قبل ساعات من بدء العرض العسكري الضخم الذي نظمته الصين بحضور قادة عدة دول منها روسيا وكوريا الشمالية، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في الولايات المتحدة تقريراً يرصد التطورات والتحديات التي تواجه الجيش الصيني، منذ تولي الرئيس شي جين بينج، مقاليد الحكم في بكين. 

وأشار التقرير إلى التطور الهائل الذي جرى في الجيش الصيني، إذ استفادت بكين بقوة من تطور قطاعها الصناعي والتقني، وحولت قواتها الجوية والبرية والبحرية والصاروخية، إلى نموذج لأحد أكثر الجيوش تقدماً في العالم.

وبحسب التقرير الذي أعده ماثيو فونايول، وبراين هارت، فإن القوات المسلحة الصينية “تحولت من قوة إقليمية متقادمة إلى قوة فتاكة متقدمة قادرة على العمل بعيداً عن حدود الصين”.

وأشار التقرير إلى أن “عملية التحديث التي يقوم بها الجيش الصيني لا تزال تواجه عقبات كبيرة، لكن الرئيس الصيني جعل تطوير القوات المسلحة، أولوية قصوى لبلاده”. 

إنفاق دفاعي هائل

وأوضح المركز في تقريره أن بكين استفادت بقوة من صعودها كقوة اقتصادية، ما جعلها قادرة على توفير “زيادات مطردة في الإنفاق العسكري”، ورغم أن التفاصيل الدقيقة للميزانية العسكرية التي توفرها الصين لتطوير قواتها المسلحة متعددة الأفرع، لا تزال تقديرية، لكن الدراسة تشير إلى ميزانية رسمية تبلغ نحو 247 مليار دولار لسنة 2025. 

في المقابل تشير تقديرات معهد “ستوكهولم لدراسات السلام” SPIRI إلى أن الميزانية تجاوزت هذا الرقم بكثير في العام 2024، إذ يقدر المركز إنفاق الصين بنحو 318 مليار دولار على الدفاع في العام الماضي وحده، فيما تحدد تقارير أخرى مبالغ أكبر، منها دراسة أجرتها دورية تكساس للأمن القومي المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية، مؤكدة أن الإنفاق العسكري الصيني بلغ 471 مليار دولار في 2024 وحده.

وأشارت دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أنه رغم اختلاف حجم الميزانية التي رصدتها بكين لتطوير قواتها المسلحة، إلا أن حجم النمو في القطاع الدفاعي، مكّن الصين من تنفيذ استثمارات واسعة في المعدات والأصول العسكرية، وكذلك عمليات التدريب والصيانة. 

ولفتت الدراسة إلى أن الصين “تقلص الفارق بقوة مع الولايات المتحدة”، إذ كان الإنفاق الدفاعي الصيني يمثل فقط سدس نظيره الأميركي في 2012، لكنه ارتفع إلى ثلث الإنفاق الأميركي في 2024، أما بالمقارنة مع النطاق الجغرافي، فإن بكين تنفق خمسة أضعاف اليابان، وسبعة أضعاف كوريا الجنوبية على الدفاع. 

البحرية الصينية.. جرس إنذار لواشنطن

وأوضح التقرير أن التطور الهائل الذي شهدته القوات المسلحة الصينية، استهدف تطويراً جذرياً في حجم وطبيعة عمل ورؤية بكين لقواتها البحرية، إذ عملت على تطويرها من قوة ساحلية إلى قوة بحرية زرقاء، وهو مصطلح يعني بناء أسطول بحري قادر على العمل في المياه العميقة، بعيداً عن النطاق الجغرافي المحاذي للدولة، بما يوفر قدرة على الانتشار العالمي في أعالي البحار.

وخلصت الدراسة إلى أن حجم الأساطيل الصينية، تجاوز بالفعل عدد سفن القوة القتالية التي تملكها الولايات المتحدة، منذ عام 2014، ورغم أن واشنطن لا تزال تتفوق في حمولات السفن وأنظمة الصواريخ وخبرة العمل في البحار المفتوحة، إلا أن الصين بوتيرة النمو الحالية في هذا القطاع “تقترب تدريجياً” من موازنة القوة البحرية الأميركية وهي الأكبر في العالم. 

سلاح الجو.. رأس حربة بكين 

ولم تكن الصين مصنفة طيلة عقود، كقوة جوية مؤثرة على المسرح العالمي، فحتى بدايات الألفية كانت الأصول الجوية في الصين، متقادمة، وتعتمد على نسخ روسية بتطوير محلي بدأ متأخراً عن نظيرتها الغربية خاصة الأميركية.

لكن الوضع تغير تماماً، فبحسب الدراسة، فإن القوات الجوية الصينية “حققت تقدماً كبيراً في عدد الطائرات المقاتلة التي تملكها، وزادت حصة الصين من الطائرات المتقدمة”. 

وتسعى الصين بوتيرة متسارعة لاستبدال طائرات الجيلين الثاني والثالث، بأنواع أكثر تطوراً وحداثة من الجيل الرابع المتقدم 4+، وكذلك طائرات الجيل الخامس مثل المقاتلة j-20 التي تمتلك قدرات تخفي ضخمة، وتستطيع تنفيذ عمليات دقيقة بقوة.

وأيضاً تحقق الصين بوتيرة متزايدة اختراقاً في مجالات التصنيع العسكري للأصول الجوية، إذ أصبحت دولة مصدرة للطائرات المقاتلة ثابتة الجناح والطائرات المسيرة، وكذلك المروحيات المسلحة وطائرات الشحن الاستراتيجي العملاقة، وكذلك طائرات الإنذار المبكر التي تضارع أحدث أجيال الطائرات الغربية من ذات الفئة. 

