بدأت وزارة الداخلية السورية بمشاركة وزارة الدفاع بإرسال تعزيزات عسكرية إلى محافظة السويداء، صباح اليوم الإثنين، لفض اشتباكات وقعت بين فصائل محلية هناك أوقعت قتلى وجرحى بعضهم مدنيين، إلا أن المرجعيات الدينية لا سيما الشيخ حكمت الهجري، عادت لتطالب بحماية دولية وترفض دخول القوات الحكومية إلى المحافظة الجنوبية، فيما أكدت مصادر حكومة أن الدولة السورية عازمة على إنهاء ملف السويداء بكل الطرق الممكنة، فهل نشهد صراعاً كبيراً تتدخل فيه قوى إقليمية أم أن الأمر سيحل داخلياً وينتهي واحداً من الملفات المعقدة التي واجهت الحكومة السورية الانتقالية منذ تشكيلها؟

 

الداخلية والدفاع تنشران قواتهما في السويداء

أعلنت وزارة الداخلية اليوم الإثنين، عن بدء تدخلها المباشر بالتنسيق مع وزارة الدفاع لفض الاشتباكات التي تشهدها محافظة السويداء خلال الساعات الماضية، إثر اشتباكات اندلعت بين فصائل محلية وعشائر في حي المقوس، وامتدت إلى الريف الغربي للمحافظة.

وقالت وزارة الداخلية السورية في بيان إن “التصعيد “الخطير” الذي تشهده المحافظة يأتي في ظل غياب المؤسسات الرسمية المعنية، ما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى، وانفلات الوضع الأمني، وعجز المجتمع المحلي عن احتواء الأزمة رغم الدعوات المتكررة للتهدئة، وأسفر ذلك عن ارتفاع عدد الضحايا، وتهديد مباشر للسلم الأهلي في المنطقة”.

وطلبت الوزارة من جميع الأطراف المحلية التعاون مع قوى الأمن الداخلي والسعي إلى التهدئة وضبط النفس.

 

وشددت على أهمية الإسراع في نشر القوى الأمنية في المحافظة، والبدء بحوار شامل يعالج أسباب التوتر، ويصون كرامة وحقوق جميع مكونات المجتمع في السويداء، لافتة إلى أن “استمرار هذا الصراع لا يخدم إلا الفوضى ويزيد من معاناة أهلنا المدنيين”.

من جانبها، أشارت وزارة الدفاع في بيان عبر “فيسبوك” إلى أن الفراغ المؤسساتي الذي رافق اندلاع الاشتباكات في محافظة السويداء أسهم في تفاقم مناخ الفوضى وانعدام القدرة على التدخل من قبل المؤسسات الرسمية الأمنية أو العسكرية، ما أعاق جهود التهدئة وضبط النفس.

 

ولفتت إلى أنها نشرت وحداتها العسكرية المتخصصة في المناطق المتأثرة بالتنسيق مع وزارة الداخلية وذلك لتوفير ممرات آمنة للمدنيين، وفك الاشتباكات بسرعة وحسم، وحماية المدنيين وفق القانون.

وفي حديث لوكالة ستيب نيوز، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا: ” تتجه وزارة الداخلية لبسط الأمن في السويداء، وتأمين المدنيين، ومحاسبة المفسدين والمسيئين، وهذا نتيجة لمناشدات الأهالي في المحافظة، وانطلاقاً من واجبات الحكومة في قمع المفسدين، وتأمين البلد، وإنهاء الفلتان والفوضى”.

وأكد البابا أن أي وسيلة تحقق ذلك بأقل تكلفة على المدنيين لن تتأخر الحكومة لحظة في أخذها.

وأضاف: ” من يواجه الحكومة هم تجمعات خارجة عن القانون، وقد عانى منها أهل السويداء كثيراً”، مشيراً إلى أن هناك ترحاب كبير من شرائح واسعة من أهل السويداء بدخول الدولة السورية.

#عاجل|| المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا لـ”وكالة ستيب نيوز”: تتجه وزارة الداخلية لبسط الأمن في #السويداء، وتأمين المدنيين، ومحاسبة المفسدين والمسيئين، وهذا نتيجة لمناشدات الأهالي في المحافظة.

🔴 نعمل انطلاقاً من واجبات الحكومة في قمع المفسدين، وتأمين البلد،… pic.twitter.com/F4u4ae84mx

— Step News Agency وكالة ستيب نيوز (@Step_Agency) July 14, 2025

وكان قد نشر الباب عبر معرفاته على مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: “إن الأزمات الأمنية المتلاحقة في السويداء مردها لتعنت التيار الانعزالي، ورغبته بالمقامرة بمصير أهل السويداء عبر سلخهم عن شجرة الوطن”.

وشدد على أنه لا حل للسويداء إلا “بحضور هيبة الدولة، وتفعيل أجهزتها، وأخذ المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية دورها الطبيعي في حماية أهلنا المدنيين، وتأمين معاشهم من كل تهديد داخلي أو خارجي، والحفاظ على السلم الأهلي، والوحدة الوطنية في المحافظة”.

 

السويداء بين التفاوض والمواجهة العسكرية

ليست هذه المواجهة الأولى بين فصائل السويداء من جهة والجهات الحكومية من جهة أخرى، حيث جرت جولات سابقة انتهت باتفاق مبدئي بين المرجعيات الدينية والحكومة السورية في مايو الفائت، يقتضي تشكيل جهاز أمن داخلي من أبناء السويداء وضمهم لوزارة الداخلية السورية وإنهاء المظاهر المسلحة بالمحافظة، إلا أن الاتفاق شهد الكثير من الخلل ولم يطبق كاملاً.

