أصدرت مجموعة من المنظمات الحقوقية السورية “ورقة موقف” تنتقد فيها المرسوم رقم “143” لعام 2025، الخاص بالنظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري.

وجاء في الورقة الصادرة عن مجموعة من المنظمات الحقوقية اليوم، الاثنين 15 من أيلول، أن المرسوم ينص على انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب عبر هيئات ناخبة، بينما يُعيّن الثلث المتبقي مباشرة من قبل الرئيس، كما يمنح المرسوم الرئيس صلاحية تسمية بدلاء عن النواب الذين يفقدون مقاعدهم، ما يمنحه قدرة على التأثير المباشر في تشكيل المجلس.

واعتبرت المنظمات أن المرسوم يحتوي على ثغرات بنيوية تجعله بعيدًا عن الحد الأدنى من المعايير الدولية للتمثيل والمشاركة السياسية، محذرة من أن الصياغات القانونية تمنح السلطة التنفيذية سيطرة واسعة على تشكيل مجلس الشعب، وتحد من مشاركة المواطنين والفئات المهمشة.

وتشير القراءة الحقوقية إلى أن هذه الصلاحيات تجعل مجلس الشعب عرضة للهيمنة التنفيذية، إذ يمكن للرئيس تشكيل أغلبية برلمانية من أشخاص يختارهم أو يضمن ولاءهم، ما يقوّض مبدأ التعددية ويحوّل المجلس إلى هيئة ذات لون سياسي واحد.

كما أن الأعضاء المفترض انتخابهم يخضعون لسلسلة من اللجان المرتبطة بـ”اللجنة العليا للانتخابات” المعيَّنة من قبل الرئيس، ما يجعل العملية الانتخابية في دائرة نفوذ الرئيس المباشر وغير المباشر، وبالتالي فإن مجمل هذه الترتيبات “تجعل الانتخابات شكلية، فاقدة لجوهرها كآلية ديمقراطية لضمان التمثيل والمساءلة”، بحسب “الورقة”.

شروط الترشح “فضفاضة”

اعتمد المرسوم، بحسب “الورقة”، لغة فضفاضة عند تحديد شروط الترشح، مستبعدًا كل من يُعتبر “من داعمي النظام البائد”، و”التنظيمات الإرهابية”، أو “من دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج”، دون تعريف واضح لهذه المصطلحات، ما يترك مجالًا للتفسير الانتقائي من قبل السلطة التنفيذية، “لتحديد من يحق له الترشح ومن يُستبعد”.

كما تناول المرسوم فئات مثل “الكفاءات” و”الأعيان”، لكنه لم يوضح المقصود بفئة “الأعيان”، ما يفتح المجال أمام النفوذ الشخصي والمالي للوصول إلى المقاعد المخصصة لهذه الفئة، كما نصَّ المرسوم على تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20%، مع عبارة “ما أمكن” التي تطول أيضًا المهجّرين وذوي الإعاقة والناجين من الاعتقال، ما يجعلها “إرشادية وغير ملزمة”، بحسب “الورقة”.

دور السلطة التنفيذية واللجنة العليا للانتخابات

يفترض أن تكون الجهة المشرفة على الانتخابات مستقلة عن السلطة التنفيذية، بحسب “الورقة” لكن المرسوم عكَس ذلك، إذ تُعيّن اللجنة العليا للانتخابات من قبل الرئيس، وتستمد صلاحياتها منه مباشرة، فيما ترتبط لجان الطعون القضائية بوزارة العدل، ويكون قرارها نهائيًا وغير قابل للطعن، وهذا الأمر يفتح الباب أمام احتمال صدور قرارات متناقضة عن تلك اللجان في قضايا متماثلة، من دون وجود جهة عليا مختصة بحسم هذه التناقضات وضمان وحدة المعايير القانونية.

كما يشير المرسوم إلى إمكانية انضمام أعضاء “اللجنة العليا” إلى مجلس الشعب ضمن قائمة الثلث المعيَّن من الرئيس، وهو ما يتعارض مع مبدأ نزاهة الانتخابات، إذ لا يجوز للجهة المكلّفة بالتحضير والإشراف على عملية انتخابية أن تصبح جزءًا من الجسم الذي تُشرف على تشكيلهما.

ويقيّد المرسوم الدعاية الانتخابية ضمن نطاق الهيئة الناخبة، ما يمنع النقاش العام حول المرشحين. كما لم يُكرّس المرسوم حق المراقبة المستقلة كحق قانوني، بل ترك الأمر خاضعًا لإرادة “اللجنة العليا”، ما يحوّل الرقابة إلى امتياز يمكن منحه أو سحبه حسب رؤية السلطة التنفيذية.

العقوبات الانتخابية والدعاية

ينص المرسوم على مضاعفة العقوبات لأي جريمة تقع في أثناء العملية الانتخابية أو بسببها، وبحسب خبراء “الورقة” يطرح هذا النص “إشكاليتين خطيرتين” الأولى: أن رئيس الجمهورية لا يملك صلاحية تعديل العقوبات الجزائية بهذا الشكل، لأن التشريع الجزائي من اختصاص السلطة التشريعية.

