موريتانيا محطة جديدة للآسيويين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا
لم تعد العاصمة الموريتانية، نواكشوط، تعجّ فقط بالوجوه الإفريقية الوافدة من دول جنوب الصحراء هرباً من تردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، بل أصبحت تستقطب جنسيات آسيوية تعتبرها نقطة عبور نحو إسبانيا.
في وسط المدينة، يشد انتباه المارة وأصحاب المحال التجارية وجود شبان آسيويين في مقتبل العمر، يرتدون زياً باكستانياً تقليدياً، وتميزهم بشرتهم القمحية عن الجنسيات الإفريقية التي اعتاد الموريتانيون رؤيتها في بلادهم.
يتجول هؤلاء، ومعظمهم باكستانيون، في الأسواق والشوارع محاولين استكشاف موريتانيا، البلد الذي يبعد عن وطنهم بأكثر من 7 آلاف كيلومتر، لكن نواكشوط بالنسبة لهم ليست سوى محطة مؤقتة قبل الانطلاق في رحلة هجرة غير شرعية على متن القوارب، أملاً في الوصول إلى إسبانيا.
في الفترة الماضية، أحبطت أجهزة الأمن الموريتانية عشرات المحاولات لتهريب مهاجرين أغلبهم من جنسيات آسيوية في طريقهم إلى أوروبا.
هدف لشبكات التهريب
مصدر أمني قال، لـ”الشرق”، إن وتيرة دخول آسيويين، خاصة من باكستان وبنجلاديش، إلى البلاد، ارتفعت منذ منتصف العام 2024.
وأضاف المصدر أن شبكات التهريب باتت تستقطب الآسيويين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تقدم لهم إرشادات مفصلة عن الرحلة الجوية والبرية للوصول إلى موريتانيا، ثم الإبحار إلى جزر الكناري.
رئيس المرصد الأطلسي الساحلي للهجرة، محمد الأمين ولد خطاري، أرجع هذا التحول إلى الاستقرار النسبي الذي تشهده موريتانيا أكثر من دول أخرى مجاورة، بالإضافة إلى الاضطرابات الأمنية في منطقة الساحل، خاصة مالي.
وقال ولد خطاري لـ”الشرق” إن هذه العوامل جعلت البلاد هدفاً لشبكات تهريب البشر، ما زاد الضغط على قوات أمن موريتانيا التي تواجه تحديات كبيرة في مكافحة الظاهرة.
مسار جديد
ويعبر المهاجرون الآسيويون إلى موريتانيا من خلال منافذ برية غير قانونية عبر الحدود مع مالي والسنغال، بعد ذلك يستقرون مؤقتاً في نواكشوط استعداداً للانطلاق نحو سواحل المحيط الأطلسي قبالة نواكشوط أو نواذيبو لاستقلال قوارب متجهة إلى إسبانيا.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري غرق قارب أبحر من موريتانيا وعلى متنه مهاجرون بطريقة غير قانونية بينهم باكستانيون.
وكشفت منظمة “ووكينج بوردرز” الإسبانية عن سقوط 50 شخصاً كانوا في طريقهم إلى جزر الكناري، بينهم 44 باكستانياً.
وسبق أن أوقفت السلطات الموريتانية في نوفمبر، عدداً من الباكستانيين الذين دخلوا البلاد عبر الحدود مع مالي، وأعلنت ترحيلهم إلى وطنهم.
مهاجر بين كل 3 مرضى
ولاحظ خفر السواحل الإسباني، منذ أكتوبر، أن أغلب القوارب القادمة من موريتانيا تحمل مهاجرين من أصول آسيوية.
وبحسب ولد خطاري، لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة، لكنه قال إن تقديرات المرصد الأطلسي تشير إلى وجود نحو 2000 مهاجر آسيوي حالياً في موريتانيا، بينهم نحو 600 تمكنوا من الوصول إلى جزر الكناري.
ولفت ولد خطاري إلى أن إحصائيات المرصد تشير إلى أن 1 من كل 3 أشخاص في المستشفيات الموريتانية هو مهاجر، ما يعكس الضغط الكبير على النظام الصحي في البلاد.
قوانين لمواجهة الهجرة
لمواجهة هذه الأزمة، أقر البرلمان الموريتاني في سبتمبر، قانوناً جديداً لتحديث الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة.
وينص القانون على فرض غرامات مالية تتراوح بين 50 ألف و500 ألف أوقية (نحو 1250 إلى 12500 دولار) على الأفراد الذين يدخلون البلاد بطرق غير قانونية أو يساعدون على ذلك، كما ينص على عقوبات بالسجن تصل إلى سنتين لمن يثبت تورطه في تزوير وثائق الهجرة، بالإضافة إلى إبعاد المخالفين وحظر دخولهم إلى موريتانيا لمدة تصل إلى 10 سنوات.
وأشار ولد خطاري إلى أن موريتانيا تبذل جهوداً لمكافحة هذه الظاهرة من خلال سن قوانين تجرم تهريب البشر والاتجار بهم، والعمل على تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، ويؤكد أن فرض التأشيرة الإلكترونية مع بداية هذا العام يندرج ضمن هذه الجهود.
وأضاف رئيس المرصد الأطلسي للهجرة أن السلطات تعمل بالتنسيق مع إسبانيا على تقليص هذه التدفقات وتجفيف منابعها، خصوصاً عبر الإنترنت، الذي تستخدمه شبكات لاستدراج المهاجرين من خلال إغرائهم بوعود كاذبة عن سهولة العبور إلى أوروبا.
وتؤكد حكومة موريتانيا أن المهاجرين يشكلون عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على البلاد، وترى أن المتسبب الأول في تدفق المهاجرين هو الوضع الأمني المعقد في المنطقة.
ويشير ولد خطاري إلى أن استمرار هذه الشبكات في تهريب المهاجرين يشكل تهديداً لموريتانيا، لأنه يشجع مزيداً من التدفقات ويضر بسمعة البلاد باعتبارها محطة للهجرة غير الشرعية، ما يضع البلاد أمام تحديات ديموغرافية وأمنية، فضلاً عن الضغط على الخدمات الأساسية مثل الصحة والطاقة.
وأوضح ولد خطاري أن العاصمة نواكشوط، المصممة لاستيعاب عدد محدود من السكان، تواجه ضغوطاً كبيرة بسبب موجات الهجرة التي تضعها على حافة الانفجار السكاني.