كما زاد التوتر بعد أحداث جرمانا وصحنايا قرب دمشق، حيث يقطن العديد من أبناء المكون الدرزي، وشهدت المحافظة الجنوبية موجة توتر أخرى بعد الاعتداء على محافظها من قبل مسلحين.

وحول ذلك يرى الدكتور سمير عبد الله، مدير قسم تحليل السياسات في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن محاولات التفاوض والتفاهم السابقة مع بعض فصائل السويداء لم تحقق النتائج المرجوة.

ويقول: “مع ذلك، لا نتوقع أن تتجه الحكومة السورية الانتقالية نحو خيار المواجهة العسكرية الشاملة”، موضحًا أن الوضع الداخلي في المحافظة معقد ومنقسم بين مؤيدين للحكومة ومعارضين لها، وهو ما يجعل أي عملية عسكرية محفوفة بالمخاطر سياسيًا وشعبيًا، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية.

ويشير الدكتور عبد الله إلى أن خيار “الحسم العسكري المحدود” يظل مطروحًا لدى الحكومة الانتقالية، لكنه مرتبط باستنفاد جميع السبل الأخرى، ومع ضمانات بعدم انفلات الوضع. ويرى أن هذا الخيار ليس مفضلًا حاليًا نظرًا لتعقيدات المشهد الشعبي والسياسي في السويداء.

 

إسرائيل والموقف من تطورات السويداء

لطالما لوّحت إسرائيل بتدخلها في سوريا لحماية الطائفة الدرزية وهدد مسؤولوها الحكومة السورية مراراً بهذا الملف، لكن الأمور تغيرت خلال الشهر الفائت، حيث بات هناك جولات تفاوض بين الحكومة السورية وإسرائيل عبر وسطاء تهدف للتوصل لاتفاق بين الجانبين، وربما تمكنت الحكومة السورية بحسب مراقبين من استبعاد إسرائيل من هذا الملف من خلال ضمانات ما.

يقول الدكتور سمير عبد الله حول ذلك: “من غير المرجح أن تتدخل إسرائيل بشكل مباشر في حال تطور الوضع، لكنها بالتأكيد تراقب ما يجري عن كثب. ويرجع ذلك إلى علاقتها التاريخية مع الطائفة الدرزية من جهة، وإلى الأهمية الاستراتيجية للسويداء من جهة أخرى”.

ويرى أن الدور الإسرائيلي سيظل مرهونًا بتطورات المشهد، فإذا تم المساس بالمجتمع الدرزي على نحو واسع، قد تستخدم أدوات ضغط دبلوماسية أو أمنية غير مباشرة دون الوصول إلى التصعيد العسكري المباشر.

كما يتحدث الدكتور عبد الله عن جولات الرئيس السوري أحمد الشرع الأخيرة، مشيرًا إلى أنها حملت مؤشرات على محاولات لبناء تفاهمات غير معلنة مع قوى إقليمية ودولية فاعلة. كما شملت هذه الجولات تطمينات متعلقة بتحييد الموقف الإسرائيلي أو الحد من تداعيات أي توتر داخلي.

 

حساسية التدخل العسكري

يؤكد الدكتور سمير عبد الله أن الحكومة السورية تدرك حساسية ملف السويداء، ولهذا فهي في حال اضطرت لإرسال قوات إلى هناك، ستحرص على الظهور بمظهر منضبط دون انتهاكات أو تجاوزات.

لكنه يلفت إلى أن مدى الالتزام بذلك يعتمد على جاهزية الجيش نفسه، ويقول: “الجيش ما زال في طور إعادة التشكيل والتنظيم ويعاني من ضعف في الاحتراف والانضباط نتيجة كونه جيشًا ناشئًا”.

وفي سياق متصل، يرى الدكتور عبد الله أن تصعيد خطاب الشيخ حكمت الهجري تجاه الحكومة السورية ساهم في توسيع فجوة التفاهم، لافتًا إلى أن الشيخ الهجري ما زال يحظى بتأثير لدى شرائح من المجتمع في السويداء. وهذا التوجه، مع وجود فصائل تستند إلى مرجعيته، قد يُعقّد المشهد ويدفع نحو استقطاب أكبر داخل المحافظة.

وبالوقت عينه يرى أن ذلك لا ينفي وجود شريحة واسعة من أبناء السويداء تطالب بالتهدئة والانخراط في العملية السياسية الجديدة، في مقابل تيارات ترفض التفاهمات أو تنادي بالتصعيد.

 

خلاصة المشهد… نهج مزدوج مطلوب

يختتم الدكتور سمير عبد الله حديثه بالتأكيد على أن المشهد في السويداء يبقى دقيقًا ومتقلبًا، ما يتطلب من الحكومة الانتقالية اعتماد نهج مزدوج يجمع بين التهدئة السياسية وبناء الثقة من جهة، والاستعداد الأمني المحسوب من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي تتجه الحكومة السورية لحسم هذا الملف الذي بقي لأشهر بين شد وجذب مستمرين، تحاول بعض الأطراف تعميق الانقسام وتغذية النعرات الطائفية، بينما يرى مراقبون أن الدولة السورية أخذت بالحسبان حساسية الموقع والموقف لكنها عازمة على حله بـ”الطرق الممكنة” وفق تعبير متحدث وزارة الداخلية نور الدين البابا.

ملف السويداء للحسم أم للتهدئة.. الداخلية السورية تكشف موقفها وخبير يوضح السيناريوهات

 


المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.