والثانية: أن هذه الصياغة قد تستخدم لتقييد حرية التعبير أو النشاط المدني (مثل التظاهر أو توزيع منشورات انتخابية)، ما يجعل من النص أداة محتملة لقمع المشاركة بدلًا من حماية نزاهة العملية الانتخابية بدلًا من حماية نزاهة الانتخابات.

وتتناقض أحكام المرسوم مع “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، الذي يكفل حق كل مواطن في المشاركة في الشؤون العامة والاقتراع العام والمتكافئ. كما يخالف المرسوم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) من حيث ضمان التمثيل الفعلي والمتساوي للمرأة والفئات المهمشة، ويعتبر هذا التناقض مخالفًا أيضًا للإعلان الدستوري السوري الذي يدمج المعاهدات الدولية ضمن القانون الوطني.

وبذلك، وبحسب ما خلصت إليه “الورقة”، فإن المرسوم “143” لا يتعارض فقط مع المعايير والمعاهدات الدولية، بل يتعارض أيضًا مع الإعلان الدستوري نفسه، الذي يعتبر جميع المعاهدات الدولية التي صدقت عليها الدولة جزءًا لا يتجزأ من الإعلان الدستوري (المادة 12).

توصيات المنظمات الحقوقية

قدّمت المنظمات الحقوقية الموقعة على “الورقة” عدة توصيات لتعديل المرسوم، من أبرزها:

  • إلغاء دور رئيس المرحلة الانتقالية في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب.
  • إعادة تشكيل الهيئات الناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني السوري، ومع كافة التيارات والقوى السياسية الفاعلة في مختلف مناطق سوريا لضمان تمثيل كل المواطنين.
  • إلغاء القيود والعبارات الفضفاضة في شروط الترشيح الواردة في المرسوم (143)، والاكتفاء بشروط موضوعية واضحة كالسن والأهلية القانونية.
  • ضمان تمثيل فعلي وإلزامي للفئات المهمشة، بمن فيها النساء والمهجّرون، وذوو الإعاقة، والناجون من الاعتقال، من خلال مواد واضحة وملزمة، لا بصياغات إرشادية عامة.
  • إنشاء هيئة مستقلة فعليًا عن السلطة التنفيذية للإشراف على العملية الانتخابية، مع إشراف قضائي محايد متعدد الدرجات.
  • ضمان حرية الدعاية الانتخابية في الفضاء العام، وتكريس المراقبة المحلية والدولية كحق قانوني وليس خيارًا بيد “اللجنة العليا” للانتخابات.
  • إلغاء المادة التي تضاعف العقوبات على الجرائم الانتخابية من المرسوم، والالتزام بالقوانين السورية النافذة، لا سيما قانون العقوبات السوري بما يتعلق بالجرائم الانتخابية، واعتماد تعريفات دقيقة لها تضمن عدم استخدام القانون لتقييد حرية التعبير.
  • مواءمة النظام الانتخابي مع المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صدّقت عليها سوريا والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الإعلان الدستوري، وبالتالي ضمان حق كل مواطن في المشاركة السياسية والاقتراع العام والمتكافئ.

المنظمات الموقعة

تضمنت قائمة المنظمات الموقعة على الورقة: المركز السوري للعدالة والمساءلة، العدالة من أجل الحياة، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة، مركز وصول لحقوق الإنسان، منظمة مساواة، حقوقيات، بدائل، منظمة بيل-الأمواج المدنية، رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، النساء الآن للتنمية، المركز السوري لبحوث السياسات، الحركة السياسية النسوية السورية، ودولتي.

انتخابات مجلس الشعب

أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أنها تدرس طلبات الترشح لعضوية الهيئات الناخبة تمهيدًا لإجراء الانتخابات.

المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، قال ل، الأحد 14 من أيلول، إنه تتم حاليًا دراسة طلبات الترشح لعضوية الهيئات الناخبة، ومن المتوقع صدور اللوائح الأولية للأعضاء خلال ثلاثة أيام.

وستعرض اللوائح أمام المواطنين في حال الرغبة بتقديم طعون على أسماء الأعضاء لمدة ثلاثة أيام، ومن ثم ستعلن القوائم النهائية لأعضاء الهيئة الناخبة، وفق نجمة.

وتابع أنه بعد الإعلان سيتم الانتقال إلى المرحلة الانتخابية، حيث يفتح باب الترشح لعضوية مجلس الشعب ضمن هذه الهيئات الناخبة، متوقعًا أن يتم إجراء الانتخابات قبل نهاية شهر أيلول الحالي.

مجلس الشعب الجديد يفتح جدل شرعية “النظام الانتخابي”

المصدر: عنب بلدي

شاركها.