– عمر علاء الدين

“غزة غزة.. غزة شعار.. ليل ونهار.. طالعلك يا عدوي طالع”، هذه الهتافات التي تعتبر موروثًا شعبيًا فلسطينيًا خرجت من دمشق، ليس من فصيل فلسطيني أو من مناصرين للقضية، وإنما من الجيش السوري الجديد، العدو الواضح لـ”محور المقاومة” وعلى رأسه إيران التي ما زالت راعيًا لفصائل المقاومة.

ولأن هذه الهتافات صدرت في عرض عسكري بدمشق، بمناسبة مرور عام على تحرير سوريا من نظام الأسد، فقد كان لها وقع شعبي في سوريا بين مؤيد ومعارض، ووقع في إسرائيل التي سارعت لبحث كيفية الرد على هذه الهتافات بل ولوّح بعض مسؤوليها بـ”حتمية الحرب” مع سوريا.

يبدو أن الحكومة السورية توجه رسائل إلى إسرائيل التي تستمر بالتوغل في الجنوب السوري واحتلال أجزاء منه، وارتكاب انتهاكات في الأراضي السورية، كان آخرها في بلدة بيت جن بريف دمشق.

تقرأ في هذا التقرير تلك الرسائل ودلالاتها، وأثرها المحتمل على المفاوضات بين سوريا وإسرائيل.

صمت سوري واستياء إٍسرائيلي

انتشرت فيديوهات لعرض عسكري أقيم في دمشق بمناسبة سقوط نظام الأسد، تضمنت هتافات لجنود الجيش السوري من أجل غزة، وذلك بحضور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، ووزير الداخلية، أنس خطاب، في 8 من كانون الأول الحالي.

الفيديوهات التي انتشرت بسرعة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت حفيظة إسرائيل، حيث بحث مسؤولون أمنيون إسرائيليون كيفية الرد على تلك الهتافات.

وتضمنت الهتافات: “غزة غزة.. غزة شعار.. ليل ونهار.. قصف ودمار.. لن ننهار.. طالعلك يا عدوي طالع.. طالعلك لو جبل النار.. أعملك من دمي ذخيرة.. وأعمل من دمك أنهار”.

ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤولين أمنيين لم تحدد صفتهم أو مستواهم، أنه جرت مناقشات داخل المؤسسة الدفاعية، بمشاركة مسؤولين كبار، لبحث دلالات هذه الفيديوهات التي ظهر بها الجنود.

ومن المتوقع، بحسب ما نقلته الإذاعة، أن تتخذ إسرائيل خطوات، بما في ذلك إرسال “رسائل قوية” بهذا الشأن إلى “النظام السوري”، ومطالبته بإدانة تسجيلات جنوده.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية للإذاعة، “نعمل ضد النظام السوري بمبدأ (اشتبه به ثم اشتبه به)، ننظر إليهم بريبة تامة. طبيعة النظام جهادية متطرفة، ونحن لا نخلط بينهم”.

لكن الأمر تعدى بحث الرد على الهتافات إلى الذهاب إلى خيار “الحرب”، كما اعتبر وزير الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، حيث قال في تغريدة نشرها على حسابه بمنصة “إكس” مع إرفاق فيديوهات العرض، إن “الحرب مع سوريا حتمية”.

أما عن الهتافات فهي شعبية ومتداولة بين الناس بكثرة، كما تُستخدم بالعروض العسكرية الخاصة بالفصائل الفلسطينية وخصوصًا في غزة، حيث ردد عناصر “لواء غزة” التابع لـ“كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” الفلسطينية هذا الشعار في شباط الماضي، خلال عرض عسكري.

