مع دخول الإعلان الدستوري المؤقت حيّز التنفيذ في سوريا خلال مارس 2025، بدأ تشكيل ملامح المرحلة الانتقالية عبر خطوات تنظيمية تشمل أبرزها آلية انتخاب مجلس الشعب الجديد، الذي يُفترض أن يتولى وظيفة تشريعية مؤقتة، لكن هذه الخطوة، رغم أنها تبدو من حيث الشكل تحركاً نحو التأسيس السياسي، تُواجه بانتقادات حادة وتساؤلات حول مشروعيتها وواقعيتها، وسط شكوك تتعاظم حول كونها مجرد واجهة شكلية.

 

الأساس الدستوري والتنظيمي في مجلس الشعب السوري الجديد

 

نصّ الإعلان الدستوري المؤقت على تشكيل مجلس تشريعي مؤقت، بآلية لا تعتمد على الانتخابات العامة المباشرة بل على عملية ترشيح وانتخاب داخلية محصورة ضمن هيئات ناخبة مغلقة، وبحسب الوثائق الرسمية وتصريحات اللجنة العليا للانتخابات، فإن العملية ستُدار كالتالي:

 

اللجنة العليا المركزية للانتخابات تقوم بتعيين لجان فرعية في كل محافظة، وتقوم هذه اللجان الفرعية بتعيين ما يُعرف بـ “الهيئات الناخبة” أو “المجمع الانتخابي”، والتي تضم من 30 إلى 50 شخصًا عن كل مقعد برلماني.

وأعضاء المجمع الانتخابي فقط هم من يملكون حق الترشح والتصويت في آن معًا، بينما لا يُسمح لأعضاء لجان الانتخابات أو الطعون بالترشح، ويجري تحديد شروط ومعايير التعيين لاحقًا.

 

كما يُسمح بتعديل هذه الآليات بعد مشاورات ميدانية خلال 3 أشهر، ويُجرى انتخاب ممثلي محافظة الرقة استثنائيًا في معدان أو تل أبيض.

 

وقبل نحو أسبوع أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوماً بتعيين أسماء اللجنة العليا المركزية للانتخابات، برئاسة محمد طه الأحمد، وعضوية كلاً من: حسن إبراهيم الدغيم، عماد يعقوب برق، لارا شاهر عيزوقي، نوار الياس نجمة، محمد علي محمد ياسين، محمد خضر ولي، محمد ياسر كحالة، حنان إبراهيم البلخي، بدر الجاموس، أنس العبده.

 

ونصّ المرسوم على أن يكون عدد أعضاء مجلس الشعب 150 عضواً، موزعين حسب عدد السكان على المحافظات، وفق فئتي الأعيان والمثقفين، ووفق شروط تقرها اللجنة العليا للانتخابات.

 

كما نصّ المرسوم على أن يُعين ثلث الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية وثلثي الأعضاء يتم انتخابهم وفق لجان انتخابية معتبرة، موزعين على المحافظات كالآتي: حلب (20) مقعداً، دمشق (11) مقعداً، ريف دمشق (10) مقاعد، حمص (9) مقاعد، حماة (8) مقاعد، اللاذقية (6) مقاعد، طرطوس (5) مقاعد، إدلب (7) مقاعد، دير الزور (6) مقاعد، الحسكة (6) مقاعد، الرقة (3) مقاعد، درعا (4) مقاعد، السويداء (3) مقاعد، القنيطرة (2) مقاعد.

 

تغييب الشفافية والرقابة

 

رغم ما يبدو من تنظيم وتقنين، فإن العملية بأكملها تُوصف من قبل حقوقيين بأنها إقصائية وغير شفافة.

ويقول المحامي السوري غزوان قرنفل، في حديث لوكالة ستيب نيوز: “إنّه عندما يكون المجلس مُعيّناً ثلثه بشكل مباشر، وثلثاه عبر لجان تُعيّن بدورها لجاناً فرعية تختار المجمع الانتخابي، يصبح السؤال عن الشفافية ترفًا لا نملكه”

ويضيف: “المجلس برمّته مُعيّن من شخص يملك صلاحيات مطلقة في أن يقرر ما يشاء دون أن يُسأل، واسمه رئيس الجمهورية”.

