موسكو وبيونج يانج.. شراكة وسط اتهامات بدعم روسيا في أوكرانيا
أعربت وزيرة خارجية كوريا الشمالية، الجمعة، عن دعم بلادها لروسيا في الصراع العسكري المستمر منذ أكثر عامين في أوكرانيا، مشيرةً إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، أوعز بتقديم كل أنواع الدعم “اللامحدود” للجيش الروسي، وذلك وسط اتهامات بإرسال بيونج يانج آلاف الجنود إلى أوكرانيا.
وقالت تشوي سون هوي خلال المحادثات في العاصمة موسكو والتي استمرت لأكثر من 3 ساعات، جزء منها علني، والجزء الأكبر خلف الأبواب المغلقة، مع نظيرها الروسي سيرجي لافروف، إن زعيم كوريا الشمالية “أوعز منذ بداية الصراع الأوكراني بتقديم الدعم والمساعدة لروسيا وشعبها، دون الالتفات لأحد، وذلك بشكل ثابت وقوي، فيما أسماه بالحرب المقدسة”.
وذكرت الوزيرة الكورية، أنه “ليس لدى بيونج يانج أدنى شك بأن الجيش الروسي سينتصر، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال الأزمة الأوكرانية”، مؤكدة أن بلادها “ستقف بثبات إلى جانب رفاقها الروس”.
اتصالات وثيقة
بدوره، أعرب لافروف عن امتنان روسيا لكوريا الشمالية في موقفها بشأن الوضع في أوكرانيا، مؤكداً في الوقت نفسه أن “العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى عال غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية”.
ولفت الوزير الروسي إلى “وجود اتصالات وثيقة جداً بين الأجهزة الأمنية وقوات البلدين”، مبيناً أن “هذا الأمر يسمح للعاصمتين بتنفيذ المهام العملية الهامة لأمن مواطني البلدين”، لكن لم يوضح أي من الجانبين طبيعة التعاون بالضبط، وكيف تساعد بيونج يانج الجيش الروسي.
في هذا السياق، اعتبر رئيس المجلس الروسي للمحاربين القدامى في الحرب الكورية (1950-1953)، والخبير في العلاقات الروسية الكورية الشمالية، والمشارك في العملية العسكرية الخاصة أندريه شين، أن “زيارة المسؤولة الكورية في الوقت الراهن تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأضاف شين لـ”الشرق”: “خلال الفترة الأخيرة، نرصد تنشيطاً للعلاقات الثنائية بين البلدين، وهذا يعود إلى الصداقة التاريخية بين البلدين، وسابقاً الاتحاد السوفيتي قدم مساعدة لكوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية، لذلك زيارة وزيرة خارجية كوريا الشمالية تأتي في إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، ومثل هذه الزيارات ستتكرر ولا يوجد أي شيء غير طبيعي في هذا الأمر”.
قوات لدعم موسكو
وبدأت مؤخراً وسائل الإعلام الأوكرانية في نشر تقارير تزعم استعداد جنود كوريين شماليين للمشاركة في العمليات القتالية بأوكرانيا، دون وجود أي معلومات من مصادر موثوقة تؤكد ذلك.
وبحسب وكالة “بلومبرغ” الأميركية، ذكرت الاستخبارات الأوكرانية والكورية الجنوبية أن بيونج يانج من الممكن أن ترسل ما يصل إلى 10و12 ألف جندي كوري شمالي إلى روسيا.
ووفقاً لسول، وصلت مجموعة مكونة من 1500 من “قوات النخبة من القوات الخاصة الكورية الشمالية” إلى روسيا خلال الفترة من 8 إلى 13 أكتوبر الماضي، ويخضعون للتدريب في أقصى شرق روسيا في 5 قواعد عسكرية.
وسبقها، إرسال كوريا الجنوبية معلومات استخباراتية إلى حلفائها تفيد بأن جارتها الشمالية سترسل قريباً مجموعة ثانية من الأفراد العسكريين إلى روسيا.
وبعد تقارير كييف وسول، قالت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، إن “هناك أدلة على إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا”، لكن واشنطن “ما زالت لا تعرف ماذا تفعل هناك”.
حكومة كوريا الجنوبية، وعلى خلفية هذه التقارير بدأت بدراسة مسألة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، إذ كانت تقدم في السابق لكييف فقط المساعدات غير الفتاكة إضافة إلى الدعم المالي.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف رداً على سؤال “الشرق” بشأن الرد الروسي المتوقع حال أرسلت الدول الداعمة لكييف قواتها إلى الجبهات، إن “الغرب أرسل بالفعل قواته إلى هناك”.
