يسعى الملياردير الأميركي لاري إليسون، ثاني أغنى شخص في العالم، وابنه ديفيد إلى إقامة إمبراطورية إعلامية غير مسبوقة تمتد من هوليوود إلى الإعلام الرقمي، من خلال صفقات استراتيجية تمت الموافقة على بعضها في عهد الرئيس دونالد ترمب.
ويستعد لاري إليسون، (81 عاماً)، المؤسس المشارك ورئيس شركة أوراكل، للحصول على حصة في الفرع الأميركي من تطبيق “تيك توك”، إذ ذكر مسؤول رفيع في البيت الأبيض لـ”بلومبرغ”، أن شركة “أوراكل” ستتولى توفير الحماية والمساعدة في الإشراف على إعادة إنشاء نسخة أميركية جديدة من خوارزمية “تيك توك”.
أما نجله ديفيد إليسون، البالغ من العمر 42 عاماً، فقد أنتج أفلاماً ضخمة مثل “توب جان: مافريك”، عبر شركته “سكاي دانس”، في هوليوود، قبل أن ينجح في تنفيذ صفقة اندماج ضخمة هذا الصيف مع “باراماونت”، مستحوذاً على شبكة CBS وغيرها من العلامات التلفزيونية والسينمائية، بتمويل من والده.
وفي سبتمبر الماضي، قال مصدر أميركي مطلع إن شركة “باراماونت سكاي دانس”، تستعد لتقديم عرض استحواذ محتمل على شركة “وارنر براذرز ديسكفري” Warner Bros. Discovery، وحال إتمام الصفقة، فإنها ستؤدي إلى دمج اثنين من أعرق ستوديوهات الإنتاج السينمائي والتليفزيوني في هوليوود تحت مظلة واحدة، بحسب ما أفادت به شبكة NBC News.
وتبرز عائلة إليسون بسبب حجم ثروتها الهائل ونطاق الجمهور الذي يمكن أن تصل إليه شبكاتها. وتبلغ ثروة لاري إليسون الشخصية 345 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، أي أكثر من 30 ضعف ثروة روبرت مردوخ، بحسب ما نقلت “واشنطن بوست”.
تغييرات مفاجئة
وأثار إعلان تعيين الصحافية المؤيدة لإسرائيل باري وايس رئيسة لتحرير شبكة CBS News صدمة داخل أروقة القناة، خاصة بعد تسرب تفاصيل صفقة استحواذ “باراماونت سكاي دانس” على منصتها الرقمية The Free Press، مقابل 150 مليون دولار قبل الإعلان الرسمي عنها.
ويأتي ذلك ضمن سلسلة خطوات يقودها ديفيد إليسون لتوسيع نفوذ العائلة الإعلامي عبر صفقات كبرى تمت بموافقة إدارة ترمب، ما مكنها من الجمع بين مؤسسات إعلامية تقليدية ومنصات رقمية مؤثرة.
وتمنح صفقات “تيك توك” و”ذا فري برس”، عائلة إليسون موطئ قدم قوي في الإعلام الرقمي، وهو مجال لم تسيطر عليه عائلة مردوخ بالكامل. وبدمج جمهور “باراماونت” الضخم وعلاماتها الإعلامية الشهيرة مع النهج القائم على البيانات الذي يتبعه “تيك توك”، يمكن للعائلة أن تبتكر نموذجاً جديداً عابراً للتخصصات في مجال الإعلام، وفقاً لأنتوني بالومبا، أستاذ مساعد في كلية داردن لإدارة الأعمال بجامعة فيرجينيا.
وقال بالومبا: “لدينا ابن يتجه إلى عالم الإعلام، وأب قريب من ترمب ويستحوذ على أكثر منصة ترفيهية إدماناً رأيناها. هؤلاء أشخاص أذكياء جداً، ولا شيء من هذا يحدث بالصدفة”.
ولم تُشر عائلة إليسون إلى نيتها الترويج لأجندة سياسية من خلال إمبراطوريتها الإعلامية. ففي رسالة علنية بعد الموافقة على الدمج، كتب ديفيد إليسون أن “كل ما نقوم به سيكون قائماً على الثقة ومرتكزاً على الحقائق”.
ويختلف الأب والابن سياسياً، إذ أن لاري إليسون من كبار داعمي الحزب الجمهوري وأحد المقربين من ترمب، بينما تبرع ديفيد إليسون بنحو مليون دولار لحملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن.
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن تعيين ديفيد إليسون لصحافية رأي على رأس شبكة إخبارية عريقة مثل CBS، التي أنجبت رموزاً صحفية مثل إدوارد مورو ووالتر كرونكايت، مهد لصدام ثقافي محتمل.
ولا يُعرف بعد كيف ستدير وايس شبكة CBS News، خاصة أن منصتها “ذا فري برس” تنتقد ما تسميه “الاستيقاظ الثقافي” في الإعلام التقليدي، وهي مثل آل إليسون مؤيدة قوية لإسرائيل، لكنها أيضاً كانت ناقدة لترمب.
نفوذ متنامي
ونما نفوذ ديفيد إليسون الإعلامي تحت أنظار لجنة الاتصالات الفيدرالية الموالية لرؤية ترمب بشأن الإعلام، إذ حصلت “سكاي دانس” على الموافقة للاندماج مع “باراماونت” في يوليو، بعد أن أكدت للجنة أنها ستضمن تنوع الآراء في برامجها وستُعيّن وسيطاً لمعالجة شكاوى التحيز في CBS.
وتمت الموافقة بعد أن ضغط رئيس اللجنة بريندان كار على الشبكة، مكرراً مزاعم ترامب بأن CBS “متحيزة ضده”.
وقبل أسابيع من الموافقة على الاندماج، وافقت باراماونت على دفع تسوية بقيمة 16 مليون دولار، لإنهاء دعوى قضائية رفعها ترمب زاعماً أن CBS، تدخلت في فرص إعادة انتخابه.
وفي يوم إتمام صفقة الاندماج في أغسطس، عقد ديفيد إليسون مؤتمراً صحفياً في نيويورك رفض فيه الافتراضات بأن الشركة ستنحاز للمحافظين وترمب، قائلاً إنه “لا يريد تسييس الشركة، بل يخطط لبناء أكثر شركة إعلامية تقنية في العالم”.
وأضاف: “هذا ما سأكرس له العشرين عاماً القادمة من حياتي”.
وذكرت “واشنطن بوست” أنه في الوقت الراهن، عليه التعامل مع بيئة إعلامية قد يعاقب فيها الرئيس المؤسسات التي لا ترضيه تغطيتها.
ولم يعمل ديفيد إليسون في قطاع التكنولوجيا من قبل، لكنه قال في مقابلات إنه نشأ محاطاً بكبار المستثمرين في وادي السيليكون، مثل ستيف جوبز، صديق والده المقرب.
مسيرة حافلة
ووُلد ديفيد عام 1983، حين كانت شركة أوراكل في عامها السادس. وعاش مع والدته باربرا بوث وشقيقته ميجان في وودسايد بولاية كاليفورنيا. ولم يكن لاري إليسون حاضراً بقوة في طفولته، إذ كان منشغلاً بتطوير برمجيات لقواعد البيانات لصالح عملاء مثل وكالة الاستخبارات المركزية، قبل أن تدرج الشركة في البورصة عام 1986.
ووصف أحد موظفي أوراكل السابقين إليسون بأنه كان يعمل كآلة لا تتوقف، مهووساً ليس فقط بالنجاح، بل بهزيمة المنافسين تماماً. وقال مهندس لاحقاً: “عليك أن تتعامل مع لاري إليسون كما تتعامل مع آلة جز العشب، إذا وضعت يدك فيها ستُقطع، ليس عن خبث، بل لأنها آلة، وهذا ما تفعله”.
واقترب ديفيد من والده في سنوات المراهقة عبر هواية الطيران، إذ أخذ والده دروساً للطيران معه واشترى له طائرة.
والتحق ديفيد لفترة بجامعة جنوب كاليفورنيا لدراسة السينما بعد أن ترك جامعة بيبردين، وتدرب في الصيف في أوراكل لكنه لم يحب مجال التكنولوجيا. في تلك الفترة التقى بزوجته المستقبلية ساندرا لين موديتش، طالبة بيبردين ومغنية كانت تسعى لمسيرة موسيقية في موسيقى الريف.
واستمرت أوراكل في النمو عبر صفقات استحواذ، مثل شراء “صن مايكروسيستمز” بـ7 مليارات دولار عام 2009. أما ديفيد فدخل عالم هوليوود بفيلم “فلاي بويز” الذي فشل، لكنه واصل تأسيس شركة “سكاي دانس” عام 2006، وحقق أول نجاح له بفيلم “True Grit” بعد أربع سنوات. وجمعت الشركة 350 مليون دولار لتمويل شراكة مع “باراماونت”.
وأصبح ديفيد لاحقاً منتجاً مهماً في هوليوود من خلال أفلام “ستار تريك” و”مهمة مستحيلة” و”توب جان: مافريك”. وفي الوقت نفسه، كان والده يتحول سياسياً إلى اليمين، داعماً المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني عام 2012، ثم استضاف حملة تبرعات لترمب عام 2020.