ويتابع قرنفل: “لا وجود لمراقبة فعلية؛ من لا يملك أن يُسائل لا يملك أن يُراقب. نحن نشهد على مسرحية سياسية تُبنى رغماً عن إرادتنا”.

 

 

تعددية شكلية ونتائج محسومة

 

من أبرز الهواجس المثارة هو التخوف من أن يكون هذا المجلس القادم تمثيليًا في الشكل فقط، في حين يُعاد إنتاج منظومة سلطوية بأدوات تجميلية، قرنفل يذهب أبعد من ذلك بقوله: “ليس هناك تخوف بل يقين قاطع أن المجلس كله سيكون من لون واحد في المضمون، والتعدديات الشكلية هي فقط تجميل لوجه كئيب. نحن أمام مشهد سياسي خادع يُعاد إنتاجه بميك أب مهترئ”.

 

 

أدوار محدودة ومجلس محدود الصلاحيات

 

يشير الإعلان الدستوري إلى أن المجلس سيتولى صياغة قوانين انتقالية، وتقديم مشاريع لقوانين عامة، لكن دون تحديد آلية فعالة لمساءلة الحكومة أو مراجعة السياسات التنفيذية.

 

وفي هذا الصدد، يوضح قرنفل: “لا دور فعليًا لهذا المجلس. السلطة التنفيذية بيد شخص واحد، وما يقرره سيكون هو القانون. المجلس سيكون هيئة تصفيق وتشريع وفق رغبة السلطة، لا أكثر”.

 

تمثيل مشكوك فيه

 

رغم إعلان اللجنة العليا أن الاختيار سيضمن تمثيل النساء والكفاءات والأقليات، إلا أن غياب آليات دقيقة لاختيار الهيئات الناخبة يترك الباب مفتوحاً لمخاوف التلاعب.

 

ويعبّر قرنفل بلهجة حادة عن ذلك بقوله: “هذا المجلس لن يمثل أحداً إلا من يصنع القرار. هو مجرد جزء من سلطة فردية تُبنى حجراً فوق حجر، وتُكرّس لسنوات مقبلة… وجه السلطة يبدو أقرب لوجه مهرّج يحاول تقمّص هيئة جمهورية حديثة”.

 

وتأتي آلية تشكيل مجلس الشعب السوري الجديد في إطار ما تصفه الحكومة السورية بـ”المرحلة التأسيسية المؤقتة”، التي تهدف إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتنظيم الحياة السياسية في أعقاب سنوات من النزاع. ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن هذا المجلس يُعد خطوة على طريق إرساء قواعد انتقالية نحو إعادة الاستقرار وبناء منظومة تشريعية أكثر تمثيلاً لمكونات المجتمع السوري، وترى الحكومة أن تشكيل هذا المجلس هو ضرورة لتأمين مرحلة تشريعية انتقالية تساعد في صياغة أطر تشريعية جديدة، بعيداً عن الإقصاء أو التدخل الخارجي، ويُروج له على أنه مؤسسة دستورية انتقالية تعكس متطلبات المرحلة وتوفر منصة لتقنين السياسات الداخلية وتنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع، بينما يخشى حقوقيون من نوعية التمثيل وقدرة وصول كافة الشرائح بالمجتمع لهذا المجلس، إضافة لمحدودية سلطاته التي يملكها وفق الإعلان الدستوري.

 

اقرأ أيضاً|| انتخابات مجلس الشعب الجديد في سوريا.. استحقاق سياسي “نادر” أم هندسة ناعمة للمشهد الانتقالي؟

من يُنتخب ومن يُعيّن؟.. جدلية التمثيل مجلس الشعب السوري الجديد وحقوقي يثير نقاطاً مهمّة

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.