تعرض مزارعو الكمون في مدينتي تل أبيض ورأس العين شمالي سوريا، لأضرار مادية وصفوها بـ”الفادحة”، بسبب تضرر مساحات واسعة من المحصول إثر الأمراض والجفاف.

واختار المزارعون الكمون كبديل اقتصادي لتعويض تراجع إنتاج القمح، إلا أن قلة الأمطار، وانتشار الأمراض الزراعية، وارتفاع تكاليف مستلزمات الزراعة، تسببت بانخفاض المحصول إلى مستويات غير مسبوقة.

موسم خاسر

وصف المزارعون في تل أبيض ورأس العين ل الموسم الحالي بـ”الخاسر”، إذ لم تتجاوز كمية الإنتاج 20 كيلوغرامًا كحد أقصى للدونم (يعادل 1000 متر مربع)، في حين تحتاج تغطية نفقات الزراعة مع ترك هامش ربح إلى إنتاج يتراوح بين 40 و50 كيلوغرامًا للدونم الواحد.

زرع حاتم الراغب (43 عامًا) من بلدة سلوك التابعة لتل أبيض، هذا العام 35 دونمًا من الكمون، على أمل سداد ديونه من موسم القطن السابق والتي تبلغ 16 مليون ليرة سورية.

وبسبب قلة الأمطار والأمراض التي أصابت المحصول، لم ينتج الكمون الذي زرعه سوى 12 كيلوغرامًا فقط للدونم الواحد.

ووصف حاتم الموسم الحالي بأنه الأسوأ منذ عام 2021، إذ لم تكن سنوات الجفاف السابقة بهذا السوء، وكان الإنتاج يغطي تكاليف الزراعة، أما هذا العام فلم يغطي حتى نصف تكاليفه.

وذكر أن ديونه ارتفعت إلى 25 مليون ليرة سورية نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال الموسم الحالي، مما زاد من أعبائه المالية وأجبره على الاقتراض لتغطية النفقات الأساسية.

المزارع محمد العبد الله (61 عامًا) من قرية المبروكة غربي رأس العين، خصص هذا الموسم 50 دونمًا لزراعة الكمون بالإضافة إلى 20 دونمًا من القمح، آملًا في تحقيق هامش ربح يمكّنه من شراء منزل لعائلته.

ورغم أن المحصول بدأ بشكل واعد، فإن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الشديد أدّيا إلى إصابة النباتات بمرض الذبول، ما تسبب في تراجع الإنتاج بشكل كبير، إذ لم تتجاوز الكمية المنتجة 15 كيلوغرامًا للدونم الواحد.

وأشار إلى أن خسائره تجاوزت 28 مليون ليرة سورية، نتيجة تلف نحو 80% من المحصول، مطالبًا بتدخل عاجل من وزارة الزراعة لدعم المزارعين المتضررين من آثار هذا الموسم.

ويعدّ الكمون من المحاصيل الزراعية الجديدة في المنطقة، إذ قرر المزارعون الانتقال إلى زراعته كبديل عن القمح والقطن، نظرًا إلى صعوبات التسويق، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف زراعتهما مقارنة بالأرباح المحدودة التي تحققها.

ما الأسباب

حسب مهندسين زراعيين التقت بهم، تسبب الجفاف ونقص المياه في ضعف النباتات، مما ساعد على انتشار أمراض تعفن الجذور واللفحة الشمسية، التي قضت على 80% من محصول الكمون هذا الموسم، مخلفة خسائر كبيرة في الإنتاج.

المهندس الزراعي علي المحمود، قال ل، إن الجفاف وقلة الأمطار تسببا في ضعف نبات الكمون، مما سهّل انتشار أمراض تعفن الجذور واللفحة الشمسية التي قضت على نحو 80% من المحصول هذا الموسم.

وأوضح أن ضعف النبات بسبب نقص المياه جعل الأنسجة أكثر عرضة لهذه الأمراض الفطرية، ما تسبب بتراجع كبير في نمو النبات وانخفاض حاد في الإنتاج، مضيفًا أن ارتفاع تكاليف المبيدات ونقص الدعم الزراعي زاد من معاناة الفلاحين في التصدي لهذه المشكلة.

وأشار إلى أن تحسين نظم الري واعتماد مبيدات فعالة بشكل منتظم يشكلان الحل الأمثل للحفاظ على المحصول في المواسم المقبلة.

وذكر أن المحصول المتبقي كان ضعيف الجودة، ما أدى إلى انخفاض سعره، وزاد من خسائر المزارعين وقلّص دخلهم بشكل ملحوظ.

كمون متضرر نتيجة الجفاف شمالي سوريا - أيار 2025 ()

كمون متضرر نتيجة الجفاف شمالي سوريا – أيار 2025 ()

ضعف التسويق خفّض ثمنه

من جانبه، قال مدير الزراعة والثروة الحيوانية في المجلس المحلي، مجد كسار، ل، إن المساحة المزروعة بالكمون هذا الموسم تبلغ 24 ألف دونم في منطقة رأس العين، مؤكدًا أن نسبة الضرر في المحصول وصلت إلى 80%.

وأوضح أن السبب الرئيس لهذا الضرر هو الجفاف، الذي أثر بشكل مباشر على نمو المحصول وإنتاجيته.

وأضاف أن سعر الكمون تراجع بشكل ملحوظ، إذ كان يتراوح في المواسم السابقة بين 4000 و4500 دولار للطن، لكنه انخفض هذا العام إلى نحو 2500 دولار، نتيجة غياب آلية واضحة لتسويق المحصول.

وأشار إلى أهمية وجود مؤسسة متخصصة تُعنى بتسويق النباتات العطرية والطبية، لما لذلك من دور كبير في تنظيم عملية البيع، وحماية المزارعين من تقلبات الأسعار، وفتح أسواق جديدة تساعدهم على تصريف محاصيلهم وتحقيق مردود اقتصادي مستقر.

وتعد الزراعة إلى جانب تربية المواشي من المهن الأساسية التي يعمل بها غالبية سكان منطقة رأس العين والمناطق الشمالية والشمال الشرقي في سوريا، وتشكّل مصدرًا رئيسًا للدخل في هذه المناطق.

تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا (انضمت الفصائل إلى وزارة الدفاع)، بينما تحيط بهما جبهات قتال باردة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.