من أبو ظبي إلى أنقرة.. أبرز الملفات مع الشرع في جولة لرسم “سيناريو جديد”

يستعد الرئيس السوري، أحمد الشرع، للقيام بزيارتين رسميتين إلى كل من الإمارات العربية المتحدة وتركيا خلال الأسبوع المقبل، وذلك في إطار سعيه إلى تعزيز العلاقات الثنائية وحشد الدعم الإقليمي والدولي للإدارة السورية الجديدة، وتمثل زيارة الإمارات ثاني محطة خليجية للرئيس الشرع بعد زيارته للمملكة العربية السعودية في يناير/كانون الثاني الماضي، فيما ستكون زيارته إلى تركيا هي الثانية من نوعها منذ توليه الرئاسة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، وتحمل الزيارتان دلالات وأبعاد سياسية واقتصادية مهمة.
الإمارات… رافعة اقتصادية وسياسية
تُعد زيارة الإمارات محطة مفصلية في مسار الانفتاح السوري على الدول الخليجية، في ظل تطلعات دمشق إلى ترميم اقتصادها المتداعٍ، وتوسيع شبكة الدعم السياسي والمالي.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي والناشط السياسي زياد الريس في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية” أن: “الزيارة مهمة جداً، والملف الاقتصادي يُعد من أبرز الملفات التي ستُطرح مع الأشقاء في دولة الإمارات. فالإمارات تحتضن عدداً كبيراً من رجال الأعمال السوريين، كما أن لها دوراً مهماً في الدفع نحو رفع العقوبات عن سوريا. وهناك مساعٍ حقيقية للتعاون والمساهمة في ترميم الاقتصاد السوري.”
الريس أكد أن محاولات بعض الأطراف مثل إيران وحزب الله لبث الفتنة بين دمشق وأبو ظبي قد باءت بالفشل، مشيدًا بموقف الإمارات كـ”دولة عربية أصيلة تحتضن كل العرب”.
وقال: ” قدمت الإمارات دعماً كبيراً لسوريا، ولها دور فاعل ومؤثر في السياسة والاقتصاد إقليمياً ودولياً، مما يجعل مساهمتها في هذه المرحلة بالغة الأهمية، خاصة وأنها تُعد جهة ضامنة موثوقة في نظر العديد من الدول الغربية”.
أما عبد الرزاق الحسين، المحلل السياسي، فأشار خلال حديث لـ”ستيب الإخبارية” إلى أن: “الزيارة تأتي في إطار إعادة تدعيم العلاقات الثنائية والعربية، وتفكيك رواسب إعلامية اتهمت الإمارات بلعب دور سلبي في الملف السوري”. ويقول: “اليوم، تتقدم الإمارات بملفات محورية مثل إدارة الموانئ، وتجارة الترانزيت، والمناطق الحرة وهي مجالات معطلة في سوريا وتحتاج إلى خبرات إماراتية.”
ويرى الحسين أن هذه الزيارة لا تنفصل عن الدور العربي الشامل الذي تلعبه الإمارات والسعودية في رسم خارطة دعم جديدة لسوريا ضمن تحالفات أكثر وضوحًا وفعالية.
ويشير أيضاً إلى أنه من المتوقع أن يستكمل الرئيس الشرع لاحقًا زيارة ثانية إلى السعودية، نظرًا لثقلها العربي والإسلامي والدولي. وأظن أن أهم ملفات الرئيس الشرع ستكون تحت عناوين: التعاون الأمني والعسكري في محاربة الإرهاب. ويقول: “السعودية دولة نجحت بقوة في هذا المجال، بالإضافة إلى مجال الحوكمة الإلكترونية، والذي تقدمت فيه السعودية بشكل كبير. والملف الدائم هو: المساعدة في إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهو أمر مهم جدًا، كون السعودية بلدًا يمتلك الخبرات، إضافة إلى قربه الجغرافي من سوريا”.
تركيا… بين الشراكة والمخاوف الإقليمية
أما في الجانب التركي، فيتوقع أن تركز الزيارة الثانية للشرع إلى أنقرة على التعاون الأمني ومواجهة التحديات الإقليمية، خاصة في ظل الحديث عن رغبة تركية بإنشاء قاعدة عسكرية في وسط سوريا، وهو ما أثار قلقًا لدى بعض الأطراف، وفي مقدمتها إسرائيل.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن خلال لقائه السابق مع الشرع في فبراير/شباط الماضي، أن العلاقات بين البلدين سترتقي إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية”، فيما أكد الرئيس السوري أن الطرفين بدآ فعليًا العمل على ملفات أمنية كبرى.
وفي هذا الإطار، صرّح زياد الريس قائلًا: “من الضروري ألا تمنح أنقرة إسرائيل مزيداً من الذرائع لضرب الأراضي السورية، خاصة وأن سوريا لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الكامل. أحد أهم أهداف هذه الزيارة هو إيصال رسالة بأن الدعم التركي لدمشق لا يهدف إلى الهيمنة، بل إلى التعاون واحترام السيادة.”
وأكد الريس أن الدول العربية تراقب عن كثب أي دور خارجي في سوريا، وأنه سيتم الترحيب بأي تدخل يُسهم في استقرار البلاد، بينما يُنظر بسلبية لأي تدخل يؤدي إلى مزيد من التوتر.
أما الحسين فقد أشار إلى أن زيارة تركيا ستكون بمثابة وضع أنقرة في صورة ما تم التوصل إليه عربيًا، وخصوصًا في العلاقة مع السعودية والإمارات، مضيفًا: “تركيا معنية مباشرة بما يجري في سوريا، لاعتبارات جغرافية وأمنية، ولها مصلحة في الانسجام مع التوافقات الإقليمية والدولية، لا سيما في ظل الاستراتيجية الأمريكية الأشمل التي تُعيد تشكيل المنطقة.”
تقاطع المصالح الإقليمية والدولية
تشير مجمل التحركات إلى أن الملف السوري أصبح مرة أخرى ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية. فبينما تحاول دمشق إعادة ترتيب أوراقها والانفتاح على محيطها العربي، تتداخل الأجندات الخليجية، التركية، والأمريكية في محاولة لصياغة واقع جديد في سوريا، يتجاوز آثار الحرب الطويلة، ويمنح البلاد فرصة جديدة للنهوض.
وبحسب الحسين: “الدائرة أمريكية، وتحتوي في داخلها كل دوائر العمل العربي، والخليجي، والتركي، وفق تقاطع هذه الدوائر في المصلحة والانسجام الدولي.”
وتشكل زيارات الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى الإمارات وتركيا منعطفًا دبلوماسيًا مهمًا في مسار عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، وسعيها لاستعادة موقعها في الإقليم.
وفي ظل سعي الإدارة الانتقالية إلى كسب الدعم العربي والغربي، تبدو مهمة الشرع متعددة الأبعاد: إعادة بناء الاقتصاد، كسب الاعتراف السياسي، ضمان الأمن والاستقرار، والتحرر من عُزلة فرضها النظام السابق لعقود.
وإن نجاح هذه الجولات لن يتوقف فقط على ما يُعلن في البيانات الرسمية، بل على قدرة الإدارة السورية على تحويل هذه اللقاءات إلى مشاريع ملموسة تنهض بالواقع السوري وتُعيد بناء الثقة داخليًا وخارجيًا.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية