اخر الاخبار

من “الرافال” للمدارس الفرنسية.. دلالات زيارة ماكرون للقاهرة

عندما دخلت طائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأجواء المصرية في 6 أبريل الجاري، رافقتها مقاتلات مصرية من طراز “الرافال” فرنسية الصنع، ليغرد حينها قائلاً: “وصلنا إلى مصر بكل فخر رفقة مقاتلات رافال المصرية.. رمز قوي لتعاوننا الاستراتيجي”.

زيارة ماكرون للقاهرة، والتي امتدت 3 أيام، حظيت بحفاوة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، ووصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان، بأنها “مهمة للغاية وشاملة”، عكست أوجهاً متعددة للتعاون المصري الفرنسي في مختلف المجالات، تشمل التعاون العسكري والاقتصادي مروراً بالتعليم، كما حَملت عدة رسائل ألقى بها ماكرون في صندوق بريد القوى الدولية، خاصة أن الزيارة انتهت على وقع الحرب في غزة.

تعاون عسكري لافت

الخبير في شؤون الأمن القومي والعلاقات الدولية، محمد عبد الواحد، يرى أن “استقبال ماكرون بمقاتلات الرافال ذو دلالات كبيرة”، بل أن معظم تفاصيل الزيارة تحمل دلالات مختلفة، “فالرافال رمز التعاون العسكري المصري الفرنسي الذي شهد زخماً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث أقدمت القاهرة عام 2015، على شراء 24 مقاتلة رافال، قبل أن يعقبها صفقة إضافية عام 2021 تضمنت 30 طائرة أخرى، في أكبر صفقة بتاريخ فرنسا، لتصبح مصر بذلك ثاني أكبر مشغّل لهذه المقاتلة بعد باريس”.

وأشار عبد الواحد، في حديث لـ”الشرق”، إلى أن “الرافال” مقاتلة متعددة المهام من الجيل الرابع، وتتمتع بقدرات قتالية متنوعة، وتستطيع حمل صواريخ “ميتيور جو-ج”، بالإضافة إلى صواريخ “سكالب جو – أرض” بعيدة المدى، الأمر الذي يمنح القوات الجوية المصرية قدرات هجومية ودفاعية متقدمة.

وتحدث عبد الواحد عن “التطور اللافت والمستمر على صعيد التعاون العسكري المصري الفرنسي”، مشيراً إلى أن القاهرة حصلت على حاملتي المروحيات “ميسترال” من فرنسا، والتي تُعد من أبرز الإضافات الاستراتيجية للجيش المصري، حيث تستخدم في العمليات البرمائية والقيادة والسيطرة، وتحمل مروحيات هجومية، لتصبح القاهرة أول دولة في الشرق الأوسط تمتلك حاملة مروحيات قادرة على نقل قوات وجنود إلى مواقع مختلفة خارج الحدود المصرية.

تنوع التسليح

وأضاف: اقتنت مصر كذلك عدداً من الفرقاطات البحرية على غرار فرقاطة “تحيا مصر” التي تُعد واحدة من أفضل القطع البحرية عالمياً المتخصصة في مهام مكافحة الغواصات، لافتاً إلى أن باريس كانت ركيزة أساسية في استراتيجية القاهرة بالسنوات الأخيرة لتنويع مصادر تسليحها.

وتُعد مصر أحد الأسواق الرئيسية للمعدات العسكرية الفرنسية، وكانت أول بلد أجنبي يشتري مقاتلات “رافال” في 2015، بعد عام من وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وبلغ مجموع الواردات المصرية من الأسلحة الفرنسية 7.7 مليار يورو بين عامي 2010 و2019، ما جعل القاهرة رابع أكبر دولة مستوردة للسلاح من فرنسا، وفقاً للتقرير السنوي للبرلمان الفرنسي، فالتوجه المصري باتجاه باريس جاء بعدما ذكرت تقراير أن الولايات المتحدة ترفض بشكل غير معلن تسليم القاهرة مقاتلات F-35.

ومع وصول ماكرون، بدأت زيارته الرسمية رفقة السيسي لمنطقة خان الخليلي بالقاهرة التاريخية، ووسط زخم الاستقبال الشعبي، برز الدور الفرنسي في التنقيب عن الآثار المصرية، إذ يعد متحف “اللوفر” في باريس ثاني متحف يمتلك آثاراً مصريةً (نحو 52 ألف قطعة آثار مصرية) في العالم بعد المتحف المصري.