المسير العسكري في حمص بمناسبة ذكرى التحرير – 8 كانون الأول 2025 (/ محمد كاخي)

ماذا تمثل هذه الهتافات؟

الكاتب الإسرائيلي يارون فريدمان، حذّر في مقال تحليلي له على صحيفة “معاريف” من أن تتحول سوريا إلى إمارة إسلامية تحت رعاية تركيا وقطر، ما يُشكّل، وفق قوله، “تهديدًا مباشرًا وخطيرًا لإسرائيل، لا سيما بعد إعادة بناء الجيش السوري”، مشيرًا إلى أن الهتافات التي أطلقها الجنود تكشف جوهر “الحركة السلفية الجهادية”.

وقال فريدمان، إن “الشرع (الرئيس السوري) مخادع، مثقف، رزين، وماكر. انتظر بصبر شديد قرابة عشر سنوات في محافظة إدلب، حتى حانت اللحظة المناسبة لفتح دمشق”.

الكاتب اعتبر أن الشرع يغير موقفه من إسرائيل، لكن أنصاره على الأرض “لا يلتزمون”، حيث يحملون الرايات البيضاء، ويهتفون ويتوعدون بمواصلة “تحرير سوريا حتى المسجد الأقصى” قائلًا، إن هذا هو “جوهر الحركة السلفية الجهادية”.

وتابع فريدمان، “حتى وإن أنكر الرئيس السوري ذلك، فهو نفسه يكرر مرارًا وتكرارًا أن مفاوضات بلاده مع إسرائيل لن تؤدي إلى سلام أو تطبيع”.

في المقابل، ذهب بعض السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقًا على العرض العسكري إلى القول إن سوء التنسيق كان حاضرًا بالعرض، وإن هذه الهتافات ليست في التوقيت المناسب، خصوصًا أن إسرائيل تتخذ من أي حجة عذرًا لارتكاب انتهاكات واعتقالات.

لا يرى الباحث في المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع (مسداد) معتز السيد، أن عرضًا عسكريًا بهذا الحجم وبهذا المستوى من التنظيم، وبحضور رئيس الجمهورية، يمكن أن يشهد هتافات ارتجالية أو غير منسقة.

السيد اعتبر، في حديث إلى، أن الرسائل التي خرجت كانت “واضحة وتحمل بصمة السلطة بشكل مباشر، ولا يمكن تفسيرها على أنها مجرد مبادرات فردية”.

وقال إن التحليلات التي تربط الأمر بوجود تيارات متشددة داخل الجيش قادرة على تمرير رسائل مستقلة، هي أقرب إلى فرضيات نظرية بعيدة عن الواقع العملي، إذ إن مثل هذه الفعاليات تخضع عادة لإشراف دقيق وتنسيق محكم، يضمن أن ما يُقال ويُرفع يعكس الموقف الرسمي للدولة لا اجتهادات داخلية.

رد فعل على “بيت جن”

بدت الهتافات المناهضة لإسرائيل والداعمة للقضية الفلسطينية التي جاءت ضمن عرض الجيش السوري، امتدادًا للخطاب التصعيدي الذي أطلقه الرئيس السوري، أحمد الشرع، في منتدى “الدوحة”، وفق ما يرى الباحث في المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع (مسداد) معتز السيد.

واعتبر السيد، في حديثه إلى، أن هذا الخطاب يمكن قراءته كرسالة سياسية مرتبطة برد فعل مباشر على عملية بيت جن التي سقط خلالها “شهداء مدنيون”.

وهذا ما أضفى على المشهد، وفق قراءة الباحث، “بعدًا يتقاطع فيه البعد الرمزي للتكريم مع البعد السياسي”، ليعكس وفق السيد استراتيجية مزدوجة تجمع بين تثبيت الشرعية الداخلية وإرسال رسائل خارجية واضحة.سوريا

في 28 من تشرين الثاني الماضي، توغلت القوات الإسرائيلية في بلدة بيت جن بريف دمشق، وعمدت إلى اعتقال عدد من الأهالي، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين شبان البلدة والقوات الإسرائيلية.

