اخر الاخبار

مقابلات إعلامية تتحول إلى محاكمات علنية في سوريا

– حسن إبراهيم

من داخل غرفة وبحضور عناصر من إدارة الأمن العام السوري، أطل إعلاميون عبر عدسات كاميراتهم، وعرضوا فيديوهات متفرقة لمقابلات إعلامية حول ملابسات القبض على المتورط بانتهاكات بحق السوريين تيسير محفوض.

هذه المقابلات أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الصحفية والحقوقية، وانتقادات بخرق المعايير المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي، إذ يرى البعض فيها خطوة لكشف الحقيقة وتوثيقًا للجرائم ومرتكبيها، في حين يعتبرها آخرون انتهاكًا لحقوق المتهمين، وتجاوزًا لدور الإعلام بتحوّله إلى أداة “تحقيق ميداني”.

مقابلات أم تحقيق؟

وفق رصد، أجرى كل من الناشطين الإعلاميين هادي العبد الله وجميل الحسن وظلال قطّيع، ثلاث مقابلات منفصلة مع تيسير محفوض، تضمنت أسئلة مماثلة، وكانت أشبه بأخذ اعترافات منه، بينما بدت آثار الكدمات على وجهه.

هذه المقابلات كانت في 23 من نيسان الحالي، بعد أن ألقى الأمن العام القبض على تيسير محفوض، الذي كان يعمل لدى فرع الأمن العسكري “215” (سرية المداهمة)، والمتهم بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في العاصمة دمشق، ترقى لأن تكون جرائم حرب، بحسب ناشطين حقوقيين.

وتركزت الانتهاكات التي ارتكبها محفوض في أحياء المزة وكفرسوسة، بالإضافة إلى مسؤوليته عن تغييب أكثر من 200 شخص، غالبيتهم من أبناء هذين الحيين، في سجون النظام البائد.

لم تكن المقابلات الأولى من نوعها، فقد سبقتها، في شباط الماضي، مرافقة أحد الإعلاميين لعناصر الأمن العام خلال اعتقال أحد المتورطين في مجازر حي التضامن، وتضمنت مقابلة الإعلامي مع المتورط أسئلة مماثلة، وكانت أشبه بأخذ اعترافات، كما أنه حمل بين يديه عظمة ذكر بأنها تعود لأحد الضحايا، دون التنبّه لأهمية المكان واعتباره “مسرح جريمة”.

في آب 2024، قال المعتقل السابق في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، محمد نور دعبول، إن مراسل قناة “العربية” جمعة عكاش تعامل معه كمحقق وليس كمراسل، وأجبره على الإدلاء باعترافات غير صحيحة.

الشاب قضى خمس سنوات في سجون “قسد”، وخرج بصفقة تبادل بين الأخيرة و”الجيش الوطني السوري” حينها، فوجئ بتسجيل مصور عبر قناة “العربية”، يتضمن اعترافات له بمشاركته في معارك ليبيا كـ”مرتزق”.

وقال الشاب ل، إنه أعطى أقوالًا محددة تحت الضغط وخوفًا من التعذيب، وأكد على تواطؤ مراسل “العربية” مع المحققين في انتزاع أقوال منه، معتبرًا أن القناة شوهت سمعته، مطالبًا إياها بتوضيح واعتذار رسمي، دون أن يناله حتى الآن.

خروقات مهنية

بالنظر إلى المواثيق والمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة، فإن هذا النوع من المقابلات يتضمن خروقات عدة منها التشجيع على العنف، والانتقام المعنوي، وانتهاك خصوصية وحقوق الأفراد.

مدير مركز الحريات الصحفية في “رابطة الصحفيين السوريين”، إبراهيم حسين، قال ل، إن قيام الإعلاميين بإجراء لقاءات مع متورطين بانتهاكات وخاصة في خضم العمليات الأمنية الهادفة لاعتقالهم يتضمن مآخذ مهنية وأخلاقية كبيرة.

وأضاف أن هناك انتهاكًا لقرينة البراءة، إذ إن ظهور شخص متهم بارتكاب انتهاكات في الإعلام، والتعامل معه على أنه مجرم دون محاكمة عادلة أو إدانة قضائية مبرمة يشكل خرقًا لقاعدة أساسية من قواعد العدالة، وهي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما قد يشكل عرضه بهذه الطريقة ضغطًا غير مباشر على وجدان الهيئة القضائية التي يفترض بها محاكمته لاحقًا دون انحياز ودون تأثر.