وتابع: “هذا حدث، والرئيس الروسي مراراً تحدث عن معلومات بشأن وجود عناصر من الجيوش الغربية تحارب في صفوف القوات الأوكرانية، هناك مرتزقة وكما يسمى بالمتطوعين، وهناك مدربين، حيث من دونهم من المستحيل استخدام ليس فقط أسلحة بعيدة المدى، بل والأسلحة الأوكرانية”.
وأشار إلى أن “الأسلحة البعيدة المدى دون مساعدة الخبراء الغربيين، ودون معلومات من الاستخبارات الفضائية، والتي بالطبع لا تملكها كييف، ودون برمجية التحلق لا تستطيع قواتها استخدامها، لذلك فالقوات الغربية منذ زمن تعمل في أوكرانيا، وهذا جزء من حرب الناتو والاتحاد الأوروبي الهجينة ضد روسيا، ونحن على علم بذلك”.
اتهامات غربية
وسبق أن ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” مارك روته، أن بيونج يانج أرسلت قواتها إلى روسيا، ونشرتها في مقاطعة كورسك، حيث تشهد مناطقها الحدودية توغلاً أوكرانياً منذ نحو 3 أشهر.
واعتبر روته في الوقت نفسه، أن التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية يشكل “تهديداً لأمن منطقة المحيطين الهندي والهادي وأوروبا ودول التكتل العسكري الغربي”.
ووفقاً لوكالة “رويترز”، سمح الرئيس الأميركي جو بايدن لكييف بمهاجمة جيش بيونج يانج لكن بشرط عبورهم الحدود الأوكرانية.
وخلال الأسابيع الماضية، لم تؤكد السلطات الروسية والكورية الشمالية رسمياً صحة تلك التقارير أو حتى مناقشة احتمال نقل أفراد عسكريين كوريين شماليين إلى منطقة القتال، لكن في الوقت نفسه، أكد الطرفان أنهما إذا توصلا إلى مثل هذا القرار، فإنه سيكون ضمن إطار القانون الدولي.
ويرى محلل الشؤون العسكرية فيكتور ليتوفكين، أن “تزايد الشائعات بشأن وجود قوات تابعة لكوريا الشمالية في روسيا يأتي ضمن محاولات الغرب لشيطنة بيونج يانج من جهة، ومن جهة أخرى لفت لضرورة وجود أدلة حقيقية لوجود القوات”.
وقال ليتوفكين لـ”الشرق”، إن “هكذا شائعات تتزايد، كون أن الغرب أجمعه يعتبر كوريا الشمالية شيطاناً، كون أن هذه البلد يعزز أمنه عبر إنشاء أسلحة نووية وصواريخ، وليس بإمكان أحد أن ينتصر عليها حتى الولايات المتحدة”.
وتابع: “وسائل الإعلام في الدول الأوروبية تقع تحت تأثير واشنطن، فهي تصعد الحديث عن إرسال قوات إلى روسيا، إلّا أن لا أحد في روسيا رأى بأم عينه هؤلاء العساكر، الجميع يتحدث عنهم، لكن هل هم شفافين. وهم ليسوا موجودون في مقاطعة كورسك. ربما هناك عدة كوريين، لكن هذا لا يعني أنهم جاؤوا من كوريا الشمالية، كون أن في روسيا تعيش جالية كبيرة من الكوريين”.
بدوره، قال شين، إنه “إذا قمنا بتخيل أن هذه المزاعم تأكدت وجاء القوات الكورية للمساعدة، فهذا لن يكون أمراً خطيراً”. وأضاف: “لا يمكننا تأكيد الأمر، في ظل غياب تصريحات رسمية في هذا الشأن. وهنا من الممكن إجراء مقارنة بالعودة إلى الحرب الكورية. حينها كانت كوريا الشمالية والاتحاد السوفيتي تواجهان كوريا الجنوبية والولايات المتحدة و15 دولة من الأمم المتحدة التي كانت تدعم كوريا الجنوبية، وحينها الاتحاد السوفيتي قدم دعماً لأشقائه الكوريين الشماليين”.
ولفت إلى أن “اليوم في القرن الحادي والعشرين نشهد وضعاً مماثلاً، لنتخيل أنه بالفعل وصلت قوات تابعة لكوريا الشمالية إلى روسيا وعلى استعداد لمساعدتنا، ففي هذا السياق لا يوجد شيء خاطئ، كون أن الكوريين إخواننا في السلاح، واليوم روسيا وكوريا الشمالية تواجهان أوكرانيا المسنودة بنحو 50 دولة”.