وفي ظل التعاون بين البلدين، وبالتزامن مع زيارة ماكرون، أشار بيان رسمي إلى أن حوالي 55 بعثة أثرية فرنسية تعمل في مواقع أثرية بمصر، ويوجد 3 معاهد علمية فرنسية في مصر، حيث يعتبر المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO، جزءاً من شبكة المدارس الفرنسية في الخارج، ويقع تحت رعاية وزارة التربية والتعليم الفرنسية، وتتمثل مهمته في دراسة الحضارات المصرية، فيما يضم نطاق عمله “وادي النيل، والدلتا، والواحات، والصحراء الشرقية والغربية، وسيناء، والبحر الأحمر”، والمركز الفرنسي المصري لدراسة معبد الكرنك CFEETK، ومركز الدراسات السكندرية CEAlex.

مترو الجامعة

وخلال الزيارة، استقل ماكرون مترو الأنفاق المصري، الذي أنشئ عام 1984 بدعم من فرنسا، للذهاب إلى جامعة القاهرة، حيث ألقى خطاباً هو الأول لرئيس دولة أجنبية منذ خطاب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في عام 2009، ليتماشى ذلك مع دلالة أخرى في الزيارة، حيث تم الاتفاق على مضاعفة عدد المدارس الفرنسية في مصر، الذي يبلغ حالياً نحو 50، بحسب بيانات المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، فيما تم الاتفاق على إنشاء 100 مدرسة مصرية فرنسية بحلول عام 2030.

بدوره، يرى المتخصص في شؤون التعليم، محمد الشرقاوي، أن التعليم الفرنسي هو الثاني أو الثالث في مصر، إذ ينتشر بشكل كبير في كليات الطب والحقوق المصرية، بل ويدرس طلاب الثانوية العامة اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية.

ورأى الشرقاوي، في حديث لـ”الشرق”، أن التوسع الفرنسي في مشاريع التعليم بمصر سواء الجامعي أو ما قبل الجامعي، عامل مؤثر في التصنيفات العالمية، التي باتت مؤشراً على جودة التعليم، ولذلك تسعى القاهرة جاهدة لرفع تصنيف جامعاتها عالمياً، بالشكل الذي يمنحها أفضلية في جذب الطلاب من الدول الإفريقية والعربية للدراسة لديها، وتحويل التعليم لمصدر جديد من مصادر الدخل والعُملة الأجنبية.

وأشار إلى أن باريس لديها رغبة واضحة في انتشار اللغة الفرنسية، حتى أن ماكرون أشار إلى أن 321 مليون شخص على مستوى العالم يتحدثون باللغة الفرنسية، ولذلك تسعى لتوسيع دائرة مشروعاتها التعليمية بمصر، خاصة المراحل قبل الجامعية، عبر توقيع بروتوكولات ومذكرات تفاهم مختلفة، تتيح إدخال اللغة الفرنسية في المدارس، مع تبادل الخبرات الأكاديمية بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية والفرنسية، بما يسهم في رفع مستوى التعليم.

وتضم مصر 45 مدرسة فرانكفونية، من بينها 37 مدرسة حاملة لعلامة LabelFrancÉducation تحت إدارة وكالة تعليم اللغة الفرنسية بالخارج AEFE، ويبلغ إجمالي طلاب المدراس الفرنسية نحو 10 آلاف طالب.

وأضاف الشرقاوي أن “التعاون المصري الفرنسي بمجال التعليم مُمتد لأكثر من قرن، حيث يتواجد التعليم الفرنسي بشكل ملموس في مصر، عبر المدارس الفرنسية، إضافة إلى نحو 3 جامعات فرنسية، بل أن كلية الحقوق بجامعة السوربون فتحت أبوابها بجامعة القاهرة قبل 35 عاماً”.

ويتشارك البلدان حالياً بنحو 50 شراكة في مختلف مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، فيما تهدف العلاقات الفرنسية- المصرية إلى نقل 50 شهادة فرنسية إلى مصر ما بين عامي 2025 و2035، إلى جانب تنفيذ 70 مشروع تعاون جديد.