 

إذا كانت المقابلة الإعلامية تتخذ طابع التحقيق مع المتهم، فإنها تشكل خلطًا خطيرًا بين مهمة الصحفي وواجبه وبين وظيفة القاضي، مما يخل بالدور الأصلي للصحافة المتمثل بنقل المعلومات دون إصدار الأحكام.

إبراهيم حسين

مدير مركز الحريات الصحفية في “رابطة الصحفيين السوريين”

من جانب آخر، ذكر حسين أن نشر مقابلات مع محتجزين بعناوين مثيرة، وأسئلة تستدعي مشاعر الغضب، قد يؤجج الكراهية، ويعزز الرغبة في الانتقام لدى الضحايا أو ذويهم.

وأوضح أن تصوير الشخص، ونشر تفاصيل هويته، وذكر وقائع وأدلة مهمة على العلن، قد يؤدي للإضرار بسلامته أو سلامة عائلته، لافتًا إلى أنه انتهاك واضح للخصوصية وحقوق الإنسان، وربما يندرج في إطار الحض على العنف.

من يضبط التجاوزات المهنية؟

يعزو ناشطون وإعلاميون تجاوزاتهم وخروقاتهم المهنية إلى تحقيق العدالة ونقل أصوات الناس المهمشين، ويرى بعضهم أنه يخوض معركة أخلاقية ضد الظلم، ويشفي صدور الناجين وذوي الضحايا، ما يعيد طرح تساؤلات حول المسؤول عن ضبط هذه التغطيات، سواء في حالة الإعلامي المنتمي لمؤسسة أو الناشط الإعلامي المستقل.

مدير مركز الحريات الصحفية في “رابطة الصحفيين السوريين”، إبراهيم حسين، يرى في حالة الصحفي الذي يعد المادة لمؤسسة إعلامية أن إدارة التحرير في المؤسسة عليها الامتناع عن نشر مواد كهذه، ووجوب اعتماد سياسات تحريرية واضحة تمنع هذا النوع من التغطيات أو تضبطها وفق المعايير المهنية والأخلاقية، مؤكدًا ضرورة مراجعة المواد قبل نشرها وتقدير ما إذا كانت تلتزم بالمعايير أم لا.

أما الإعلامي المستقل، فواجبه الشخصي أن يلتزم بالمواثيق الأخلاقية حتى دون تعاقده مع مؤسسة إعلامية، وقد يعرض نفسه بالطبع لعقوبات ربما تفرضها القوانين إن أدى فعله لوقوع ضرر أكيد أو حصول تأثير على الأدلة، أو إذا اعتبر تدخلًا في عمل السلطات.

ومن وجهة نظر حسين، فإن الأطر النقابية الإعلامية لها دور كبير يجب أن تمارسه في توعية الناشطين والإعلاميين الشباب، وتعريفهم بالمعايير الأخلاقية والمهنية للصحافة، وكذلك تعرية هذه الأخطاء ونقدها علنًا، كخطوة قد تسهم في ضبط الانفلات الإعلامي، وتحفيز الالتزام بمواثيق شرف المهنة وآدابها.

وفي 7 من كانون الثاني الماضي، دعت منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى أهمية تنفيذ سبعة إجراءات من قبل الإدارة السورية الجديدة لتحسين حرية الصحافة في سوريا، منها تحقيق العدالة للصحفيين الذين وقعوا ضحايا لنظام الأسد السابق، وإلقاء الضوء على مصيرهم ومكان وجودهم.

ودعت إلى إلغاء جميع الإجراءات والممارسات التي تقوم بها الجماعات الحكومية وغير الحكومية التي تعوق عمل الصحفيين ووسائل الإعلام، وإطلاق سراح الصحفيين الذين وقعوا ضحايا لفصائل المعارضة، والبحث عن الصحفيين المختطفين، وتحديد جميع الأطراف المسؤولة عن الجرائم ضد الصحفيين وتقديمهم للعدالة، وضمان ترسيخ حرية الصحافة.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *