عقد مجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء أمس، ندوةً دِينيَّةً في الجامع الأزهر، تحت عنوان: (تأهيل إلهي لرحلة نبويَّة خاتمة)، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الحادي عشر، الذي تُنظِّمه اللجنة العُليا للدعوة بالمجمع تحت عنوان: (سيرة ميلاد وبناء أمجاد)، في إطار حملة #فاتَّبِعوه التي أطلقها المجمع بمناسبة الذِّكرى العطرة لمولد النبي ﷺ، وذلك برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.
وحاضر في النَّدوة: الدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العُليا لشئون الدَّعوة، والدكتور السيِّد بلاط، أستاذ التَّاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، والدكتور صلاح السيِّد، مدير الإدارة العامَّة للتوجيه بالمجمع.
وفي كلمته، قال الدكتور حسن يحيى: إنَّ المولى سبحانه وتعالى أعدَّ نبيَّه ﷺ للرِّسالة إعدادًا ربَّانيًّا شاملًا، فأحاطه بكلِّ الفضائل والمكارم التي أهَّلته للقيام بمهمَّته العظيمة، مؤكِّدًا أنَّ هذه العناية الإلهيَّة في جميع مراحل حياته تمثِّل شرفًا وفخرًا للأمَّة الإسلامية، مستشهدًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}.
وأضاف د. يحيى أنَّ الأمَّة الإسلامية حازت هذا المقام الرَّفيع بفضل انتسابها لرسول الله ﷺ؛ إذْ وصفها القرآن الكريم بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، مشدِّدًا على أنَّ الاقتداء بمنهج الإعداد المتكامل في حياة النبي ﷺ؛ مِن تأهيلٍ نفسيٍّ وبدنيٍّ وروحيٍّ، هو السبيل إلى صلاح المجتمعات؛ لقوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
مِن جانبه، أكَّد الدكتور السيِّد بلاط أنَّ السِّيرة النبويَّة قبل البعثة مرَّت بمرحلتين أساسيَّتين؛ الأولى: من الميلاد إلى الصِّبا، وقد تجلَّت فيها البشائر منذ اللحظة الأولى؛ إذْ قالت السيِّدة آمنة: «أضاءت لي الحجرة حتى أنظر إلى آفاقها»، ويشهد لذلك قول الحقِّ تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}، موضِّحًا أنَّ طهارة نَسَبِه الشَّريف، ومعجزة شقِّ صدره، وبركة استرضاعه في بني سعد؛ كل ذلك كان إعدادًا ربَّانيًّا لتنشئته على مكارم الأخلاق وسلامة اللُّغة وصفاء القلب.
وتابع د. بلاط أنَّ انتقال النبي ﷺ بين كنف أمِّه وجَدِّه وعمِّه كان مصدرَ خيرٍ وبركةٍ، وأنَّ عمله في رعي الغنم وتجارته وسفره إلى الشَّام؛ كل ذلك هيَّأه لتحمُّل المسئوليَّة والانفتاح على ثقافات الشعوب، أمَّا المرحلة الثانية من شبابه إلى البعثة، فظهرت فيها حكمته في حِلف الفضول، وزواجه مِنَ السيِّدة خديجة رضي الله عنها التي كانت أول مَن ساند دعوته، وحُكمه في نزاع الحجر الأسود؛ كلُّها شواهد على إعدادٍ إلهيٍّ متدرِّج لحَمْل الرِّسالة الخاتمة.
في حين أشار الدكتور صلاح السيِّد إلى أنَّ النبيَّ ﷺ كان محفوظًا بعناية الله تعالى في كلِّ مراحل حياته، بعيدًا عن مظاهر الجاهليَّة وأعمالها؛ فكانت حياته قبل البعثة حياةً عامرةً بالفضائل، عبَّر فيها بأخلاقه وسلوكه عن الإسلام قبل أن يُوحَى إليه بالرِّسالة؛ وهو ما يعد استشعارًا مبكرًا لعِظَم الأمانة والمسئوليَّة التي سيتحمَّلها لاحقًا؛ لذا كان ﷺ قدوةً قبل الرسالة وبعدها، محبًّا للعمل والمشاركة في شئون المجتمع، إضافةً إلى ما مرَّ به من إعداد روحي بالتفكُّر والتعبُّد في ملكوت الله تعالى.
المصدر: صدى البلد