تحولات عالمية واقتصادية

ووقع الرئيس الفرنسي، خلال الزيارة، مع نظيره المصري نحو 12 اتفاقية، تهدف إلى التوسع في التعاون في كافة المجالات، أبرزها الجانب الاقتصادي.

وقال سعيد حنفي، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة المصرية الفرنسية، إن الزيارة ساهمت في لفت أنظار الأوروبيين نحو القاهرة لاتخاذها كمركز للتصنيع والتصدير إلى دول العالم، وفي مقدمتها دول القارة الإفريقية، خاصة مع اشتعال حرب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين.

وعن الشراكة الاستراتيجية التي وقعها البلدين، أوضح حنفي أن التطورات التي يشهدها السوق العالمي تُجبر الدول على إعادة ترتيب أوراقها والبحث عن شراكات استراتيجية مؤثرة، بعيداً عن ما وصفه بـ”التسلط الأميركي”، لافتاً إلى أن باريس ترغب في إعادة تجربتها مع المغرب، عبر مصر، بالحصول على موقع لوجيستي وحيوي للتصنيع والتصدير نحو دول القارة الإفريقية، التي لطالما امتلكت فرنسا حضوراً مؤثراً فيها.

وفي حديث لـ”الشرق”، نوّه حنفي إلى أن فرنسا ترغب في البحث عن بدائل عن السوق الأميركي بعد قرارات الرئيس دونالد ترمب الأخيرة المتعلقة بفرض رسوم جمركية وصلت لمستوى 20% على دول الاتحاد الأوروبي قبل تعليقها لمدة 90 يوماً، كما تسعى باريس إلى تقليل التأثير السلبي المُنتظر لقرارات ترمب، وإيجاد بدائل لصادراتها، وفي حال المضي قدماً بتنفيذ شراكات استراتيجية ونقل جزء من التصنيع الفرنسي لمصر، سيفتح هذا سوقاً جديداً في الدول العربية ومنطقة “الكوميسا” والمغرب العربي.

وشهدت زيارة ماكرون، وفقاً لحنفي، توقيع اتفاقيات عديدة، أبرزها وضع حجر الأساس لإنشاء مجمع صناعي بمدينة برج العرب في الإسكندرية، لإنتاج الوحدات المتحركة ومدخلات إنتاج الأنظمة الكهربائية ومكونات السكك الحديدية، بالتعاون مع شركة “ألستوم” الفرنسية.

 العريش – باريس

بدوره، الخبير الاستراتيجي اللواء محمد عبد الواحد، سلّط الضوء على ختام زيارة ماكرون، والتي كانت من مدينة العريش الحدودية مع غزة، حيث الملف المشترك والتفاهمات مع مصر، واصفاً وجود الزعيمان المصري والفرنسي بهذه المنطقة القريبة من القطاع الفلسطيني، أنه “محاولة للفت أنظار العالم إلى حجم معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة من الجيش الإسرائيلي”.

ويعتقد عبد الواحد أن الضغوط العربية ساهمت بشكل كبير في تشكيل موقف أوروبي مختلف، عبر زيارة ماكرون واعتراف مدريد وباريس بالدولة الفلسطينية، وهنا دلالة مهمة أن فرنسا بتزعمها للاتحاد الأوروبي ووجود ماكرون لجوار السيسي قرب الحدود دليل واضح على وجود محور سياسي غربي داعم للتسوية السياسية، بعيداً عن المحور الأميركي الإسرائيلي الداعم للتوجهات العسكرية.

واختتم حديثه مشيراً إلى “رغبة ماكرون في إيصال رسالة للولايات المتحدة وإسرائيل، أن فرنسا تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، وأن القرار الفرنسي، هو قرار مُنفرد وخارج الهيمنة الأميركية”، وفق تعبيره.

ورأى عبد الواحد أن “باريس العضو الدائم في مجلس الأمن، تمتلك قدرة كبيرة في التأثير على دعم على القضية الفلسطينية على المستوى الدولي والإقليمي، متمثلاً في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى رغبة القاهرة في الحصول على الدعم الأوروبي لخطتها في إعادة إعمار غزة، والتي تواجه ضغوطا أميركية وإسرائيلية كبيرة، خاصة أن باريس تقود أوروبا في السنوات الأخيرة”، وفق قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *