نازحو الفاشر.. “هياكل عظمية” تبحث عن طعام ومأوى

بأصوات يغلب عليها الوهن والحزن، يروي نازحون في الفاشر ومحيطها، بشمال إقليم دارفور في السودان، لـ”الشرق”، ما وصفوه بـ”انتهاكات مروعة” تعرضوا لها نتيجة الهجمات على معسكر “زمزم” للنازحين وأبو شوك في الأنحاء.
والمعسكران ضمن معسكرات أخرى في الإقليم، تقف شاهدة على مأساة تتجدد تباعاً منذ عام 2003 حين انفجر نزاع مسلّح هناك، بين جماعات قالت إنها تطالب بالعدالة في قسمة السلطة والثروة في السودان، وإزالة التهميش الذي طال الإقليم، لعقود، من ناحية، والجيش الحكومي من ناحية أخرى، ما أجبر عشرات الآلاف على النزوح مع تصاعد القتال، واستقر بهم المقام، مذاك، في معسكرات مؤقتة، تحولت بمرور الأيام إلى سكنى دائمة لهم، وسط ظروف صعبة ومعقدة، ازدادت تعقيداً بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتضاعفت مؤخراً بوصول القتال إلى داخل هذه المعسكرات الرثة.
وفي هذا الصدد، قالت نازحة لـ”الشرق”، إن أفراداً من أسرتها تعرضوا لإعدامات داخل معسكر “زمزم” ما اضطرها للفرار لمدينة الفاشر، لافتة إلى أن أسرتها تتكون من 4 أفراد بالإضافة إلى والدتها ووالدها.
وتابعت بأن شقيقتها الصغرى تعرضت لاعتداء جنسي ومن ثم تم إعدامها. كما أشارت إلى أن ما جرى في المعسكر “لا يمت للإنسانية بصلة” على حد وصفها.
وعاشت هذه النازحة داخل هذا المعسكر لـ10 أعوام، غير أن آخرين لم يبارحوا معسكرات النازحين منذ 22 عاماً. ولم يتسن لـ “الشرق” الجزم بصحة هذه المعلومات من مصادر مستقلة.
وفي المقابل، تتهم قوات الدعم السريع الحركات المسلحة الموالية للجيش باستخدام المدنيين في الفاشر ومعسكرات النازحين “دروعاً بشرية”، مؤكدة أنها وفرت ممرات آمنة للخروج من هذه المناطق إلى أخرى لا تشهد اشتباكات، بينما تواجه قوات الدعم السريع اتهامات بـ”انتهاكات مروعة”.
اتهامات متبادلة
وقال مصدر في قوات الدعم السريع لـ”الشرق”، إن الجيش و”القوة المشتركة” يتخذان من معسكرات النازحين ثكنة عسكرية، نافياً استهداف المدنيين وحرقهم، مشيراً إلى أن قواته تعمل على “تحسين الأوضاع الإنسانية”.
وزعم المصدر، أن المقاطع المصورة التي تظهر عمليات قتل وحرق بواسطة قوات الدعم السريع “مفبركة” ضمن عمل لتشويه صورة هذه القوات.
من جهته، قال رئيس الجبهة الثورية، والقيادي في تحالف “تأسيس”، الهادي إدريس لـ”الشرق”، إن تحالفه يخطط لإجلاء المدنيين من مناطق العمليات العسكرية إلى مناطق أكثر أمناً، متهماً الحركات المسلحة الموالية للجيش برفض مبادرة سابقة بخروج كل الأطراف المسلحة من الفاشر، وقبلت بها الدعم السريع وقيادة فرقة الجيش في المدينة.
غير أن الحركات المسلحة تنفي ذلك على نحو قاطع، مؤكدة أن قوات الدعم السريع تهاجم مناطق محيط الفاشر منذ عامين. وقال الصادق علي نور، المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان، لـ”الشرق”، إن قوات الدعم السريع تهاجم الفاشر بشكل مكثف ومتواصل، مستهدفة الأحياء السكنية ومعسكرات النازحين.
وفي ما يختص بالوضع الإنساني فقد أضاف النور، أنه يزداد سوءاً مع شح حاد في مياه الشرب والمواد الغذائية والطبية “الأمر الذي أدى لحالات وفاة من بينها أطفال وجرحى”، على حد قوله.
وأضاف أنه تم إجلاء نازحين من مدينة الفاشر نحو منطقة “طويلة”، متهماً قوات الدعم السريع بفرض حصار مطبق “حيث لا يسمح بدخول مياه الشرب والغذاء، وتتمسك الدعم السريع في الوقت ذاته بعدم السماح بدفن الجثث”، بحسب وصفه.
وتشهد مدينة الفاشر تصعيداً في العمليات العسكرية منذ أشهر بين الجيش السوداني والقوة المشتركة من ناحية، وقوات الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها من ناحية أخرى، للسيطرة على المدينة الاستراتيجية المهمة في ظل أوضاع إنسانية متدهورة، فيما لم تفلح المناشدات الأممية والدولية بوقف القتال في الحيلولة دون تطور الصراع في هذه المنطقة.
مئات الضحايا وأوضاع إنسانية متدهورة
وكشف الناطق الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين، آدم رجال، لـ”الشرق”، عن سقوط 450 ضحية نتيجة هجمات قوات الدعم السريع على معسكري “زمزم” و”أبو شوك” للنازحين في محيط مدينة الفاشر، مشيراً في الوقت ذاته إلى نزوح أعداد كبيرة من السودانيين من المدينة إلى منطقة “طويلة” التي تسيطر عليها قوات حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
وفي وقت سابق، قالت هذه المنسقية إن منطقة “طويلة” تشهد تدفقات كبيرة للنازحين وسط شح حاد في الغذاء والمياه النظيفة، فيما أكدت الحكومة السودانية نزوح ما لا يقل عن مليون شخص في شمال دارفور في الأسابيع الأخيرة.
من جهته، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الخميس، أن مخيم “زمزم” الذي كان يأوي نحو 400 ألف شخص، أصبح “شبه خال” بعد أقل من أسبوعين على سيطرة الدعم السريع عليه، وسط تصاعد القتال مع الجيش السوداني.
وأكدت المنظمة أن آلاف العائلات، فرت نحو مدينة الفاشر المحاصرة ومناطق مجاورة، وسط تقارير عن حرائق ومنع السكان من المغادرة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور.
وأكد المكتب الأممي أن صور الأقمار الصناعية تظهر حرائق داخل المخيم، بينما تفيد تقارير ميدانية بأن قوات الدعم السريع تمنع بعض السكان من المغادرة.
وقدر البيان وصول نحو 150 ألف نازح إلى الفاشر، وانتقال 181 ألفاً آخرين إلى منطقة “طويلة”، الأمر الذي يوسع نطاق النزوح ويزيد العبء الإنساني على المدينتين.
وأظهرت مقاطع فيديو حصلت عليها “الشرق”، عشرات النازحين يبدو عليهم الإعياء والعطش، يصارعون حول شاحنة تحمل ماءً.
جرائم حرب
بدوره، قال مصدر في وزارة الخارجية السودانية، إن “الميليشيا” في إشارة إلى الدعم السريع تمارس أسوأ الانتهاكات منذ اندلاع الحرب، واصفاً إياها بأنها “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وأضاف المصدر لـ”الشرق”، أن مئات السودانيين لقوا مصرعهم وأصيبوا في هجمات لقوات الدعم السريع على الفاشر ومعسكرات النازحين.
وتحيط الفاشر ثلاثة معسكرات للنازحين، ويعد “زمزم” أكبرها، ويقع على بعد 15 كيلومتراً جنوبي المدينة، وأنشئ في عام 2004 بعد اندلاع النزاع في دارفور، ويستضيف نحو 75 ألف شخص، معظمهم من الذين فروا من مناطقهم الأصلية خلال الصراع المسلح.
وتمثل الفاشر رمزية سياسية واقتصادية وتاريخية مهمة، بوصفها حاضرة إقليم دارفور، وإحدى أهم المدن السودانية، وكانت مقراً للسلاطين الذين توالوا على حكم المنطقة، وأشهرهم السلطان علي دينار، علاوة على أنها مدينة تجارية وثقافية.