يُعدّ عيد الأضحى مناسبة عظيمة في العالم الإسلامي، تتجلى فيها أسمى معاني التضحية، التكافل، وصلة الرحم. في خضم هذه الأجواء الروحانية، تبرز على الساحة نوعان من الخطاب يؤثران بشكل مباشر أو غير مباشر على فهم وتطبيق هذه القيم: الإعلانات التجارية والرسائل الدينية. 

الإعلانات التجارية في عيد الأضحى: استغلال المناسبة أم تلبية الاحتياج؟

تتصاعد وتيرة الإعلانات التجارية بشكل ملحوظ مع اقتراب الأعياد، وعيد الأضحى ليس استثناءً. تستهدف هذه الإعلانات قطاعات واسعة من المنتجات والخدمات، بدءًا من الأضاحي ومستلزماتها، مرورًا بالملابس والهدايا، وصولًا إلى الأطعمة والمشروبات.

الجوانب التي قد تسقط القيم:

  الاستهلاك المفرط: غالبًا ما تركز الإعلانات على الجانب المادي للعيد، وتشجع على شراء المزيد وإنفاق الكثير. هذا قد يحوّل العيد من مناسبة روحانية ذات قيم معنوية إلى مجرد فرصة للاستهلاك، مما يغفل عن جوهر العيد وهو التضحية والعطاء.

  المبالغة في المظاهر: تسوّق بعض الإعلانات صورة مثالية ومبهرجة للعيد تركز على المظاهر الخارجية مثل الثياب الفاخرة، أو السيارات الجديدة، أو الاحتفالات الباذخة. هذا قد يضع ضغطًا اجتماعيًا على الأفراد والعائلات للمسايرة، ويجعلهم يشعرون بالنقص إذا لم يتمكنوا من تحقيق هذه المظاهر، مما يتعارض مع قيمة القناعة والرضا.

  التنافس الاجتماعي: قد تخلق بعض الإعلانات شعورا بالتنافس بين الأفراد حول من يقدم أفضل الهدايا أو يمتلك أحدث المنتجات، مما يشوه قيمة التكافل والتعاون، ويحل محلها روح المباهاة والتفاخر.

  الرسائل السطحية: كثيرا ما تكون الرسائل الإعلانية سطحية وتفتقر إلى العمق، وتركز على إثارة الرغبات الفورية بدلاً من تعزيز الفهم الحقيقي لمعاني العيد.

الجوانب التي قد تعزز القيم (بشكل غير مباشر أو محدود):

  تلبية الاحتياجات الأساسية: بعض الإعلانات، خاصة تلك المتعلقة بالأضاحي أو المواد الغذائية، تلبي حاجة حقيقية لدى المستهلكين خلال هذه الفترة.

  تسهيل التكافل: يمكن أن تساهم بعض الخدمات التجارية في تسهيل عملية التبرع بالأضاحي للمحتاجين، ولكن هذا الجانب غالبًا ما يكون ثانويًا في الرسالة الإعلانية.

الرسائل الدينية في عيد الأضحى: تذكير بالجوهر أم ابتعاد عن الواقع؟

تأتي الرسائل الدينية خلال عيد الأضحى من مصادر متعددة تشمل خطب المساجد، البرامج الدينية في وسائل الإعلام، ومشاركات الدعاة والمشايخ عبر منصات التواصل الاجتماعي. تركز هذه الرسائل على جوهر العيد ومعانيه الروحانية.

الجوانب التي تعزز القيم:

  التأكيد على جوهر العيد: تسلط الرسائل الدينية الضوء على الأبعاد الروحانية لعيد الأضحى، مثل قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، ومعنى التضحية، والطاعة لله. هذا يعمق فهم الأفراد لأهمية هذه المناسبة.

 تعزيز التكافل والعطاء: تشدد الخطب والبرامج الدينية على أهمية توزيع لحوم الأضاحي على الفقراء والمحتاجين، وصلة الأرحام، والتراحم بين الناس. هذا يعزز من قيمة التكافل الاجتماعي والتضامن.

  الدعوة إلى الفضائل: تحث الرسائل الدينية على التحلي بالأخلاق الحميدة مثل الصبر، الشكر، الرحمة، والتسامح، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر ترابطا وتفهمًا.

 التذكير بالجانب الروحي: تذكر الرسائل الدينية بأن العيد ليس مجرد احتفال دنيوي، بل هو فرصة للتقرب إلى الله وتجديد العهد معه، مما يوازن بين الجوانب المادية والروحية في حياة المسلم.

الجوانب التي قد تسقط القيم (بشكل محدود وغير مباشر):

  الانفصال عن الواقع الاقتصادي: في بعض الأحيان، قد تبدو بعض الرسائل الدينية مثالية وتتجاهل التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأفراد في توفير متطلبات العيد، مما قد يخلق شعورا بالعجز أو الإحباط لدى البعض.

  النمطية والتكرار: قد تتسم بعض الرسائل الدينية بالنمطية والتكرار، مما قد يقلل من تأثيرها أو يجعلها أقل جاذبية للجمهور الشاب.

الاستنتاج: توازن مطلوب بين المادة والروح

إن المقارنة بين الإعلانات التجارية والرسائل الدينية في عيد الأضحى تكشف عن تباين واضح في الأهداف والأساليب. بينما تسعى الإعلانات التجارية في المقام الأول إلى تحقيق الربح وتشجيع الاستهلاك، تهدف الرسائل الدينية إلى تعزيز القيم الروحانية والأخلاقية.

بشكل عام، يمكن القول إن الإعلانات التجارية قد تسقط القيم من خلال التركيز المفرط على المادية والاستهلاك والمظاهر، مما قد يطمس المعنى الحقيقي للعيد ويخلق ضغوطًا اجتماعية. في المقابل، تعزز الرسائل الدينية القيم بشكل مباشر وفعّال، حيث تذكر الأفراد بالجوهر الروحي للعيد، وتدعو إلى التكافل والعطاء، وتحث على مكارم الأخلاق.

لتحقيق التوازن الأمثل، من الضروري أن:

 يعي المستهلكون جيدًا أهداف الإعلانات التجارية وأن يميزوا بين الحاجة والرغبة المصطنعة.

 تتبنى الشركات والمعلنون مسؤولية اجتماعية أكبر، وأن تسعى لتقديم رسائل إعلانية لا تتعارض مع قيم العيد، بل يمكنها أن تساهم في تعزيزها (مثل الإعلان عن منتجات تسهل التبرع أو تساعد الأسر المحتاجة).

  تجدد المؤسسات الدينية والدعاة من أساليبهم لجعل الرسائل الدينية أكثر جاذبية ومواكبة للتحديات العصرية، مع الحفاظ على جوهرها وعمقها.

في نهاية المطاف، يظل عيد الأضحى فرصة عظيمة لترسيخ القيم النبيلة. ويعتمد تأثير الخطاب التجاري والديني على مدى وعي المجتمع وقدرته على استخلاص الأفضل من كليهما، ليكون العيد مناسبة تجمع بين الفرحة والاحتفال، وبين عمق الروحانية وسمو القيم.

 

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.