في تصريحات لافتة كشف المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، عن تفتيش مواقع سورية كان يشتبه بوجود برنامج نووي سري فيها، كما تحدث عن اهتمام الرئيس السوري أحمد الشرع بإمكانية بناء برنامج نووي سلمي، فهل امتلكت سوريا النووي يوماً وهل يمكن أن تمتلكه مستقبلاً؟
انفتاح سوري جديد وتعاون مرتقب
أعرب غروسي عن تفاؤله بالتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، مشيرًا إلى أن الشرع أبدى “ميلًا إيجابيًا للتحدث مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والسماح لها بتنفيذ الأنشطة التي تحتاجها”.
وأضاف أنّ الهدف الرئيسي للوكالة هو “توضيح بعض الأنشطة التي جرت في الماضي، والتي تعتقد أنها كانت مرتبطة بالأسلحة النووية”.
وتعتزم الوكالة الدولية للطاقة الذرية إرسال فرق تفتيش إلى عدة مواقع، من بينها مفاعل دير الزور الذي دمرته غارة جوية إسرائيلية عام 2007، بالإضافة إلى مفاعل نيوتروني مصغر في دمشق ومنشأة لمعالجة اليورانيوم في حمص. ورغم عدم وجود مؤشرات على انبعاثات إشعاعية من هذه المواقع، إلا أن الوكالة تشعر بالقلق من احتمال وجود يورانيوم مخصب يمكن إعادة استخدامه أو تهريبه.
بالإضافة إلى عمليات التفتيش، أعلنت الوكالة عن استعدادها لتقديم دعم في مجال الطب النووي، بما في ذلك نقل معدات خاصة والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية للعلاج الإشعاعي والطب النووي وعلاج الأورام، في ظل نظام صحي أضعفته الحرب التي استمرت ما يقرب من 14 عامًا.
ويقول الدكتور صلاح قيراطة، خبير عسكري واستراتيجي سوري، في حديث لوكالة ستيب نيوز: إن “مسألة المواقع النووية المفترضة في سوريا تبقى ضمن إطار التقديرات والافتراضات التي لم يُثبتها تحقيق مستقل وشفاف وفق المعايير الدولية”. مضيفاً أن “هذه الملفات تحمل طابعًا سياديًا حساسًا، لا سيما في ظل ظروف معقدة مرت بها البلاد”.
وأشار قيراطة إلى أن “رافائيل غروسي، كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا يُدلي بتصريحات إلا بناءً على تقارير فنية وتحقيقات سابقة أو مستمرة داخل الوكالة”.
ومع ذلك، فإن الحديث عن “برنامج نووي سري في سوريا” يعود بالأساس إلى حادثة موقع الكُبَر عام 2007، الذي قصفته إسرائيل، وزُعم حينها أنه كان منشأة نووية قيد الإنشاء بدعم كوري شمالي.
وهذا الادعاء بقي ضمن نطاق التقديرات الاستخباراتية، حيث لم تتمكن الوكالة من استكمال تحقيقاتها بسبب عدم التعاون الكامل من الجانب السوري، وفق تقارير الوكالة نفسها، لكنها في الوقت نفسه لم تقدم دليلاً قاطعاً يثبت وجود برنامج نووي عسكري سوري فعلي.
إمكانية السماح دوليًا بهذا البرنامج
وأوضح قيراطة أنه “من الصعب جدًا بل مستحيل تقريبًا أن تسمح البيئة الدولية والإقليمية، خصوصًا بعد عام ٢٠٠٣ بقيام برنامج نووي عسكري سري في دولة مثل سوريا، المحاطة بوجود استخباراتي كثيف، وتخضع منذ عقود لرقابة دولية شديدة”.
مشدداً على أن أي محاولة كهذه كانت ستُكتشف مبكرًا، وتُواجه بردود فعل دولية حاسمة، كما حدث بالفعل مع قصف موقع الكُبَر.
أما بشأن الدور المزعوم لإيران وكوريا الشمالية، فقال قيراطة: “كوريا الشمالية لديها سجل معروف في التعاون النووي، لكنها خاضعة لعقوبات دولية مشددة، مما يجعل أي تعاون منها عرضة للرصد. أما إيران، ورغم تقدمها النووي، فهي خاضعة لاتفاقيات ومراقبة دولية، وأي دعم مباشر منها لبرنامج عسكري سوري سري كان سيكون مخاطرة استراتيجية كبيرة”.
وأضاف: “لا يمكن الجزم بوجود برنامج نووي عسكري سوري مكتمل أو فعّال، في ظل غياب الأدلة القاطعة. ما وُجد حسب بعض التقديرات قد يكون مشروعًا محدودًا أو بدائيًا لم يتطور. التصريحات والشكوك تستند في معظمها إلى أحداث عام ٢٠٠٧، ولم تظهر منذ ذلك الحين معطيات جديدة حاسمة. لذلك، تبقى هذه المعلومات في إطار الشكوك الاستخباراتية غير المثبتة، ويجب التعامل معها بميزان الحذر المهني، دون الانجرار وراء الاستنتاجات غير المدعومة بتحقيقات مكتملة وشفافة”.
الموقف الإسرائيلي
أما عن طموح الشرع بوجود برنامج نووي سلمي في سوريا، وفق ما تحدث مدير وكالة الطاقة الذرية، فإن ذلك قد يرتبط بظروف إقليمية.
وحول ذلك يؤكد قيراطة أنه “من غير المرجح إطلاقاً أن تسمح إسرائيل لسوريا بامتلاك طاقة نووية، حتى لو كانت لأغراض سلمية، لأن العقيدة الأمنية الإسرائيلية تعتبر أي قدرة نووية عربية— مهما كانت مسالمة في ظاهرها—تهديداً استراتيجياً على المدى الطويل”.
وأشار إلى أن “إسرائيل قصفت المفاعل العراقي عام 1981، ودمرت موقع الكبر في دير الزور عام 2007، رغم أنه كان تحت إشراف دولي جزئياً”.
وأضاف: “حتى في حال تبدل النظام السوري أو تغيرت توجهاته نحو ما يسمى بـ’الاعتدال الإسلامي’ المدعوم غربياً، فإن أي مشروع نووي سوري سيواجه بجدار صلب من الرفض الإسرائيلي، الذي يمتد عادة ليشمل أدوات الضغط الغربي، والرقابة الدولية المشددة، والتخريب الاستخباراتي، وربما الضربات الاستباقية”.
مشيراً إلى أنّ “إسرائيل تملك القدرة والإرادة لمنع أي محاولة عربية لكسر احتكارها للتفوق النووي، وقد فعلت ذلك مراراً بصمت دولي أو بتواطؤ ضمني”.
وختم قيراطة بالقول: “من الصعب تصور أن مشروعاً نووياً سورياً سيُكتب له النجاح في ظل موازين القوى القائمة. وبالنظر إلى ما تعانيه سوريا من دمار وتفكك، فإن أي محاولة لبناء مشروع نووي ستُفهم إقليمياً ودولياً كمغامرة غير محسوبة، وقد تعرّض البلاد لمخاطر جديدة هي في غنى عنها. بناء الاقتصاد، واستعادة الثقة، وتطوير الطاقة البديلة والتقنيات المدنية، ربما تكون خيارات أكثر واقعية وأمناً في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سورية”.
وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه سوريا إلى إعادة بناء علاقاتها الدولية والانخراط في مشاريع تنموية سلمية، وسط تحديات سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة، ويبقى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خطوة مهمة نحو تحقيق الشفافية وبناء الثقة مع المجتمع الدولي.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية