شهد المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، الأربعاء، افتتاح الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والتي تستمر فعالياتها حتى 21 نوفمبر الجاري، وسط حضور واسع من صُنّاع السينما والنجوم والضيوف العرب والدوليين.
وجاء انطلاق الدورة الجديدة محمّلاً برسائل فنية وثقافية تعكس رغبة المهرجان في تعزيز حضوره كأحد أهم الفعاليات السينمائية في المنطقة، وكمؤسسة تعمل على دعم الصناعة وصون تراثها التاريخي.
بدأ الحفل بفقرة موسيقية استعراضية قدمها الفنان العالمي ساشو مستخدماً تقنية الليزر، في عرض بصري عكس توجه المهرجان نحو مزيج من الحداثة والتقنيات المتطورة.
تلا الفقرة ظهور رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، الذي أكد في كلمته أن “مصر دائماً قادرة على صنع المعجزات”، مشيراً إلى أن البلاد تدخل عصراً جديداً من الإبداع تلعب فيه السينما دوراً محورياً في التعبير عن المجتمع وقضاياه.
وأعلن فهمي عن مبادرة يتبناها المهرجان لترميم كنوز السينما المصرية، في خطوة تهدف إلى استعادة ذاكرة الفن المصري وحماية تراثه الذي يمتد لأكثر من مئة عام.
وشدد فهمي على أن السينما ليست مجرد ترف ثقافي، بل وسيلة تمنحنا “حياة أخرى نعيشها” عبر كل فيلم.
أما وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، فأوضح في كلمة حملت بعداً فلسفياً أن كاميرا السينما “توثق مشاهد لا يمحوها التاريخ”، مضيفاً أن الفن السابع يخلق للحياة حياة، وأن الفن الحقيقي لا يُعرض فقط على الشاشة، بل يعيش في ضمائر الشعوب، في إشارة إلى دور السينما في خلق الوعي وصياغة الذاكرة الجمعية.
تحية لرموز رحلوا
توقّف الحفل عند لحظة إنسانية خصّصها المهرجان لتحية أسماء رحلت هذا العام، وشكّلت جزءاً مهماً من الوجدان الفني المصري، منهم: نبيل الحلفاوي، سميحة أيوب، لطفي لبيب، سليمان عيد، مدير التصوير تيمور تيمور، المخرج سامح عبد العزيز، والسيناريست أحمد عبد الله.
وقدّمت الإعلامية جاسمين طه زكي شرحاً لملامح الدورة، مؤكدة أن المهرجان يعرض 150 فيلماً في مسابقاته وأقسامه المختلفة، بينها أكثر من 70 عرضاً عالمياً ودولياً، بما يعكس تنوع الإنتاج السينمائي وتزايد اهتمام السينمائيين بالمشاركة في القاهرة.
رسائل خبرة وإلهام
وكرم المخرج التركي العالمي نوري بيلجي جيلان، رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الذي أعرب عن سعادته بالتواجد في القاهرة، مؤكداً أن اللجنة ستعمل ما بوسعها لاختيار الأفضل من بين الأفلام المتنافسة.
كما منح المهرجان الفنان خالد النبوي جائزة فاتن حمامة للتميز، وقد بدت كلمته محمّلة بالشجن والامتنان؛ إذ أهدى الجائزة إلى والديه الراحلين وزوجته وأولاده وأساتذته، مؤكداً أن جيل فاتن حمامة زرع بداخله شغفاً عميقاً بالسينما.
ووجّه النبوي نصيحة لافتة إلى المبدعين الشباب قائلاً: “كن مختلفاً ولو صرت وحيداً.”
أما المخرج الكبير محمد عبد العزيز، الحاصل على جائزة إنجاز العمر، فقال إن التكريم من مهرجان القاهرة يمثل لحظة لا تُنسى في مشواره الطويل، مضيفاً: “البعض يقول إن السينما لا أمان لها، لكنني أقول للشباب إن السينما كلما أعطيتها أعطتك أكثر”.
دعم يتجاوز المسابقات
وفي سياق أوسع يتجاوز العروض والتكريمات، شدد المنتج جابي خوري على أن المهرجانات السينمائية أصبحت شريكاً أساسياً في دعم الصناعة.
وقال لـ”الشرق” إن المهرجانات اليوم لم تعد مجرد ساحات للتنافس، لكنها تمثل منصة تمويل ودعم لمشاريع الأفلام من خلال برامج الدعم التي تقدمها، مشيراً إلى أن مهرجان القاهرة كان له دور مهم في ظهور أفلام لاقت انتشاراً دولياً في السنوات الأخيرة.
ولفت إلى أن منصات الدعم التي ينظمها المهرجان تُعد اليوم أحد مصادر التمويل الأساسية للأفلام العربية، خصوصاً تلك التي تعتمد على الإنتاج المستقل، مما يجعل مشاركتها في مهرجانات مثل القاهرة فرصة لبناء الشراكات وفتح الأبواب نحو مهرجانات عالمية أخرى.
المخرج المصري يسري نصرالله اعتبر أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هو الواجهة الأهم للسينما العربية، مشيراً إلى أنه المهرجان الوحيد في الشرق الأوسط الحاصل على صفة الدولية من الاتحاد الدولي للمنتجين (FIAPF).
وقال إنه يفتخر بتكريمه من المهرجان، معتبراً أنه التكريم الأغلى في مسيرته السينمائية، لما يحمله من رمزية وتاريخ متصل بحركة السينما المصرية والعربية.