ولفتت الدراسة إلى “تحول ميزان القوة عبر مضيق تايوان”، مشيرةً إلى أن “قدرات الصين المتقدمة قلبت ميزان القوة، إذ أمر الرئيس الصيني بامتلاك قدرة عسكرية للسيطرة على تايوان بالقوة بحلول 2027”.

وأشارت إلى أن “الألوية الشرقية والجنوبية في القوات المسلحة الصينية، تتركز فيها غالبية الأصول الجوية والبحرية”، وهي تمركزات عسكرية صينية أقرب إلى تايوان. 

القدرات النووية.. الصين تصعد بقوة

ولفت التقرير لاستثمار الصين الضخم في تطوير ترسانتها النووية، إذ تقول الدراسة إن بكين باتت تمتلك نحو 600 رأس نووي في 2025، وهو أكثر من ضعف ما كانت تملكه في 2019.

وتتوقع وزارة الدفاع الأميركية أن تصل بكين إلى 1500 رأس نووي بحلول 2035، في خطوة تجعل الصين تقترب من التكافؤ مع الترسانتين الأكبر في العالم، وهما روسيا والولايات المتحدة. 

وكانت الصين من أوائل الدول التي بدأت برنامجاً نووياً، إذ أطلقت بكين برنامجها النووي في 1955، وأجرت 45 تجربة على الأسلحة النووية.

وبحلول عام 1964 أصبحت الصين دولة نووية رسمياً، غير أن بكين لم تحتفظ لعقودٍ بترسانة ضخمة من الرؤوس النووية، مكتفية بنحو 250 رأس نووي تقريباً. إلا أن التطور الكبير لقدرات الصين عسكرياً وتقنياً، جعل بكين تبدأ في مضاعفة عدد أسلحتها النووية بصورة لافتة. 

الصواريخ الصينية.. الترسانة الأكبر عالمياً

وحذرت الدراسة من التطور الهائل في قطاع تصميم وتطوير وتصنيع الصواريخ في الصين، إذ نجحت بكين في بناء “أكبر ترسانة صواريخ أرضية تقليدية ومزدوجة الاستخدام في العالم”، والصواريخ مزدوجة الاستخدام، هي صواريخ يمكنها حمل رؤوس حربية تقليدية أو غير تقليدية.

وبحسب الدراسة، فإن الصين سرّعت نمو مخزوناتها من الصواريخ متوسطة المدى خلال العقد الماضي، خاصة صواريخ مثل DF-26، الذي يبلغ مداه 4 آلاف كيلومتراً، ويعتبر تهديداً واضحاً للقواعد الأميركية خاصة قاعدة جوام بالمحيط الهادئ. 

وتعتبر قاعدة جوام، أبرز القواعد العسكرية الأميركية في منطقة المحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية، التي تأسست عام 1944، كما تعتبر مركزاً رئيسياً للغواصات والسفن الأميركية، فضلاً عن قاعدة “أندرسون” الجوية العملاقة التي تضم قاذفات أميركية بعيدة المدى، ومنظومات دفاع جوي متقدمة، وتعتبر جوام نقطة الانطلاق الأميركية الأكثر تجهيزاً وقرباً من منطقة الشرق الأقصى، حيث تقع الصين وكوريا الشمالية، بجوار حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. 

القوات البرية.. العدد يتقلص والقدرات تتزايد

وبينما تتوسع الصين في الجو والبحر والفضاء، بدأ الرئيس الصيني خطته الطموحة للإصلاح في القطاع العسكري في 2015، بتقليص عدد القوات البرية بنحو 300 ألف جندي جميعهم من القوات البرية، وتم نقل الجنود إلى خدمات دعم جديدة، بحسب دراسة المركز الأميركي. 

ورغم تقليص العدد، إلا أن القوات البرية النشطة بالفعل في الجيش الصيني، وذلك بحسب آخر تقرير منشور لوزارة الدفاع الأميركية، يصل عددها إلى 965 ألف جندي، فيما يشير موقع “جلوبال فاير باور” لوجود أكثر من 2 مليون جندي نشط في كافة أفرع القوات المسلحة الصينية.

وتشغل القوات البرية الصينية أكثر من 6800 دبابة قتال، كما تملك أكثر من 144 ألف مركبة عسكرية، ونحو 3500 قطعة مدفعية ذاتية الحركة، و1000 قطعة مدفعية مقطورة، بينما تملك راجمات مدفعية صاروخية تصل إلى 2750 راجمة. بحسب إحصائيات “جلوبال فاير باور”. 

تحديات ضخمة تواجه الجيش

وأشارت الدراسة الأميركية إلى أن الجهود الدؤوبة التي يقودها الرئيس الصيني لتطوير قدرات بلاده في المجال العسكري، لا تزال تواجه تحديات ضخمة. 

وأوضحت الدراسة أن “الفساد ما زال يمثل تحدياً متزايداً ومسألة حساسة في الجيش الصيني”، إذ كان الرئيس الصيني قد شن حملات موسعة لمكافحة الفساد منذ توليه السلطة، وحسب التقرير فإن تلك الحملات للقضاء على الفساد في هذا القطاع، تصاعدت بقوة في 2023، وتمت الإطاحة بعدد من كبار القادة الصينيين مثل نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهو ما عدته الدراسة الأميركية “مؤشراً” على جدية الصين في تطهير المؤسسة العسكرية من المعوقات. 

ورغم القفزات الصناعية الهائلة للقطاع الدفاعي في الصين، والتحول اللافت في قدرات الجيش الصيني، إلا أن عدم خوض الصين حروباً حقيقية طيلة عقود، يظل تحدياً لقياس الجاهزية الفعلية للقوات والقدرات الميدانية الدقيقة للمعدات.

شاركها.