كشف قادة الاتحاد الأوروبي، خلال قمتهم الأخيرة في بروكسل، عن خطة طموحة لتشكيل “تكتل تجاري عالمي جديد” بمشاركة دول آسيوية، في خطوة تهدف لمواجهة السياسات التجارية التصعيدية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ومنذ ستة أشهر، يهدد الرئيس الأميركي ترمب، النظام التجاري العالمي، إذ يفرض رسوماً جمركية تارة، ويخففها تارة أخرى لفتح باب المفاوضات، ثم يهدد بإعادة فرضها إذا لم ترقه الشروط، وفق مجلة “بوليتيكو” الأميركية.

ومع اقتراب مهلة الأربعة عشر يوماً التي حددها ترمب للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قررت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الوقت لم يعد مناسباً للطرق التفاوضية التقليدية.

وطرحت فون دير لاين، فكرة اتحاد دول الاتحاد الأوروبي الـ27 مع الدول الأعضاء في اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، الذي انضمت إليه بريطانيا مؤخراً لتشكيل مبادرة تجارية عالمية جديدة.

وقالت إن هذه الخطوة تهدف إلى إعادة صياغة نظام تجاري عالمي قائم على القواعد، عبر إصلاح منظمة التجارة العالمية التي باتت “شبه مشلولة”، أو حتى استبدالها بالكامل، على حد تعبيرها. والأهم أن الولايات المتحدة لن تكون مدعوة تلقائياً للانضمام إلى هذا التكتل الجديد.

وأضافت فون دير لاين في ختام قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، صباح الجمعة: “هذا سيُظهر للعالم أن التجارة الحرة مع عدد كبير من الدول ممكنة على أساس نظام قائم على القواعد”.

وتابعت: “هذا مشروع يجب أن ننخرط فيه بجدية، لأن تحالف دول اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ مع الاتحاد الأوروبي قوة هائلة”.

وأشارت فون دير لاين، إلى أن مسألة انضمام الولايات المتحدة إلى التكتل التجاري الجديد، ستكون قراراً مشتركاً بين الاتحاد الأوروبي ودول اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ.

وأردفت بلهجة لا تخلو من التلميح: “على حد علمي، الأميركيون هم من انسحبوا في وقت ما”، في إشارة إلى انسحاب واشنطن سابقاً من الاتفاقية التجارية عبر المحيط الهادئ في عهد إدارة ترمب.

“مناورة” غير متوقعة

وكانت فكرة تعزيز التعاون الرسمي مع تكتل دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، طُرحت بالفعل خلال الأشهر الماضية ضمن أروقة المفوضية الأوروبية، باعتبارها وسيلة للرد على الرسوم الجمركية التصعيدية التي فرضها ترمب. 

ولتأكيد أن الخطوة موجهة بشكل مباشر لمواجهة النهج الأميركي، تدخل شخص آخر يحمل أيضاً اسم “دونالد” لتوضيح الصورة، بحسب “بوليتيكو”.

وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي تتولى بلاده حالياً الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، إنه على الاتحاد أن يكون “مبتكراً للغاية… وربما أحياناً غير متوقع، مثل أصدقائنا على الجانب الآخر من الأطلسي”، في إشارة واضحة إلى أسلوب ترمب التفاوضي.

ويُعد توسك، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، أحد المخضرمين في المفاوضات الأوروبية، خاصة خلال محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست)، إذ قاد عدة قمم ليلية مضنية في بروكسل. ولم يُخفِ توسك شعوره بالارتياح لفكرة أن يقدم للولايات المتحدة “جرعة من أسلوبها ذاته”.

ومضى توسك قائلاً: “أعتقد أننا جميعاً بات لدينا فهم لطريقة التفاوض الجديدة، وكيفية إدارة النقاشات التجارية وغيرها من قنوات التواصل”، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تزال أحد أقرب شركاء أوروبا؛ “لكن يتعين علينا، في بعض الجوانب، أن نتصرف بشكل مشابه لشركائنا”.

وحظيت فكرة فون دير لاين، بدعم علني من أقوى زعيم أوروبي، المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، الذي قال: “إذا كانت منظمة التجارة العالمية معطلة كما كانت طوال السنوات الماضية ولا تزال كذلك على ما يبدو، فعلينا.. نحن الذين لا نزال نؤمن بأهمية التجارة الحرة.. أن نبحث عن بدائل أخرى”.