المادة الرابعة من الاتفاقية
خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي وصفت بـ”التاريخية” إلى كوريا الشمالية في يونيو الماضي، وقعت موسكو وبيونج يانج على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتي تحتوي في المجمل على 23 مادة.
وتنص الاتفاقية على تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعزيز التعاون العسكري الفني، في حين تشير المادة الرابعة المتعلقة على وجه التحديد بمسألة المساعدة المتبادلة في حال وقوع العدوان، وهي أن الطرفين، في حال العدوان على أحدهما، سيقدمان لبعضهما البعض أي مساعدة ضرورية.. بما في ذلك العسكرية.
وتعد الاتفاقية صالحة لفترة غير محددة، وفي 24 أكتوبر الفائت، صدق مجلس الدوما الروسي عليها. بدوره، أعلن بوتين أن موسكو وبيونج يانج ستقرران توقيت وآلية تطبيق بند المساعدة العسكرية الذي تضمنته الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة.
وفي مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “روسيا-1″، قال فلاديمير بوتين: “فيما يتعلق بالمادة الرابعة الخاص بتقديم المساعدة العسكرية، نحن على تواصل مع أصدقائنا الكوريين الشماليين، وعندما يتعين علينا اتخاذ قرار بشأن شيء ما، سنقرره بالتأكيد، وإن أصدقائنا في كوريا الشمالية لديهم موقف مماثل”.
حينها، أكد الجانب الروسي أن هذه الاتفاقية الجديدة ستحل محل معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة لعام 1961، ومعاهدة الصداقة وحسن الجوار لعام 2000، وإعلاني موسكو وبيونج يانج لعامي 2000 و2001.
ولفت إلى أن الحاجة للاتفاقية الجديدة يرجع إلى التطور الكبير في الأوضاع الجيوسياسية بالعالم والمنطقة، إضافة للتغيرات النوعية التي حدثت في العلاقات الثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية في الآونة الأخيرة.
في هذا السياق، ذكر محلل الشؤون العسكرية فيكتور ليتوفكين، أنه “على عكس كييف والناتو، فلدى بيونج يانج وموسكو اتفاقية رسمية بخصوص المساعدة المتبادلة بما في ذلك العسكرية”.
وأردف ليتوفكين لـ”الشرق: “أود التشديد على أمر مهم، وهو أن موسكو وبيونج يانج وقعتا اتفاقية حول الشراكة الاستراتيجية التي تتضمن المادة الرابعة بشأن المساعدة المتبادلة بما في ذلك العسكرية. أما في أوكرانيا فهناك جنود من الناتو، وأسلحة ثقيلة مثل أنظمة الدفاع الجوي وباترويت وهيمارس وأبرامز وليوبارد إلخ”.
واعتبر أن “كل هذا التواجد يجري دون وجود أي اتفاقية المساعدة المتبادلة، وفي هذا السياق، مهاجمة روسيا لوجود مزعوم لقوات كورية يعتبر ازدواجية للمعايير ونفاقاً”.
من جهة أخرى، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الاتفاقية تضمنت بنداً سرياً يسمح لكوريا بإرسال حوالي ألف عسكري إلى منطقة القتال لتدريبهم على العمليات القتالية، لا سيما فيما يتعلق بالعمل مع الطائرات المسيرة وتنظيم الخدمات اللوجستية. وهو سرعان ما نفته وزارة الخارجية الروسية.
جبهة متوترة
ومع مواصلة القوات الأوكرانية استهداف المقاطعات الروسية الحدودية وأخرى بعيدة بعشرات المسيرات، يعلن الجيش الروسي في آخر بيان له بسيطرة قواته على 12 بلدة بما في ذلك بدونيتسك ومقاطعة خاركوف خلال أسبوع واحد واقترابه أكثر فأكثر من مدينة بوكروفسك والتي تعد مركزاً لوجستياً مهماً يحتوي على طرق وسكك حديدية تصل مدن شرق أوكرانيا بوسطها.
يأتي هذا وسط ترجيحات من مسؤولين في دونيتسك موالين لروسيا بإمكانية سيطرة الجيش الروسي على كامل المنطقة خلال بضعة أشهر مقبلة.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” إنه منذ بداية العام الحالي الزحف الروسي أدّى إلى إضعاف الدفاعات الأوكرانية، ولم يعد لدى القوات المسلحة الأوكرانية أي أفراد عسكريين محترفين تقريباً.