وقابلت القوات الإسرائيلية المقاومة المحلية بقصف المدفعية الثقيلة، ما أسفر عن 13 قتيلًا و24 مصابًا، بينما أصيب ستة ضباط إسرائيليين بجروح بالغة ومتوسطة وخفيفة، إلى جانب دمار عدة منازل وحركة نزوح لأهالي بيت جن إلى المناطق المجاورة.

وزارة الخارجية السورية أدانت ما وصفته بـ”الاعتداء الإجرامي” الذي قامت به دورية إسرائيلية، من خلال توغلها في بلدة بيت جن بريف دمشق، والاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم.

أما إسرائيل فبررت هجومها على البلدة بأنها كانت تقبض على عناصر من “الجماعة الإسلامية” (حركة لبنانية)، وقالت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، إن “الجماعة” تمتلك أسلحة في بيت جن وتعمل على “تجنيد الإرهابيين وتحديد مواقعهم”، وتلعب دورًا محوريًا في المعركة الشمالية كقوة مستقلة خلال الحرب على جبهة لبنان.

وتطالب إسرائيل بمنطقة منزوعة السلاح على الحدود السورية، لمنع ما سمته “تكرار 7 أكتوبر”.

الرئيس السوري، أحمد الشرع، قال خلال مشاركته في منتدى “الدوحة”، في 6 من كانون الأول الحالي، إن إسرائيل تصدّر الأزمات إلى الدول، وتحاول أن تهرب من المجازر المروّعة التي ارتكبتها في غزة.

وأشار الشرع إلى أن إسرائيل تحولت إلى دولة وكأنها تقاتل أشباحًا، وتقرر كل شيء بناء على المخاوف الأمنية المزعومة والاضطرابات، وتقيس على “7 أكتوبر” (عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس) كل ما يحصل من حولها.

وبالنسبة للمفاوضات مع إسرائيل، قال الرئيس السوري، إن “العديد من الدول تدعمنا في هذه المفاوضات”، وتدعم انسحاب إسرائيل إلى ما قبل 8 من كانون الأول 2024، وأضاف أن “سوريا هي التي تتعرض للهجوم من إسرائيل. وليست سوريا هي التي تهاجم. فمن هو الأَولى بالمطالبة بمنطقة عازلة والانسحاب؟”.

كيف تؤثر الرسائل على المفاوضات

الباحث في مركز “مسداد” معتز السيد، اعتبر أن الرسائل السياسية التي وُجهت إلى إسرائيل وصلت بالفعل، وقد ردت تل أبيب بالاحتجاج، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية حرصت منذ لحظة تسلمها السلطة على إرسال رسائل طمأنة إلى الجوار، بما في ذلك إسرائيل، غير أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية أزعج حتى الحليف الأمريكي الذي يفضل سوريا مستقرة.

ولا تبدو الهتافات ذات “أثر مباشر” على المفاوضات، لكنها تكشف عن نبرة تصعيدية تهدف إلى إظهار السلطة كلاعب قوي لا ضعيف، بحسب الباحث السوري.

ومن المرجح، وفق قول السيد، أن تواصل إسرائيل استفزاز السلطة، فيما سترد دمشق عبر القنوات الدبلوماسية، وربما عبر تغذية الاحتجاجات في المناطق التي تدخلها الدوريات الاسرائيلية، ومع ذلك، يبقى الاتفاق الأمني “قادمًا لا محالة” لأنه يصب في مصلحة الطرفين، رغم محاولات إسرائيل صناعة بطولات وهمية قبله.

وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، قال، في 10 من كانون الأول الحالي، إن المسافة بين إسرائيل والحكومة السورية للتوصل إلى اتفاق أمني “اتسعت بشكل واضح” خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما رفعت دمشق “مطالب جديدة” عاقت المحادثات الجارية، وفق ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست”، التي لم تذكر المطالب الجديدة التي رفعتها دمشق.

وكان الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل تعثر في أيلول الماضي، بسبب مطلب إسرائيل السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز” حينها.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.