتحكم بقرار “قسد”

تتحكم افتراضات سياسية واجتماعية واقتصادية لا تزال موجودة في منطقة شمال شرقي سوريا، بمسار التفاعل السياسي بين “قسد” ودمشق، وفق ما يراه مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع.

وقال طلاع ل، إن الإطار السياسي لإدارة هذه المناطق الذي تعتمده “قسد” لطالما أخفق في معظم الاستحقاقات السابقة سواء السياسية أو الأمنية، ما يؤكد على أنه إطار شكلي ليس إلا، ويتحكم به حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي ويبنى بشكل مباشر باتجاه واحد، وبنظرة “شمولية”.

حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) وذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) يعتبر عماد “قسد”، ويلعب قادته دورًا بارزًا في إدارة “الإدارة الذاتية” (مظلة قسد السياسية)، سواء في الأمور الخدمية أو السياسية إلى جانب دوره الكبير في المجال العسكري والأمني.

وأضاف طلاع أن “الإدارة الذاتية” ومن خلفها “الاتحاد الديمقراطي”، ومن خلال سعيهما لتحسين سياق التحالفات المحلية سواء مع العشائر أو حتى مع المكوّن الكردي، تسعى إلى كسب ود الحليف الأمريكي ليس إلا، وعلى حساب تقديم أي شيء في سياق تحسين واقع التحالفات، لافتًا إلى أن ما حدث في اتفاق “هولير 1″ و”وهولير 2” (الحوار الكردي- الكردي) هو شاهد على هذه الفرضية نفسها حتى اللحظة.

اجتماع هولير، هو اجتماع للحوار بين “المجلس الوطني الكردي” والأحزاب الكردية العاملة في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” تحت قيادة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، برعاية زعيم كردستان العراق، مسعود برزاني.

عقد “هولير 1″ في حزيران 2012، و”هولير 2” في كانون الأول 2013، وتهرّب حزب “الاتحاد الديمقراطي” من تطبيق بنود الاتفاق خاصة المتعلقة بمشاركة الطرفين في إدارة المنطقة.

ويرى الباحث أن منظور “الإدارة ذاتية” لمعطيات المشهد السوري عمومًا لا يزال غير ناجح على المستوى الوطني، ويعتمد على مقاربات “تخطف القضية الكردية وتجعلها وفق تفسيراتها (الإدارة الذاتية) فقط”.

 

نظرة “الإدارة ذاتية” إلى معطيات المشهد السوري عمومًا لا تزال غير ناجحة على المستوى الوطني، وتعتمد على مقاربات تخطف القضية الكردية وتجعلها وفق تفسيراتها (الإدارة الذاتية) فقط، كما تخطف مفهوم الحوكمة وتختصرها في ذاتها، وتحاول أن تملي أي شيء على دمشق من خلال هذا المنظور.

معن طلاع

مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”

 

ولفت طلاع إلى أن إخفاق النظرة الوطنية إلى حد بعيد يعود إلى عدم قدرة “قسد” على قراءة المشهد السياسي، لا سيما بعد سقوط النظام وما تعنيه هذه المرحلة”.

مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية خلال حملة أمنية شرقي محافظة الحسكة- 11 من تشرين الثاني 2024 (قسد)مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية خلال حملة أمنية شرقي محافظة الحسكة- 11 من تشرين الثاني 2024 (قسد)

مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية خلال حملة أمنية شرقي محافظة الحسكة- 11 من تشرين الثاني 2024 (قسد)

تحرك “قسد” نحو مكونات المنطقة

واجهت “قسد” خلال السنوات الماضية اتهامات بإقصاء باقي المكونات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة المكونات السياسية، سواء الكردية أو العربية، وأنها أفشلت كل محاولات الحوار معها.

“المجلس الوطني الكردي” منذ 2012 وبرعاية من رئيس إقليم كردستان العراق السابق، مسعود برزاني، دخل في عملية تفاوض مع حزب “الاتحاد الديمقراطي” لكن هذه المفاوضات فشلت عدة مرات.

مؤخرًا، وبعد سقوط بشار الأسد، اقترح برزاني استئناف الحوار وتوحيد الأحزاب الكردية “في سياق وحدة الصف الوطني السوري العام، والسعي للتوافق”، وفق عضو “المجلس الوطني الكردي”، عبد الله كدو.

وقال كدو ل، إن الحوار المقترح من قبل برزاني، يهدف أيضًا إلى وضع رؤية مشتركة حول حل القضية الكردية، بما ينطوي على الاعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي، وحقوقه القومية ومنها الثقافية واللغوية ضمن سوريا الموحدة أرضًا وشعبًا، وذلك بالحوار والتوافق مع الإدارة السورية الجديدة، ودعمها في تثبيت الاستقرار والنهوض بالبلاد.

كدو أشار إلى أن برزاني لديه علاقات وتواصل وتشاور مع القوى الفاعلة المحلية السورية، ومنها الإدارة الجديدة، والإقليمية (تركيا)، والدول العربية والغربية.

ولم يناقش “المجلس الوطني الكردي” مطالب “قسد”، وربما تتناول قيادة “قسد” مع قيادة “المجلس” قريبًا ما توصلت إليه من تواصلها ولقاءاتها مع الإدارة السورية، وما تطرحه “قسد” بشكل عام حول واقعها ومستقبلها.

وكشف كدو عن عقد لقاءات لقيادتي “المجلس الوطني” و”قسد” قريبًا، تناقش المواضيع المتعلقة بـ”وحدة الصف الوطني الكردي السوري”، ويفترض أن يكون للتحالف الدولي دور بإيجاد الحل في تلك المنطقة.

وبالنسبة للعشائر العربية في المنطقة، حاولت “قسد” التقرب منها في الأشهر التي سبقت سقوط الأسد، نتيجة مسار التقارب التركي مع النظام المخلوع، وتهديدات تركيا المتتابعة بشن عمل عسكري على غرار عمليتي “غصن الزيتون” في عفرين عام 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات عام 2019.

التقى عبدي مع وفود من العشائر التي قدمت له العديد من المطالب، منها الإفراج عن سجناء، وهو ما بادر به عبدي عبر إصدار “الإدارة الذاتية” عفوًا عامًا في 17 من تموز 2024.

تقوم العلاقة بين “قسد” و”المجلس الوطني الكردي” على خلافات عمرها سنوات، تمتد إلى داخل إقليم كردستان العراق حيث الخلاف بين تيارين كرديين، هما “البرزانيون” (يمثلهم مسعود برزاني حاليًا)، و”الطالبانيون” (يمثلهم بافل طالباني).

وتتحالف “قسد” مع “الطالبانيين” ومقرهم في مدينة السليمانية بكردستان العراق، وهم متحالفون أيضًا مع حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، بينما يميل “الوطني الكردي” لـ”البرزانيين” المقربين من تركيا.

ونشبت خلافات بين “قسد” و”الوطني الكردي”، انتهت بمنع “المجلس” من الانخراط بأي شكل من إشكال إدارة شمال شرقي سوريا، كما عملت مجموعات عسكرية موالية لـ”قسد” ومكوناتها على اعتقال أعضاء من “المجلس”، ولا يزال جزء منهم في السجون حتى اليوم.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *