= – أمير حقوق

وسط حديث متزايد عن اقتراب توليه إدارة مديرية المسارح في سوريا، يعود نوار بلبل إلى الواجهة كأحد أبرز الوجوه التي ما زالت تؤمن بأن للمسرح دورًا يمكن أن ينهض من جديد.

بلبل، الذي اعتاد أن يملأ الخشبة طاقة وحضورًا، لا يكتفي بتقديم شخصيات متنوعة في الدراما، بل يحمل معه شغفًا قديمًا بأن يكون الفن مساحة مفتوحة للحياة والأسئلة.

في حوار خاص مع، تطرق بلبل إلى العديد من القضايا المتعلقة بالمسرح السوري، والرقابة على الأعمال الفنية، والدور المنتظر للمؤسسات الثقافية السورية في إعادة إحياء القطاع الفني بعد سنوات من التحديات، وتمسكه بإعادة إحياء المسرح السوري من جديد.

المسرح السوري.. خطوات نحو المستقبل

سجل الفنان السوري نوار بلبل حضورًا لافتًا في المشهد الفني السوري، سواء في المسرح أو في الدراما، ويُعد من الوجوه الفنية السورية التي أجادت تقديم أدوار متنوعة تنوعت بين التراجيديا والكوميديا والاجتماعية، ليُثبت مكانته في صورة الفن السوري.

عاد بلبل اليوم إلى سوريا بعد 15 عامًا من الغربة، بسبب معارضته للنظام السابق، وقدم عرض “وردة إشبيلية” المسرحي في دار “الأوبرا” بدمشق.

ويعتقد بلبل أن المسرح السوري لا يزال حيًا رغم التحديات الكبيرة التي واجهته خلال السنوات الماضية، فـ”المسرح السوري لم يتوقف، ونحن هنا لنقدم عروضًا جديدة تعيد الروح لهذا الفن العظيم”.

العديد من الناس وصناع الفن كانوا يعتقدون أن الفن والمسرح في سوريا قد انتهيا بعد التحرير، لكن الواقع مختلف تمامًا، فالفن السوري لا يزال موجودًا، والمسرح سيظل أحد أعمدته الأساسية، بحسب ما قاله نوار بلبل.

ومنذ شهرين تقريبًا، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي قرار تعيين نوار بلبل مديرًا لمديرية المسارح والموسيقا في سوريا، دون إعلان رسمي أو تأكيد منه.

وأوضح ل أنه حتى الآن لم يتسلم منصبه رسميًا، متوقعًا أن يصدر قرار التعيين في الأيام القليلة المقبلة.

وحول تطلعاته المستقبلية لدعم المسرح السوري عند توليه الإدارة، تحدث بلبل عن أهمية توفير الدعم الحكومي والفني لإعادة بناء هذا القطاع الثقافي المهم.

“إذا توليت إدارة المسارح في سوريا، سيكون أول قرار لي هو رفع الميزانية المخصصة لدعم الثقافة والفن”، قال بلبل، معتبرًا أن دعم الدولة للمسرح أمر أساسي، ولكن من المهم أيضًا أن تكون هناك رؤية ثقافية جديدة تعزز الإنتاج الفني، وتدعم المبدعين في الداخل والخارج.

مع سقوط نظام الأسد تراجعت الرقابة على النصوص لكن بلبل يريد رفع سقف النصوص المسرحية، “إذا وصلني نص مسرحي ينتقد السلطة، أو يطرح قضايا حساسة مثل الفساد أو سوء الأداء في المؤسسات، لن أوقفه طالما أنه يحمل رسالة هادفة”، فـ”سوريا الآن لأهلها، ومن واجبنا أن نرفع الصوت عندما نجد شيئًا غير صحيح في المجتمع، سواء كان في الحكومة أو في أي مجال آخر”.

 

يجب أن يبدأ النقد من رأس الهرم وصولًا إلى أصغر موظف، لم تعد هناك مرحلة تقديس الأشخاص، ولا مكان للحديث عن الآلهة أو الأبطال، فنحن اليوم نعيش في مرحلة مختلفة.

الفنان السوري نوار بلبل

“إذا كانت المسرحية تنتقد مثلًا أداء السلطة أو تسلط الضوء على فساد ما، لماذا لا تنتقده؟ لماذا يجب أن نخشى قول الحقيقة؟” تساءل بلبل، وأكد أن الفن يجب أن يكون جريئًا في طرح القضايا، ويجب أن يعكس الواقع بكل تفاصيله، مهما كانت “حساسة”.

لكن هذه الحرية والجرأة تحيطها حدود غير سياسية، فمن واجب المديرية أن تسمع آلام الناس وأن تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم، لكن بالمقابل لا يمكن السماح لأي خطاب يحمل عناصر عنصرية أو طائفية أو مذهبية، فهذا يتعدى على حقوق الآخرين ويؤدي إلى تقسيم المجتمع.

هل تشهد الدراما تغييرًا؟

عند سؤاله عن مستقبل الدراما السورية بعد سقوط نظام الأسد، أعرب بلبل عن تفاؤله بحذر، “أنا شخصيًا لا أعتقد أن هناك تغييرًا كبيرًا حتى الآن، لأننا ما زلنا ندور في نفس الدائرة من المواضيع التقليدية”، آملًا أن يشهد العام 2026 انطلاقة جديدة في الأعمال الدرامية، خاصة إذا جرى تجاوز القيود القديمة وتقديم مواضيع جديدة تعكس التحولات التي يشهدها المجتمع السوري.

ودعا لأن تتناول الأعمال الدرامية قضايا تهم الجمهور السوري، بعيدًا عن القصص التي اعتادها المشاهدون في السنوات الماضية، مثل حكايات البيئة الشامية، والمشكلات الاجتماعية التي تكررت كثيرًا، بل أن تنتقل الأعمال إلى طرح المواضيع بشجاعة وجرأة، دون الخوف من الرقابة أو المنع.

بلبل لم يخفِ رغبته في تقديم أعمال فنية تُظهر التغيير الذي حدث في المجتمع السوري، مع التأكيد على ضرورة أن تتعامل الأعمال الدرامية والمسرحية مع الواقع بشكل جريء وواقعي، فـ”الناس بحاجة إلى فن يعكس حياتهم وأحلامهم، وليس فنًا يفرغها من معناها”.

الفن جزء من الحل

في ختام حديثه، أكد بلبل ضرورة أن يكون الفن جزءًا من الحل في سوريا، قائلًا، “الفن يمكن أن يكون قوة مغيّرة، وعلينا أن نستمر في تقديم أعمال تُلهم الجمهور وتجعله يعيد التفكير في واقعنا”.

ورغم التحديات التي ما زالت تواجهها الصناعة الثقافية في سوريا، يبقى بلبل واثقًا من أن المسرح والدراما السورية قادران على العودة إلى قوتهما، بشرط أن تكون هناك إرادة حقيقية للنهوض بالقطاع الثقافي في سوريا.

يشكّل حضور نوار بلبل في الساحة الفنية اليوم امتدادًا لمسار طويل من الانشغال بقضايا المسرح السوري، ومحاولة البحث عن دور جديد للفن في بلد يعيش تحولات سياسية واجتماعية عميقة.

وبين الحديث المتصاعد عن إمكانية تسلمه إدارة مديرية المسارح والموسيقا، وتأكيده رفع سقف الحرية الفنية، يجد بلبل نفسه أمام مسؤولية مضاعفة: إعادة بناء بنية مسرحية أنهكتها سنوات الحرب والرقابة، وفتح الباب أمام جيل جديد من المبدعين ليقدّموا رؤيتهم دون خوف.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.