“نيويورك تايمز”: لبنان فقد جزءاً كبيراً من تراثه بسبب الحرب
يشتهر لبنان بآثاره التي تعود إلى آلاف السنين، ومدنه التاريخية العريقة، التي تتعرّض للتدمير جراء الحرب الجارية، ما أثار قلق المعنيين بالحفاظ على هذه الكنوز التاريخية، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
ونشرت الصحيفة مقالاً، الثلاثاء، قالت فيه “إن الهجوم الإسرائيلي على لبنان، تسبّب بأزمة إنسانية، حيث نزح ربع سكان لبنان البالغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة، بينما تجاوز عدد القتلى 3700، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية”.
أضافت: “شكّل الهجوم أيضاً تهديداً خطيراً لآثار هذا البلد الصغير، المطلّ على البحر المتوسط، الذي قسّمته الصراعات الطائفية”.
ورأت أن معابد بعلبك، المدرجة على قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي، “تعدّ أحد المواقع المهدّدة بالخطر. ويسابق علماء الآثار والمختصّون الوقت، لحماية كنوز تمتدّ لآلاف السنين من الحضارات الفينيقية، والرومانية، والبيزنطية، والعثمانية”.
حماية معزّزة
في 17 نوفمبر، وضعت اليونسكو 34 موقعاً ثقافياً في لبنان تحت “الحماية المعزّزة”، وهو تدبير يعتبر أن الهجوم على هذه المواقع، يشكّل انتهاكاً خطيراً لاتفاقية لاهاي لعام 1954، وسبباً محتملاً للملاحقة القضائية.
لكن العديد من الآثار غير مدرجة في القائمة، تعرّض بعضها بالفعل للتلف أو التدمير، جراء الغارات الإسرائيلية، بما في ذلك كنائس ومقابر تاريخية، وأسواق قديمة، وقلاع تعود لفترة الحروب الصليبية، وفقاً لمسؤولين لبنانيين والأمم المتحدة.
وتقول الصحيفة: على الرغم من التفاؤل “الحذر” بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف النار، فإن لبنان فقد جزءاً كبيراً من تراثه بشكل لا يمكن استعادته، ولا يزال حجم الدمار غير واضح”.
وأشارت الصحيفة إلى “أن الحكومة اللبنانية، التي تعاني من ضائقة مالية، ستضطر لمواجهة التكاليف الباهظة لترميم الآثار، إلى جانب الأزمة الإنسانية المتفاقمة، علماً أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن قدرة الهدنة على الصمود وكيفية ترميم المواقع المتضرّرة”.
تدمير الذاكرة والتاريخ
وأكدت عالمة الآثار جوان فرشخ بجالي، رئيسة منظمة “بلادي” المختصّة بحماية التراث للصحيفة: “إنهم يدمرون الذاكرة”. وشبّهت الأضرار التي خلفتها الغارات الإسرائيلية، بتلك التي أحدثتها حركة “طالبان” في أفغانستان، وتنظيم “داعش” في العراق.
ولدى سؤاله عما إذا كانت إسرائيل تستهدف المواقع الثقافية عمداً، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، “إنه يشنّ ضربات في لبنان عند الضرورة فقط”. أضاف: “المواقع الحساسة تؤخذ في الاعتبار أثناء التخطيط العسكري، وكل ضربة “تخضع لإجراءات موافقة صارمة”.
وتتّهم إسرائيل حزب الله بالتواجد في المناطق المدنية، بما في ذلك قرب مواقع التراث الثقافي. وقالت الصحيفة: “إن الجيش الإسرائيلي لم يرد على طلبها تقديم أدلة محدّدة على هذا الادعاء، الذي ينفيه علماء آثار ومسؤولون لبنانيون”.
يتولى الجيش اللبناني، الذي لا يشارك في الصراع بين إسرائيل وحزب الله، مهمّة أخرى تتمثل في حماية كنوز البلاد. إذ يقود اللواء يوسف حيدر هذه الجهود، ويرأس فرقة متخصّصة تعمل على نقل القطع الأثرية من جنوب البلاد المتضرّر بشكل كبير، بما في ذلك بعض القطع التي تعود إلى الحضارتين الرومانية والبيزنطية.
وأكد علماء آثار حدوث دمار واسع النطاق، لحق بعشرات البلدات الحدودية التاريخية، ما أدى إلى تضرّر أو تدمير مناطق بأكملها. واتّسع نطاق الضربات لتشمل مراكز المدن الكبرى، بما في ذلك في بعلبك وصور، حيث يحظى حزب الله بدعم كبير.
قبل الحرب، كان يعيش في صور، التي تقع على بعد نحو 10 أميال من الحدود الإسرائيلية، حوالى 125 ألف شخص. وتُعدّ صور واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكل مستمر في العالم.
لكن معظم السكان فرّوا بسبب أوامر الإخلاء التي شملت مناطق من المدينة، بينما قصفت الغارات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف حزب الله المنطقة في الأسابيع الأخيرة.
وأدرجت “اليونسكو” معظم أجزاء المدينة على قائمة التراث العالمي، مثل مضمار سباق الخيل في صور، الذي كان أحد أكبر ساحات سباق العربات في العالم الروماني القديم. وقالت اليونسكو إن القصف دمّر بالفعل المباني الحديثة داخل الموقع.
ويؤكد علماء الآثار إنه لا يمكنهم إجراء الفحص الميداني للمواقع، إلا بعد انتهاء الحرب، بسبب المخاطر التي تهدد حياتهم، بحسب “نيويورك تايمز”.