لكن الواقع، بحسب مراقبين، أن مقترح فون دير لاين ربما لا يكون سوى محاولة مؤقتة لصرف الأنظار عن هزيمة تجارية مرتقبة، مع اقتراب موعد الإعلان عن اتفاق مع إدارة ترمب، قد يأتي على حساب أوروبا.

وكشفت مصادر دبلوماسية، لـ”بوليتيكو”، أن قادة الاتحاد الأوروبي ناقشوا خلال القمة عرضاً أميركياً جديداً لاستئناف المفاوضات، وسط أجواء قاتمة داخل القاعة.

صفقة سيئة أفضل من لا شيء

وبينما أيقن القادة الأوروبيون خلال اجتماعهم، أنهم لن يحصلوا على صفقة جيدة مع ترمب، بدأوا يتساءلون فيما بينهم “إلى أي مدى يمكنهم القبول باتفاق سيء لتفادي الأسوأ، وهو فرض رسوم عقابية باهظة”.

ومن المتوقع أن تبدأ فون دير لاين وفريقها، خلال الأيام المقبلة، صياغة مسودة اتفاق أولي لتلبية مهلة ترمب، التي تنتهي في التاسع من يوليو المقبل، إذ هدد بفرض رسوم جمركية عقابية على السلع الأوروبية تصل إلى 50% إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في الوقت المحدد.

وقبل شهر فقط، كان الخطاب الأوروبي أكثر تحدياً، إذ رفض القادة بشدة النموذج الذي قبلت به بريطانيا في اتفاقها مع واشنطن، مؤكدين أن الاتحاد الأوروبي قوة تجارية عظمى لن تقبل بأي رسوم أساسية بنسبة 10% كما يريد ترمب.

لكن اللهجة تغيّرت تماماً الآن. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “الأفضل أن تكون الرسوم صفر… لكن إن كانت 10%، فلتكن 10%”.

أما رئيس ليتوانيا، جيتاناس ناوسيدا، فقال لمجلة “بوليتيكو”، إن أفضل ما يمكن أن تأمله أوروبا هو أن تُعامل تجارياً كما تُعامل بريطانيا من قبل الولايات المتحدة. 

وأضاف: “ربما يكون هذا هو السيناريو الأمثل، لكن بريطانيا، في نظر الولايات المتحدة، شريك مختلف قليلاً… وآمل أن نُعامل مثل بريطانيا، لكن سنرى”.

سباق مع الزمن

ونقلت “بوليتيكو” عن مصادر دبلوماسية، قولها، إن “النقاش الأعمق الذي يواجه قادة الاتحاد يتمثل في اتخاذ قرار: هل يذهبون إلى صفقة سريعة خلال الأسبوعين المقبلين؟ أم ينتظرون صفقة أفضل لاحقاً، مع المخاطرة بخوض حرب تجارية طويلة مع واشنطن؟”.

وحذّر دبلوماسي أوروبي، طلب عدم كشف هويته، من أن المخاطرة لا تقتصر على الاقتصاد فقط، بل قد تمتد إلى التزامات ترمب الدفاعية تجاه أوروبا. 

وأضاف الدبلوماسي الأوروبي: “في حال التصعيد، قد يعيد ترمب النظر في التزامات الولايات المتحدة بأمن أوروبا، ويسأل لماذا ينبغي على الأميركيين أن يدفعوا لحماية دول تحاربهم تجارياً؟”.

وذكرت “بلومبرغ” أن المستشار الألماني ميرتس، كان الصوت الأقوى الداعي إلى إبرام اتفاق سريع، حتى لو كان مجرد إطار أولي.

ونقلت عن ميرتس قوله: “لم يتبق أمامنا سوى أقل من أسبوعين حتى التاسع من يوليو، ولا يمكن إبرام اتفاق تجاري متكامل خلال هذه الفترة”.
 
وأشار إلى أن صناعات مثل الكيماويات والصلب والسيارات تعاني بالفعل، ما يعرّض شركات أوروبية للخطر، مضيفاً: “من فضلكم، دعونا نجد حلاً سريعاً”.

شاركها.