كشف مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن برنامج “اختيارات عالمية”، ضمن دورته الخامسة، الذي يجمع نخبة من أبرز أفلام عام 2025 التي نالت إعجاب النقاد والجمهور في كبرى المهرجانات السينمائية حول العالم، ليقدّمها المهرجان لجمهوره للمرة الأولى في المنطقة.
ويضم البرنامج 12 فيلماً من إنتاجات متنوعة بين الشرق والغرب، من بينها تسعة تعرض للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب فيلمين مصريين يعرضان للمرة الأولى في السعودية.
يجسّد البرنامج في نسخته هذا العام روح المهرجان الطامحة إلى مدّ الجسور بين الثقافات، وتقديم بانوراما عالمية للسينما المعاصرة، إذ تتنوّع أفلامه بين دراما إنسانية وأعمال فنية متمردة، وتجارب إخراجية جديدة تحمل بصمات فنية قوية.
ومن آسيا، يبرز الفيلم الياباني Kokuho للمخرج لي سانج-إيل، وهو أحد أنجح أفلام العام في شباك التذاكر الياباني ومرشّح لجائزة الأوسكار، حيث يغوص في عالم مسرح الكابوكي التقليدي وتقاليد “الأوناجاتا” التي يؤدي فيها الرجال أدوار النساء، مستعرضاً علاقة إنسانية معقدة بين أستاذ وتلميذه على مدى خمسة عقود في ملحمة عن الطموح والإرث الفني.
ومن تايوان، تقدّم النجمة شو تشي تجربتها الإخراجية الأولى في فيلم Girl، دراما شخصية عن مراهقة تصارع قسوة الواقع العائلي والسكوت الطويل عن العنف، في عمل دقيق الملاحظة ورقيق التعبير، يعلن ميلاد صوت إخراجي نسائي آسيوي جديد.
تنوع أوربي
أما أوروبا، فتمثّلها مجموعة من الأفلام المتنوعة في رؤاها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية، من بينها الفيلم السويسري Last Shift للمخرجة بيترا فولبي، الذي اختير لتمثيل سويسرا في سباق الأوسكار هذا العام، وتدور أحداثه خلال يوم واحد في حياة ممرضة تكافح ضغط المهنة وتعب الجسد والروح، مقدماً تحية مؤثرة لمقدّمي الرعاية في مواجهة الإنهاك الإنساني.
وفي المقابل، يحمل الفيلم الفرنسي-الرواندي Kwibuka (se souvenir) للمخرج جوناس دأديسكي بعداً إنسانياً آخر، إذ يروي قصة لاعبة كرة سلة بلجيكية-رواندية تعود إلى وطنها بعد عشرين عاماً من الإبادة الجماعية، في مواجهة مع الذاكرة والهوية والصدمة العابرة للأجيال.
ومن إيطاليا، يأتي فيلم Primavera للمخرج داميانو ميكيليتو، الذي يعيد إحياء مدينة البندقية في القرن الثامن عشر من خلال قصة فتاة يتيمة موهوبة في دار أيتام للموسيقى، يكتشفها الموسيقار أنطونيو فيفالدي، في عمل بصري شاعر يمزج التاريخ بالخيال الفني، ويقدّم تأملاً في الحرية والإبداع الأنثوي في عالم ذكوري مقيد.
في الاتجاه ذاته، يعود المخرج البريطاني بن ويتلي بفيلم Normal، في تجربة تجمع بين السخرية والعنف والعبثية على الطريقة الغربية، حيث يؤدي بوب أودينكيرك دور شريف بلدة صغيرة في ولاية مينيسوتا تتحول ليلتها الهادئة إلى ساحة مواجهات دموية تتقاطع فيها عصابات الياكوزا مع طبائع البشر في مواجهة القدر، الفيلم، الذي كتبه أودينكيرك مع مبتكر سلسلة “جون ويك” ديريك كولستاد، يزاوج بين حيوية أفلام الدرجة الثانية وذكاء السينما المستقلة، بمشاركة مميّزة من لينا هيدي وهنري وينكلر.
ومن بريطانيا أيضاً يأتي فيلم Saipan للمخرجين ليزا باروس دي سا وجلين ليبورن، الذي يعيد إحياء التوترات الشهيرة التي صاحبت مشاركة المنتخب الإيرلندي في كأس العالم 2002 من خلال صراع المدرب ميك مكارثي واللاعب الأسطوري روي كين، في دراما رياضية تجمع الطرافة والدراما الوطنية، وتمنح الجمهور ظهوراً فخرياً لفريق المنتخب السعودي الذي ترك بصمة في ذلك المونديال.
من كان إلى جدة
أما من أميركا اللاتينية، فيقدّم المخرج البرازيلي كليبير ميندونكا فيلهو فيلم The Secret Agent، الفائز في مهرجان كان السينمائي بجائزتي أفضل مخرج وأفضل ممثل للنجم فاجنر مورا، تدور أحداث الفيلم في البرازيل عام 1977 إبان الحكم العسكري، حيث يهرب أكاديمي يساري مع ابنه من الملاحقة الأمنية في رحلة تجمع التوتر السياسي باللمسة الساخرة والرمزية الفيلمية، ليختارته البرازيل رسمياً لتمثيلها في سباق الأوسكار.
أما فيلم Erupcja للمخرج بيت أوس، فينقل المشاهد إلى العاصمة البولندية وارسو عبر شخصيات تتقاطع مصائرها في سلسلة من الانفجارات العاطفية والمجازية، من بطولة المغنية العالمية تشارلي إكس سي إكس في أداء مفاجئ يذكّر بأفلام الموجة الجديدة وسلسلة Before، حيث تتحوّل العلاقات الإنسانية إلى بركان من المشاعر والاحتمالات.
ومن آسيا مجدداً، يطلّ فيلم الأكشن The Furious من هونج كونج، للمخرج ومصمم المعارك الشهير تانيجاكي كينجي، في ملحمة فنون قتالية من إنتاج بيل كونج (منتج Crouching Tiger, Hidden Dragon)، تجمع نخبة من نجوم القتال في آسيا مثل شي مياو وجو تاسليم وجيجا يانين، وتدور أحداثها حول أب وصحفي يخوضان مواجهة ضارية مع عصابة للاتجار بالبشر بحثاً عن أحبائهما المفقودين، يجمع الفيلم بين العاطفة والدم والعدالة في تحية للأفلام الآسيوية الكلاسيكية، ودفعٍ بالنوع إلى مستوى جديد من الواقعية البصرية والدرامية.
ومن العالم العربي، يشارك فيلمان مصريان بارزان حصدا إشادة نقدية واسعة في المهرجانات الدولية. الأول هو “المستعمرة” للمخرج محمد رشاد، الذي يتناول قصة شاب يُعرض عليه إخفاء حقيقة مقتل والده في المصنع مقابل وظيفة له ولأخيه الأصغر، في دراما اجتماعية خانقة يستخدم فيها رشاد الصوت والضجيج كأداة سردية تعكس القهر الطبقي والفساد الصناعي، ليغمر الجمهور في أجواء المصنع القاسية والمجتمع المظلم.
أما الثاني فهو “كولونيا” للمخرج محمد صيام، الذي يرسم مواجهة حميمية ومؤلمة بين أب وابنه خلال ليلة واحدة تعيد فتح جروح الماضي، في عمل بصري مكثف يطرح تساؤلاً وجودياً: هل يمكن لليلة واحدة أن تصنع المصالحة بعد الفقد، أم تفتح باب الانتقام من جديد؟ كلا الفيلمين يقدّمان رؤية إنسانية عميقة لمفهوم الأبوة والعائلة والذنب، ويؤكدان حضور السينما المصرية في المشهد العالمي بلغة درامية ناضجة ومؤثرة.
“جسور بين الشرق والغرب”
وقال فيصل بالطيور، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائي الدولي: “يجسّد برنامج (اختيارات عالمية) موسماً سينمائياً فريداً هذا العام، إذ يجمع 12 فيلماً تألقت في كبرى المحافل السينمائية، وانتقاها فريق المهرجان بعناية لنقدّمها لجمهورنا في قلب جدة التاريخية؛ إيماناً منّا بدور المهرجان في مدّ الجسور بين الشرق والغرب، وتقديم تجارب سينمائية تُثري المشهد الثقافي، وتُعزّز مكانة المملكة كوجهة سينمائية رائدة”.
ويُعد برنامج “اختيارات عالمية” أحد أبرز أقسام المهرجان، التي تتيح لجمهور السينما في السعودية والمنطقة العربية فرصة مشاهدة أعمال شكّلت حدثاً في المهرجانات الكبرى، مثل كان وفينيسيا وبرلين، في تجربة تثبت قدرة المهرجان على أن يكون نافذة على المشهد السينمائي الدولي.
